تواجه الخطة التي أعلنت عنها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لنقل آلاف المهاجرين غير الشرعيين إلى قاعدة جوانتانامو البحرية في كوبا، انتقادات حادة بسبب التحديات اللوجستية غير المسبوقة، والمخاوف المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان، إلى جانب عقبات قانونية قد تُعطل تنفيذها بالكامل، وفقًا لصحيفة "بوليتيكو".
مهمة شبه مستحيلة
كشفت بوليتيكو أن الخطة تعتمد على تحويل القاعدة العسكرية، التي تُستخدم حاليًّا لاحتواء 15 معتقلًا فقط من المشتبه ارتكابهم جرائم إرهابية، إلى مركز ضخم يستوعب نحو 30 ألف مهاجر غير شرعي.
وبحسب مصدر للصحيفة، قال مسؤولون في البنتاجون، إن السلطات تدرس استخدام خيام مُخصصة للطقس الاستوائي، لكنها لا تملك موارد كافية لتأمين المياه النظيفة أو الخدمات الطبية لهذا العدد الهائل.
وتُشير الوثائق الداخلية التي اطّلعت عليها الصحيفة إلى أن القاعدة البحرية، التي تبلغ مساحتها 45 ميلًا مربعًا، تعاني من بنية تحتية قديمة، ما يجعل إنشاء مرافق جديدة مهمة شبه مستحيلة دون استثمارات ضخمة.
كما أن نقص الكوادر المدربة، خاصة في مجال الرعاية الصحية، يزيد من مخاطر تفشي الأمراض بين المحتجزين.
مخاطر الفشل
رغم ادعاءات ترامب بأن المنشآت ستكون جاهزة "خلال أيام"، قالت "بوليتيكو" إن التكاليف الأولية للخطة قد تتجاوز 300 مليون دولار، وفقًا لتقديرات مسؤولين سابقين في وزارة الدفاع.
وتشمل هذه التكاليف نقل الإمدادات عن طريق الجو أو البحر، وتوظيف آلاف العاملين الجدد، من بينهم حراس وعاملون في الصرف الصحي وأطباء.
وأضافت الصحيفة أن تجربة تسعينيات القرن الماضي، عندما احتجزت الولايات المتحدة لاجئين من هايتي وكوبا في جوانتانامو، تكلفت نحو 100 مليون دولار سنويًّا، مع وجود بنية تحتية أفضل وظروف إنسانية أكثر استقرارًا.
مقارنةً بذلك، تبدو الخطة الحالية "غير واقعية"، بحسب تعبير أحد المحللين العسكريين الذي نقلت عنه الصحيفة.
كما أشارت الصحيفة إلى أن توفير الخدمات الأساسية، مثل المياه النظيفة والغذاء والرعاية الطبية، سيتطلب وقتًا طويلًا وموارد إضافية، إذ إن القاعدة تقع في منطقة نائية، ما يجعل نقل الإمدادات عملية معقدة ومكلفة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الطقس الاستوائي في كوبا يزيد من صعوبة المهمة، إذ يمكن أن تؤدي الأمطار الغزيرة والأعاصير إلى تدمير الخيام والمرافق المؤقتة.
معوقات قانونية
من الناحية القانونية، تواجه الخطة عواصف من الاعتراضات، وأشارت بوليتيكو إلى أن الوضع القانوني لجوانتانامو يضع الإدارة الأمريكية في مأزق، خاصة مع اعتراف واشنطن رسميًّا بأن القاعدة تقع تحت السيادة الكوبية، ما يعني أن نقل مهاجرين غير شرعيين من دول مثل فنزويلا أو نيكاراجوا إلى القاعدة يتطلب موافقة هافانا، وهو أمر غير مرجح في ظل التوترات السياسية القائمة.
كما لفت الخبراء، وفقًا للصحيفة، إلى أن نقل مهاجرين موجودين بالفعل على الأراضي الأمريكية إلى جوانتانامو يعد "انتهاكًا صارخًا" للقانون الدولي، خاصةً أن الكثيرين منهم ينتظرون محاكمات هجرة عادية.
وقال توم جاوتز، الخبير القانوني في شؤون الهجرة، لصحيفة بوليتيكو: "لا توجد سوابق تسمح بذلك.. هذه الخطوة ستواجه تحديات قضائية فورية".
وأضاف "جاوتز" أن نقل المهاجرين غير الشرعيين إلى جوانتانامو قد يُعد "احتجازًا تعسفيًّا"، خاصةً إذا تم عزلهم عن العالم الخارجي ومنعهم من الوصول إلى المحامين أو المحاكم. وهو ما قد يؤدي إلى موجة من الدعاوى القضائية ضد الإدارة الأمريكية، ما يُعقد تنفيذ الخطة بشكل أكبر.
غضب أمريكي لاتيني وتحذيرات أممية
وأثار الإعلان موجة غضب في دول أمريكا اللاتينية، ووصفت حكومات مثل المكسيك وجواتيمالا الخطة بأنها "استفزاز غير إنساني".
ونقلت بوليتيكو عن دبلوماسي أمريكي سابق قوله: "هذه الخطوة ستُدمر العلاقات مع حلفاء رئيسيين في المنطقة، الذين يعتبرون جوانتانامو رمزًا للانتهاكات".
من جهتها، حذرت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من أن نقل المهاجرين إلى مكان معزول مثل جوانتانامو "قد يشكل انتهاكًا للاتفاقيات الدولية"، خاصةً فيما يتعلق بحق المحتجزين في الوصول إلى المحاكم والتمثيل القانوني.
مستقبل غامض
في خضم هذه التحديات، تبدو فرص نجاح الخطة ضئيلة، فبحسب ما أشارت إليه بوليتيكو، فإن الإدارة الأمريكية لم تُعلن عن جدول زمني واضح، أو آلية لتمويل المشروع على المدى الطويل، ما يزيد من مخاوف تحوله إلى "مشروع فاشل" يستهلك الموارد دون تحقيق أهدافه.
كما أن الخطة تفتقر إلى دعم سياسي واسع، إذ انتقدها العديد من أعضاء الكونجرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وقال أحد النواب الديمقراطيين: "هذه ليست الطريقة الصحيحة للتعامل مع أزمة الهجرة.. نحن بحاجة إلى حلول إنسانية، وليس عسكرة الحدود".
وبينما تسعى إدارة ترامب إلى تقديم جوانتانامو كحل "جذري" لأزمة الهجرة، يبدو أن التكاليف الباهظة، والعقبات القانونية، والانتقادات الدولية، ستجعل من هذه الخطة فصلاً جديدًا في سجل السياسات المثيرة للجدل، والتي قد تترك آثارًا سلبية طويلة الأمد على سمعة الولايات المتحدة العالمية.