في خطوة تعكس عمق التحولات الجذرية التي تشهدها المؤسسات الفيدرالية الأمريكية، منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن رسالة إلكترونية، بعث بها جيمس دينيهي، المدير الأول لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI في نيويورك، إلى موظفيه يتعهد فيها بالصمود في وجه حملة التغييرات واسعة النطاق، التي استهدفت المسؤولين والمحققين المشاركين في تحقيقات أحداث السادس من يناير 2021، التي شهدت اقتحام أنصار ترامب الكابيتول هيل، في حين تأتي هذه التطورات في وقت حساس يشهد فيه المكتب الفيدرالي تحولات دراماتيكية غير مسبوقة في تاريخه المؤسسي.
معركة البقاء والاستقلال
وكشفت نيويورك تايمز، عن وصف دينيهي الوضع الراهن في المكتب الفيدرالي بأنه "معركة خاصة" تهدد كيان المؤسسة واستقلالها، موضحًا في رسالته الداخلية أن "موظفين أكفاء يتم إبعادهم من مناصبهم، بينما يجري استهداف آخرين لمجرد التزامهم بأداء واجباتهم وفقًا للقانون وسياسات المكتب المعتمدة"، ما يعكس حجم التوتر المتصاعد بين قيادات المكتب الفيدرالي والإدارة الجديدة، في وقت تسعى فيه الأخيرة إلى إحداث تغييرات جوهرية في بنية المؤسسة وتوجهاتها.
وفي إجراء غير مسبوق، طلبت وزارة العدل من مكتب التحقيقات الفيدرالي حصرًا شاملًا لجميع العاملين، الذين شاركوا بأي شكل في التحقيقات المتعلقة بأحداث السادس من يناير.
ووفقًا لمصادر داخل المكتب الفيدرالي نقلت عنها نيويورك تايمز، قد يطال هذا الإجراء ما يقارب 6000 موظف، وهو ما يُمثل سدس القوة العاملة في المكتب البالغة 38 ألف موظف، ما يشير إلى حجم التغييرات المحتملة وتأثيرها الواسع على المؤسسة.
إجراءات إدارية
في خطوة أثارت قلقًا عميقًا داخل أروقة المكتب الفيدرالي، تم توزيع استبيان تفصيلي على الموظفين يطالبهم بتحديد طبيعة مشاركتهم في تحقيقات السادس من يناير، بما في ذلك جمع الأدلة وإجراء المقابلات وتنفيذ مذكرات التفتيش والإدلاء بالشهادات في المحاكمات.
وأشارت الصحيفة إلى محاولة روبرت كيسان، نائب المدير المؤقت للمكتب، تهدئة المخاوف المتصاعدة عبر رسالة طويلة أكد فيها أن إدراج أي اسم في القائمة لا يشير بالضرورة إلى وجود مخالفات، مشيرًا إلى أن المكتب لا يزال في مرحلة التفاهم مع وزارة العدل حول الغرض من هذا الحصر الشامل.
وكشف "كيسان" أن المكتب أجرى ما يقارب 2400 تحقيق متعلق بأحداث الكابيتول، وأن الاستبيان يستهدف جميع الأسماء المرتبطة بهذه القضايا، موضحًا أن تعبئة الاستبيان ليست إلزامية للموظفين العاديين، لكنها مطلوبة من المسؤولين الإداريين، في خطوة تعكس حساسية الموقف وتعقيداته.
مكتب نيويورك
وأشارت نيويورك تايمز إلى أن مكتب نيويورك، الذي يقوده دينيهي، منذ سبتمبر الماضي، يمثل ثقلًا مؤسسيًا كبيرًا في هيكل المكتب الفيدرالي، إذ يضم نحو 1100 عميل و500 ضابط مهمات من مختلف الأجهزة الأمنية، إضافة إلى قرابة 1000 موظف مدني من المحللين والفنيين وطاقم الدعم.
ويشكل عدد العملاء في نيويورك ما يصل 10% من إجمالي عدد العملاء على المستوى الوطني، ما يجعله أكبر وأهم المكاتب الميدانية في البلاد.
وفي رسالته، استحضر دينيهي تجربته العسكرية، إذ كان جندي مارينز سابقًا، مشبهًا الوضع الحالي بأيام خدمته في أوائل التسعينيات، حين اضطر لحفر خندق صغير بعمق 5 أقدام للحماية.
وقال في رسالته: "كان الأمر صعبًا، لكنه نجح"، في إشارة رمزية إلى عزمه على الصمود والمقاومة في وجه الضغوط الحالية.
سلسلة إقالات
كشفت نيويورك تايمز عن إجبار ما لا يقل عن 9 مسؤولين رفيعي المستوى على ترك مناصبهم منذ تولي ترامب السلطة، ما أدى إلى حالة من الارتباك والقلق داخل المؤسسة.
وفي لاس فيجاس، أبلغ سبنسر إيفانز، كبير العملاء هناك، موظفيه أنه سيتم فصله من المكتب الفيدرالي دون إبداء أي أسباب، كما تم استدعاء رئيس مكتب نيو أورليانز إلى المقر الرئيسي، بعد ظهور اسمه ضمن قائمة المسؤولين المحتمل إقالتهم، علمًا بأنه كان أحد المشرفين الرئيسيين في مكتب واشنطن خلال أحداث السادس من يناير.
من جانبها، وصفت جمعية العملاء الخاصين السابقين في المكتب الفيدرالي، التي تمثل آلاف المتقاعدين، الاستقالات القسرية بأنها "إجراءات غير قانونية" تنتهك قوانين الخدمة المدنية وحقوق الموظفين في الإجراءات القانونية الواجبة.
ومع ذلك، تستند وزارة العدل في معظم إجراءاتها المتعلقة بالموظفين على السلطة التقديرية للرئيس بموجب الدستور، دون توجيه اتهامات محددة بسوء السلوك لأي من المستهدفين.