الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

انعكاسات اتفاق غزة على المشهد السياسي الإسرائيلي

  • مشاركة :
post-title
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

على وقع خفوت أجواء الحرب في قطاع غزة، يرتفع التوتر في المشهد السياسي الإسرائيلي باستئناف جلسات محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وعودة ملف إصلاح القضاء إلى الواجهة مجددًا بانتخاب القاضي الليبرالي يتسحاق عميت، رئيسًا للمحكمة العليا بعد شغور استمر 16 شهرًا، منذ أكتوبر 2023، ووسط خلافات سياسية متجددة بشأن تجنيد اليهود المتشددين (الحريديم) واستكمال صفقة تبادل الأسرى، التي قادت لاستقالة عدد من قادة جيش الاحتلال وعلى رأسهم رئيس الأركان الذي يعتزم الاستقالة، مارس المقبل، واستقالة حزب عظمة يهودية بزعامة إيتمار بن جفير من الائتلاف الحكومي.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي أبعاد المشهد السياسي الإسرائيلي في أعقاب التصديق على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة والتصعيد بالضفة الغربية ومآلات ذلك على مستقبل الائتلاف الحكومي.

ملفات متعددة

مَثّل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة محفزًا للعديد من التطورات في المشهد السياسي الإسرائيلي، التي عادت إلى السطح مجددًا بعد هدوء نسبي في جبهات القتال، ويمكن استعراضها على النحو التالي:

(*) ملف القضاء: على وقع أزمة شغور طالت ثلاث مقاعد في المحكمة العليا، انُتخب القاضي الليبرالي يتسحاق عميت رئيسًا للمحكمة العليا، 26 يناير 2025، رغم مقاطعة أعضاء لجنة تعيين القضاة من الائتلاف الحاكم وهم وزير العدل ورئيس اللجنة ياريف ليفين ووزيرة المستوطنات أوريت ستروك وعضو الكنيست عن حزب عظمة يهودية يتسحاق كرويزر. جاء اختيار عميت بعد 16 شهرًا من الفراغ في المنصب الأهم في السلطة القضائية ليمثل ضربة لمشروع الإصلاح القضائي أو "الانقلاب القضائي" كما تسميه المعارضة، الذي يهدف لتغيير مبدأ الاختيار بالأقدمية سعيًا لاختيار قاضٍ محافظ والسير في تقليص صلاحيات السلطة القضائية.

(*) تجنيد الحريديم: يفرض ملف تجنيد الحريديم نفسه على الطاولة مجددًا في ظل مقترح الحكومة الحالي، الذي يشمل الزيادة التدريجية خلال سبع سنوات في أعداد المجندين لتصل 50% من شباب الحريديم في سن التجنيد بواقع 9 آلاف مقاتل من أصل 18 ألفًا بحلول 2032، على أن يتم تعبئة 4800 فقط في عام 2025 "الفترة من يوليو 2024 إلى يونيو 2025".

وفي السياق ذاته، بات اختيار رئيس الأركان المقبل رهنًا بمواقفه من مقترح تجنيد الحريديم، حسبما اتهم زعيم حزب إسرائيل بيتنا أفيجدور ليبرمان وزير الدفاع يسرائيل كاتس، الذي حصر اختيار رئيس الأركان في 3 مرشحين لخلافة هيرتسي هاليفي، هم المدير العام لوزارة الدفاع إيال زامير، ونائب رئيس الأركان أمير برعام، وقائد القوات البرية السابق تمير يداي.

(*) اليوم التالي لحرب غزة: لا يزال تضارب المواقف بين المؤيدين لإنهاء الحرب على غزة بصفقة تبادل شاملة والمطالبين باستعادة المحتجزين واستئناف القتال حتى تنفيذ أهداف الحرب سيد الموقف، في ظل المخاوف السياسية التي تحيط بمشهد اليوم التالي ليس فقط في غزة، وإنما في السياسة الإسرائيلية. وخلافًا لموقفي حزب عظمة يهودية المنسحب من الحكومة وحزب الصهيونية الدينية، حث زعيم حزب شاس، أرييه درعي، الاثنين 27 يناير 2025، رئيس الوزراء على الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وإعادة كل المحتجزين الأحياء والأموات، كما أعلن يؤآف بن تسور وزير العمل والرفاه وعضو حزب شاس لليهود الشرقيين ويتسحاق جولدنكنوبف زعيم حزب يهودية التوراة الموحدة دعم حزبيهما لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في استكمال مرحلتي اتفاق وقف إطلاق النار حتى استعادة آخر محتجز في غزة، خلال المؤتمر الاقتصادي لاتحاد عمال الهيستدروت.

ويعزز من تلك المخاوف ما كشف عنه استطلاع للرأي نشرته صحيفة معاريف، 24 يناير 2025، يظهر أن 62% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو من رئاسة الحكومة في ظل المخاوف من إجهاضه استكمال اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن البديل المطروح لمواجهة نتنياهو حسب الشارع الإسرائيلي هو رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينيت، حال تأسيسه لحزب سياسي جديد. وكان بينيت انسحب من العمل السياسي بعد سقوط ائتلاف بينيت-لابيد، الذي ضم 8 أحزاب من اليمين واليسار والعرب في مواجهة نتنياهو.

التوزيع السكاني لليهود حول العالم

(*) المؤسسات القومية لليهود: تكتسب انتخابات المؤتمر الصهيوني العالمي الـ39 أهمية محورية في ظل المشهد السياسي الإسرائيلي في ظل سيطرة اليمين المتطرف على مؤسسات الداخل ومحاولة السيطرة على المؤسسات القومية لليهود، التي تمثل مفتاحًا للمال والنفوذ ومستقبل الحكم في الداخل. وفي ظل الزخم المتزايد للانتخابات المقبلة المقررة في الفترة من 10 مارس إلى 4 مايو 2025، عزز قادة حزب الليكود وعلى رأسهم وزير الثقافة والرياضة ميكي زوهار من التفاهمات مع العديد من الأحزاب من مختلف الاتجاهات السياسية، بدءًا من منظمة مزراحي الصهيونية الدينية وحزب إسرائيل بيتنا لليهود الروس وحزب معسكر الدولة وصولًا لقوى اليسار مثل يش عتيد والديمقراطيون لضمان استمرار السيطرة على تلك المنظمات وفي مقدمتها الصندوق القومي لليهود الذي يملك 13% من "الأراضي الإسرائيلية".

المؤتمر الصهيوني العالمي

ويعبر ذلك التنافس عن صراع داخلي على السلطة والنفوذ بين جناحي حزب الليكود لانتزاع زعامة الليكود العالمي من يعقوب هاجويل رئيس المنظمة الصهيونية العالمية وداني دانون، الذي جرى إبعاده عن الصراع في الداخل باختياره رئيسًا لبعثة إسرائيل بالأمم المتحدة، يونيو 2024.

مشهد معقد

يمثل ذلك التباين رد فعل أوليًا على انعكاسات الحرب في غزة على مصالح أقطاب الائتلاف الحاكم، فمن جهة لم تعد إطالة أمد الحرب تخدم أجندة الائتلاف في السيطرة على السلطة القضائية والحفاظ على امتيازات الحريديم في التجنيد في ظل حاجة جيش الاحتلال الإسرائيلي لتجنيد 10 آلاف شخص لتعويض الخسائر وتدعيم الوحدات العسكرية التي جرى إنشاؤها أو إعادة انتشارها إقليميًا، وفي هذا الإطار تبرز الحاجة الماسة لتجنيد المتشددين في ظل بلوغ مستويات التجنيد لباقي فئات المجتمع أعلى مستوياتها بنحو 90%، وباعتبارهم الأسرع نموًا في المجتمع الإسرائيلي، إذ يقدر عددهم بنحو 1.3 مليون نسمة وبمتوسط نمو 4% سنويًا، وفي حين يبلغ عدد الحريديم في سن التجنيد 13 ألف شخص، ينضم للخدمة العسكرية نحو 10% فقط من ذلك العدد حسب التقديرات الإسرائيلية.

ويعيد جيش الاحتلال تموضع قواته لضمان تعزيز الأمن في مستوطنات غلاف غزة، إذ ستتولى الفرقة 162 أمن مستوطنات شمال غزة، بينما تتولى فرقة غزة تأمين مستوطنات الجنوب، وتتطلب إطالة أمد الصراع في جبهات المواجهة زيادة أعداد القوات البرية ورفع كفائتها على الدوام.

ويقابل ذلك الموقف برفض بعض أحزاب الائتلاف، إذ أعلن رئيس لجنة التعليم بالكنيست عن حزب شاس، يوسيف طيب، تفضيله إرسال ابنه للسجن ودراسة التوراة على الخدمة في الجيش، علاوة على مشروع قانون تجنيد الحريديم المطروح، الذي يعطي امتيازات بتجنيد 50% فقط بعد 7 سنوات ويعفي المتهربين من الخدمة من العقاب بعد استيفاء الأعداد المطلوبة سنويًا، ما قد يصعب مهمة تعبئة هذه الأعداد بالأساس، فضلًا عن إمكانية إسقاط القانون من قبل المحكمة العليا التي قد تهدد أجندة الحكومة لتجنيد الحريديم وحتى الإصلاح القضائي ومحاكمات رئيس الوزراء في قضايا الفساد وتشكيل لجنة تحقيق غير سياسية في أسباب إخفاق السابع من أكتوبر 2023، على غرار لجنة أجرانات، خلافًا لما يستهدفه الائتلاف من تشكيل لجنة سياسية.

إجمالًا؛ على الرغم من عِظم التحديات التي تواجه ائتلاف نتنياهو، إلا أن هامشًا للمناورة لا يزال متاحًا في الدفع للأمام باستدامة مواجهة التهديدات الخارجية بالتواؤم مع السياسة الأمريكية مقابل تسريع وتيرة الاستيطان والبحث عن حلول تلتف على أزمات الائتلاف الحاكم تجاه أنصاره بالشارع الإسرائيلي. ومع وجود صراع نفوذ داخل أجنحة حزب الليكود، إلا أن المشهد العام لانتخابات المؤتمر الصهيوني المقبل ومجمل الخريطة الأيديولوجية والسياسية الإسرائيلية "والصهيونية" في الداخل والخارج تميل لصالح هيمنة اليمين واليمين المتطرف الذي ينادي بإسقاط حل الدولتين. ويظل التحدي الأبرز أمام اليمين المتطرف أن ما لم يتحقق بالحرب لا يمكن تحقيقه بالمناورة والسياسة.