تواجه مدينة برمنجهام البريطانية أزمة بيئية غير مسبوقة، تحولت معها شوارع المدينة وأحياؤها السكنية إلى ما يشبه المكبات المفتوحة للنفايات، في ظل إعلان المجلس البلدي إفلاسه وتوقف عمال النظافة عن العمل احتجاجًا على إلغاء وظائفهم.
وسلطت صحيفة "ذا جارديان" الضوء على الواقع اليومي الذي يعيشه سكان ثاني أكبر المدن البريطانية، حيث تتكدس أكوام النفايات في الشوارع وتنتشر القوارض بأحجام غير مسبوقة، ما يهدد الصحة العامة والسلامة البيئية للمدينة بأكملها.
معاناة يومية
في تفاصيل المشهد اليومي الذي يعيشه سكان برمنجهام، يضطر المواطنون للتنقل بين أكوام النفايات المتراكمة كما لو كانوا يخوضون مسار عقبات، ويروي جيري موينيهان، الناشط المجتمعي في منطقة بوردسلي جرين، تفاصيل مثيرة للقلق عن الوضع المتدهور في المدينة، إذ أصبحت المشاهد المعتادة تتضمن السيارات المهجورة والثلاجات المتروكة والأثاث المرمي في الشوارع، إضافة إلى عبوات أكسيد النيتروز المنتشرة على الأرصفة.
وما يزيد الوضع سوءًا أن المجلس البلدي، في محاولة لتوفير النفقات، يكتفي بوضع حواجز حول النفايات المتراكمة بدلًا من إزالتها، ما يحول المشكلة المؤقتة إلى واقع دائم يعيشه السكان.
تداعيات خطيرة
وتتجلى خطورة الوضع بشكل خاص في منطقة كاميلوت واي، حيث تقع المدارس الابتدائية والثانوية بجوار الوحدات الصناعية ومرائب السيارات.
وتصف "ذا جارديان" مشهدًا مروعًا لعربة كارافان محترقة مليئة بالنفايات المتراكمة، محاطة بحواجز، بينما تمتلئ الأرصفة بأكياس القمامة وبقايا السيارات والطين.
وعبر أحد سكان المنطقة، عن مخاوفه العميقة على سلامة ابنته البالغة من العمر أربع سنوات، التي تضطر للمرور عبر هذه المنطقة يوميًا للوصول إلى مدرستها.
ووصلت المشكلة إلى حد اضطرار زوجته لاختيار مسار أطول للعودة إلى المنزل، تجنبًا للمخاطر التي قد تتعرض لها الطفلة من السيارات المهجورة والنفايات المتراكمة.
أزمة اقتصادية
ولفت "ذا جارديان" إلى الأبعاد الاقتصادية العميقة للأزمة، إذ تتزامن مشكلة النفايات مع إجراءات تقشفية صارمة أعلن عنها المجلس البلدي في عام 2024، الذي قرر إلغاء الفريق المسؤول عن مراقبة جودة الشوارع وتلوث النفايات في الأحياء، كما رفع رسوم إزالة النفايات الضخمة من 35 إلى 45 جنيهًا إسترلينيًا.
الأخطر من ذلك أن المجلس فرض رسومًا جديدة على خدمات مكافحة القوارض، في إجراء أطلق عليه السكان "ضريبة الفئران".
هذه الإجراءات تأتي في مدينة تعاني أصلًا من معدلات فقر مرتفعة، حيث تضم دائرتين انتخابيتين تسجلان أعلى معدلات فقر أطفال في المملكة المتحدة، بنسبة تصل إلى 55%.
مبادرات مجتمعية
وسط هذا الواقع المرير، تظهر مبادرات مجتمعية تحاول التصدي للمشكلة، فمثلًا تقود ليان جريجوري مبادرة مجتمعية في جنوب غربي المدينة لجمع القمامة، بمشاركة ابنها البالغ من العمر خمس سنوات.
وتصف جريجوري الوضع المتفاقم قائلة إن عمليات جمع النفايات تتعطل بشكل متكرر، ما يؤدي إلى تراكم أكياس القمامة وانتشارها في الشوارع، فضلًا عن اجتذابها للقوارض والقطط.
وعبرت عن مخاوفها العميقة من قرار المجلس البلدي تقليص عمليات جمع النفايات إلى مرة كل أسبوعين، مؤكدة أن المناطق الأكثر فقرًا ستكون الأكثر تضررًا من هذا القرار.
موقف رسمي يثير الجدل
في محاولة للرد على هذه المخاوف، أكد أحد أعضاء مجلس مدينة برمنجهام المسؤول عن البيئة والنقل للصحيفة البريطانية، أن فرق العمل تتعامل مع نحو 600 بلاغ عن إلقاء غير قانوني للنفايات أسبوعيًا.
وأشار إلى أن المحاكم فرضت غرامات تصل في المتوسط إلى 3500 جنيه إسترليني على المخالفين، إضافة إلى أوامر قضائية تتضمن مصادرة وتدمير المركبات المستخدمة في إلقاء النفايات.
ودافع عضو مجلس المدينة عن قرار التحول إلى جمع النفايات كل أسبوعين، مؤكدًا أن هذا الإجراء لن يتم تطبيقه حتى يتم تفعيل نظام جمع نفايات الطعام، وهو إجراء ستكون جميع المجالس البلدية ملزمة به بحلول مارس 2026.