يُواصل وزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانان، الظهور الإعلامي المُكثف في خطوة لافتة تكشف عن طموحات سياسية كبيرة، متحديًا التقاليد المتبعة في منصبه الجديد.
في هذا الصدد، تكشف صحيفة "إكسبريس" الفرنسية عن تفاصيل استراتيجية دارمانان في التعامل مع منصبه الجديد كحارس للأختام.
حارس الأختام
ويحمل منصب وزير العدل في فرنسا لقبًا تاريخيًا مهمًا وهو "حارس الأختام"، وهو موروث من العصور الملكية الفرنسية حين كان المنصب يعني حرفيًا حراسة الأختام الملكية الرسمية للدولة.
واليوم، يحمل هذا اللقب دلالة رمزية عميقة في النظام القضائي الفرنسي، إذ يشير إلى دور وزير العدل كحامٍ لاستقلال القضاء وضامن لسيادة القانون.
وتكتسب هذه الرمزية أهمية خاصة في ظل الجدل الدائر حول أسلوب دارمانان في إدارة الوزارة، حيث تتصادم تقاليد المنصب المحافظة مع نهجه الإعلامي النشط.
كما تشير الصحيفة الفرنسية، فإن هذا التناقض بين رمزية المنصب وأسلوب شاغله الجديد يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين السلطة القضائية والإعلام في فرنسا.
أروقة العدل والشاشات الإعلامية
تكشف "إكسبريس" عن نمط جديد يتبعه دارمانان في إدارة وزارة العدل، إذ يواصل الظهور المكثف في نشرات الأخبار الرئيسية، متبعًا نفس النهج الذي كان عليه عندما كان وزيرًا للداخلية.
وفي ظهوره الثاني على قناة TF1 منذ توليه المنصب، بدا واضحًا أن الوزير الجديد يرفض الانصياع للطبيعة المحافظة لمنصبه.
ونقلت الصحيفة عن أحد المقربين منه تعليقًا يصف أسلوب دارمانان قائلًا: "إنه يلعب التنس حتى بدون أوتار في مضربه، لكن الكرة تصل إلى هدفها دائمًا."
التحديات والتحذيرات
في مشهد مثير للاهتمام خلال حفل تسليم السلطة، وجه سلفه ديدييه ميجو تحذيرًا صريحًا حول طبيعة المنصب، إذ نقلت "إكسبريس" عن ميجو قوله إن منصب حارس الأختام يتطلب ضبط النفس في التصريحات العامة، مؤكدًا أن الوزير سيكتشف قريبًا أنه لا يستطيع التعبير علنًا في العديد من القضايا، عكس نظرائه في الحكومة.
وفي السياق ذاته، نشر جان جاك أورفواس، أحد الوزراء السابقين في المنصب، مقالًا في صحيفة "تيليجرام دو بريست"، محذرًا من مخاطر التصريحات الإعلامية المتسرعة على مصداقية العمل السياسي والقضائي.
استراتيجية متجددة
تكشف الصحيفة الفرنسية عن تحول جذري في استراتيجية دارمانان للتكيف مع منصبه الجديد، فبعد حصوله على لقب وزير الدولة، الذي كان مخصصًا في الأصل لرؤساء الوزراء السابقين فقط، بدأ في تطوير نهج جديد يعتمد على إطلاق مبادرات استراتيجية.
ومن أبرز هذه المبادرات مشروع إنشاء سجن عالي الأمن مخصص لاحتجاز أخطر 100 تاجر مخدرات في البلاد.
وتنقل الصحيفة عن مصدر مقرب من الوزير تشبيهه للمشروع بـ"الشقة النموذجية" التي ستظهر التغيير الحقيقي في النظام القضائي.
التكيف مع الواقع الجديد
يواجه دارمانان تحديات غير متوقعة في التكيف مع طبيعة منصبه الجديد، إذ تختلف حقيبة العدل جذريًا عن الداخلية، التي كان يتولاها سابقًا، وتنقل "إكسبريس" موقفًا طريفًا عندما ظن الوزير أن هاتفه معطل، ليكتشف لاحقًا أن قلة الاتصالات هي السمة المعتادة للمنصب.
وفي محاولة للتكيف مع هذا الواقع الجديد، قام بتبسيط السياسة الجنائية في منشور من أربع صفحات فقط، مركزًا على مكافحة تجارة المخدرات والعنف ضد الأشخاص.
مستقبل القضاء الفرنسي
تختتم "إكسبريس" بتسليط الضوء على مساعي دارمانان لبناء تحالفات سياسية جديدة، خاصة مع برونو ريتايو رئيس كتلة حزب الجمهوريين الحاكم في مجلس الشيوخ الفرنسي والشخصية السياسية المحافظة البارزة، في خطوة تعكس ذكاءً سياسيًا محسوبًا.
وتشير الصحيفة إلى أنه وفق استراتيجية دارمانان المعروفة في ركوب الدراجات، يدرك أهمية "البقاء في مسار القائد"، خاصة وأن ريتايو يحظى حاليًا باهتمام كبير من الرأي العام، وقد تُوج هذا التقارب بعشاء جمع بين الرجلين يوم الأحد، تبعه نشر صورة مشتركة لهما على الصفحة الأولى من صحيفة "لو باريزيان".
ومن المقرر أن يقوم الرجلان بزيارات ميدانية مشتركة في الأسابيع المقبلة، في إشارة واضحة إلى أن دارمانان يدرك أن "الأضواء يمكن أن تُتقاسم" كما تنقل الصحيفة الفرنسية.
ويأتي هذا التحول في إدارة وزارة العدل الفرنسية في وقت حساس تواجه فيه المؤسسة القضائية تحديات غير مسبوقة، وتؤكد "إكسبريس" أن نجاح دارمانان في الموازنة بين الحفاظ على استقلال القضاء وتحقيق رؤيته الإصلاحية سيكون محك اختبار حقيقي لقدراته السياسية والإدارية في الأشهر القادمة.