الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما تأثير اعتقال القيادي "أبي عكرمة" على مستقبل بوكو حرام في نيجيريا؟

  • مشاركة :
post-title
أبو عكرمة يحمل سلاحًا رشاشًا قبل أن يعتقله جيش نيجيريا

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

في خضم الصراع المعقد الذي تخوضه نيجيريا في حربها ضد الإرهاب، أعلنت السلطات النيجيرية في 23 يناير 2025 عن اعتقال القيادي "أبي عكرمة"، وهو ما يُعد تطورًا بالغ الأهمية في جهود الحكومة النيجيرية. إذ يُعد "أبو عكرمة" أحد الركائز الرئيسية التي ساهمت في دفع "بوكو حرام" نحو تنفيذ عملياتها الإرهابية المعقدة والدموية، ما جعله عنصرًا محوريًا في هيكل التنظيم الإجرامي. ولم يكن اعتقاله مجرد إجراء أمني عابر، بل يمثل ضربة استراتيجية مؤلمة للتنظيم، تُعيد رسم موازين القوة داخلها، وتُعد تحولًا حاسمًا قد يُفضي إلى إعادة ترتيب أوراق التنظيم في المرحلة المقبلة.

وعلى الرغم من هذا النجاح الأمني، يظل التساؤل حول تأثير هذا الاعتقال على مستقبل الجماعة وتوجهاتها في المنطقة مفتوحًا، فهل سينجح هذا الاعتقال في إضعاف قدرات "بوكو حرام"؟ أم أنه قد يسهم في تعزيز شبكاتها الإرهابية تحت قيادة جديدة؟

دواعي الاعتقال

تتعدد دواعي اعتقال "أبي عكرمة" المرتبطة بدوره في تنظيم "بوكو حرام" ونشاطاته الإرهابية، منها:

اعتقال "أبي عكرمة" وتطورات الحرب ضد "بوكو حرام"

(&) تفكيك القيادة التنظيمية: يُعَد "أبو عكرمة" من أهم القيادات وأحد أبرز أمراء الحرب في جماعة "بوكو حرام" بنيجيريا وصاحب الكلمة الأولى في مناطق عديدة؛ لقيادته فصيلًا يتولى السيطرة على مناطق واسعة في ولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا، ويهدف الجيش النيجيري لتقليص قدرة التنظيم على اتخاذ القرارات الاستراتيجية والتكتيكية، فكلما تم إضعاف القيادة العُليا للتنظيم، تقل قدرة الأفراد على القيادة في الميدان. فالقيادة المحلية في "بوكو حرام" تلعب دورًا حاسمًا في التنسيق اللوجيستي وتوجيه العمليات العسكرية المنفذة ضد العسكريين والمدنيين. لذا يُعد اعتقال "أبي عكرمة" بمثابة فرصة للقوات النيجيرية من أجل استهداف الهيكل الداخلي للتنظيم الذي قد يؤدي إلى إرباك عملياتهم الإرهابية خلال الفترة المقبلة.

(&) تقليص القدرات العملياتية والإرهابية: يسهم اعتقال "أبي عكرمة" بشكل مباشر في تقليص قدرة "بوكو حرام" على تنفيذ الهجمات الإرهابية تحت قيادة وتخطيط مُحكَميْن، فغيابه يخلق فجوة كبيرة في هيكل التنظيم، وأكد الجيش النيجيري أن عملية "هادين كاي" العسكرية التي تم فيها الاعتقال دمرت معسكرات التدريب وقتلت مئات من مقاتليه، وهذا يشير إلى أن الهدف كان إضعاف القوة القتالية للتنظيم، والتقليل من قدرته على تنفيذ هجمات متواصلة ضد المدنيين وقوات الأمن.

(&) التأثير النفسي والمعنوي على "بوكو حرام": وصفت الصحافة النيجيرية اعتقال "أبي عكرمة" بمثابة ضربة قاسية للتنظيم، ما يعكس البعد النفسي والاستراتيجي للاعتقال، فاعتقاله يُثبِّط الروح المعنوية لدى أعضاء التنظيم، ويسبب اضطراباً في صفوفهم. فخطوة الاعتقال توضح مدى ضعف التنظيم أمام قوات الأمن النيجيرية، ما يدفع البعض للتخلي عن التنظيم، ومن ثم تآكل قوة "بوكو حرام" على المدى الطويل.

(&) رغبة الجيش النيجيري في استعادة بعض الأراضي تسيطر عليها "بوكو حرام": يسعى الجيش النيجيري إلى استعادة الأراضي التي تسيطر عليها جماعة "بوكو حرام" من خلال عمليات عسكرية منهجية تهدف إلى تفكيك الشبكات الإرهابية بشكل شامل، وتركز هذه العمليات على تعزيز قدرة القوات الأمنية في استعادة هيبة الدولة وحماية الشعب النيجيري، في مواجهة سعي التنظيم المتطرف لإقامة دولة خلافة في المنطقة.

انعكاسات متعددة

يترتب على اعتقال القيادي "أبي عكرمة" انعكاسات متعددة تؤثر على عدة مستويات، منها:

الهجوم الأخير لجماعة "بوكو حرام" على الجيش النيجيري

(&) تصعيد الهجمات كرد فِعل انتقامي (وهو ما تم بالفعل): عقب عملية الاعتقال، سعى التنظيم لتكثيف هجماته الانتحارية، من أجل الضغط على القوات النيجيرية لدفعها إلى ما وصفه بفك أسر "أبي عكرمة"، وتوجيه رسالة بقوة التنظيم وقدرته على التكيف مع المجريات، فنجد عقب تنفيذ عملية الاعتقال، في يوم الجمعة 24 يناير 2025، نفذت "بوكو حرام" هجومًا انتحاريًا على وحدة عسكرية نيجيرية، أسفر عنه مقتل 27 جنديًا، حين فجر انتحاري سيارته المفخخة بعد حلول الظلام، ما صعّب على القوات النيجيرية الرؤية وسط توقعات بارتفاع عدد القتلى.

(&) توفير الفرص للمخابرات النيجيرية: يمكن أن تسهم عملية اعتقال "أبي عكرمة" في محاولات القوات الأمنية استجوابه وجمع المعلومات الاستخباراتية للكشف عن بنية التنظيم، وأسماء القادة الآخرين، ومواقع الاختباء، ومصادر التمويل. فالاعتقال فرصة لتوفير معلومات حيوية حول هيكلية الجماعة، شبكاتها، وخططها المستقبلية، ما يساهم في إحباط الهجمات المقبلة، بالإضافة إلى تعزيز الروح المعنوية للجيش النيجيري، إذ إن نجاح الجيش في اعتقال قيادي بارز في "بوكو حرام" دفعة معنوية للجيش النيجيري وزيادة ثقته في قدرته على مواجهة التهديدات الإرهابية، خاصًة أن عملية "هادين كاي" العسكرية منذ سنوات، ويؤكد الجيش أن العملية تمكنت من تقليص تهديد التنظيم وقدرته على تنفيذ هجمات ضد المدنيين وقوات الأمن منذ تنفيذها.

(&) تعزيز التعاون الإقليمي والدولي: من المرجَّح أن يسعى الجيش النيجيري إلى تنظيم تدريبات مشتركة مع قوات دولية مثل (أفريكوم) لمكافحة الإرهاب، وتنفيذ عمليات مشتركة على الحدود مع تشاد والنيجر والكاميرون وبنين، فيمكن أن تشهد المنطقة زيادة انخراط القوى الدولية والإقليمية تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، وتكثيف التعاون لمواجهة الاضطرابات الراهنة.

إجمالًا، يمكن القول إن اعتقال "أبي عكرمة" خطوة محورية تحمل في طياتها تداعيات عميقة على مستقبل التنظيم، لكن الأبعاد الحقيقية لهذا الحدث لن تظهر إلا على المدى البعيد، فكما أن الاعتقال ضربة موجعة لبنية القيادة في التنظيم، فالتنظيمات الإرهابية غالبًا ما تجد طرقًا لاستمرار نشاطها في ظل التحديات الكبرى التي تواجهها مثل المخططات الحكومية لمحاولة كبح نفوذها، فإرث بوكو حرم وتعدُد آلياته لا يزال تهديدًا مستمرًا للأمن الإقليمي، ويبقى الاعتقال مؤشرًا على تزايُد فعالية الجهود الأمنية، فالحرب ضد الإرهاب طويلة الأمد تتطلب تضافُر الإدارات السياسية والأمنية؛ لضمان مستقبل مستقر للمنطقة برمتها.