يشهد الشارع الفرنسي تطورًا لافتًا مع اقتراب البلاد من حسم ملف الموازنة العامة لعام 2025، في خطوة قد تمثل نقطة تحول في مسار الحكومة الفرنسية الحالية بقيادة فرانسوا بايرو.
وكشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية عن توصل اللجنة البرلمانية المختلطة إلى توافق مبدئي حول مشروع الموازنة، في تطور يمنح الحكومة فرصة للخروج من أزمة سياسية ومالية عميقة، رغم استمرار التحديات والانقسامات السياسية الحادة.
تصويت مصيري
وأسفرت مداولات اللجنة المختلطة المكونة من أعضاء مجلسي البرلمان، عن الموافقة على مشروع الموازنة بأغلبية 8 أصوات مقابل 6، خلال اجتماع عقد أمس. وتكتسب هذه الخطوة أهمية استثنائية كونها تمهد الطريق نحو تصويت مصيري في الجمعية الوطنية يوم الأربعاء 5 فبراير.
وتشير لوموند إلى أن هذا التصويت سيحدد مصير اقتراح حجب الثقة المتوقع من حزب فرنسا الأبية، في حال لجوء الحكومة إلى المادة 49.3 من الدستور. وأوضحت وزيرة الحسابات العامة، أميلي دي مونشالان، أن إقرار الموازنة سيخرج فرنسا من "نظام الحد الأدنى من الخدمة" الذي تعيش فيه منذ بداية العام الجاري.
خطة طموحة
تكشف الصحيفة الفرنسية عن خطة طموحة تستهدف خفض العجز العام من 6% إلى 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام واحد. وتعتمد الخطة على زيادة ملموسة في الضرائب والرسوم الإلزامية، مع الحفاظ على الضريبة الإضافية المفروضة على الشركات الكبرى لمدة عام واحد، رغم المعارضة القوية من قبل قطاع الأعمال، وعلى رأسهم برنار أرنو، رئيس مجموعة LVMH. كما تضمنت التعديلات زيادة الضريبة على المعاملات المالية لتصل إلى 0.4%، ورفع الرسوم على تذاكر الطيران بشكل ملحوظ لتصل إلى 7.30 يورو للتذكرة الاقتصادية داخل فرنسا وأوروبا.
تحديات وتوازنات
ترصد الصحيفة تعقيدات المشهد السياسي الفرنسي، إذ يتخذ حزب التجمع الوطني اليميني موقفًا متأرجحًا من المشروع. وأشار جان-فيليب تانجي، المسؤول عن ملف الموازنة في الحزب، إلى احترام "الخطوط الحمراء" التي وضعها حزبه، خاصة فيما يتعلق بتثبيت المعاشات التقاعدية وتعويض الأدوية وزيادة ميزانية المستشفيات والتعليم. غير أن المادة الرابعة المتعلقة بأسعار الطاقة النووية تظل نقطة خلاف جوهرية قد تدفع الحزب للتصويت لصالح حجب الثقة.
تخفيف الإجراءات التقشفية
نجحت المفاوضات في تخفيف حدة بعض الإجراءات التقشفية المقترحة سابقًا، إذ تم التراجع عن خطة إلغاء 4000 وظيفة تعليمية، كما تم خفض التخفيضات المقترحة في المساعدات الطبية للأجانب إلى 111 مليون يورو فقط، بدلًا من 200 مليون يورو كما كان مقترحًا في مجلس الشيوخ.
كما استجابت الحكومة للضغوط اليسارية بتخصيص 300 مليون يورو إضافية للمشاريع البيئية، رغم أن هذا المبلغ يظل أقل بمليار يورو من ميزانية أكتوبر السابقة، وفقًا لتصريحات الأمينة الوطنية للخضر، مارين توندولييه.
المسار المستقبلي
تختتم لوموند بتحليل للمشهد المستقبلي، مشيرة إلى أن الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير الموازنة والحكومة معًا، فنجاح اقتراح حجب الثقة سيؤدي حتمًا إلى سقوط حكومة فرانسوا بايرو، وإلغاء مشروع الموازنة بالكامل. وتبقى الأنظار متجهة بشكل خاص نحو موقف النواب الاشتراكيين، الذين انقسموا في التصويت السابق، حيث صوت ثمانية منهم لصالح حجب الثقة خلافًا لتوجيهات حزبهم في منتصف يناير الماضي، في حين أن هذا الانقسام يمثل تحديًا إضافيًا أمام الحكومة في سعيها لتأمين الأغلبية اللازمة لتمرير الموازنة.