الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تغير التحالفات.. كيف قلبت روسيا موازين القوى في الاتحاد الأوروبي؟

  • مشاركة :
post-title
فلاديمير بوتين الرئيس الروسي

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

أدى التهديد الروسي المُتزايد على حدود الاتحاد الأوروبي، إلى إحداث تحول جذري في مواقف الدول الشمالية الغنية تجاه سياسات الإنفاق والانضباط المالي، في تطور يُمكن أن يغير وجه السياسة المالية الأوروبية في السنوات القادمة. في هذا الصدد كشفت صحيفة "بوليتيكو" عن أن التحالف المالي المتشدد الذي قادته ألمانيا لسنوات طويلة مع دول الشمال الأوروبي بدأ يتصدع، تحت وطأة التحديات الأمنية والجيوسياسية الجديدة.

السياسة المالية الأوروبية

كشفت "بوليتيكو" عن تحولات عميقة في مواقف الدول الأوروبية الشمالية تجاه سياسات الإنفاق والانضباط المالي، فعلى مدى سنوات طويلة، شكلت مجموعة من الدول الشمالية الغنية التي تضم ألمانيا والنمسا والدنمارك والسويد وفنلندا وهولندا، تحالفًا صلبًا عُرف باسم "تحالف التقشف"، حيث كانت هذه الدول تقف بحزم ضد أي محاولات لزيادة الإنفاق الأوروبي المشترك أو إصدار ديون مُشتركة.

وأوضحت "بوليتيكو" أن هذا التحالف نجح على مدى سنوات في كبح جماح المطالبات المتكررة من دول جنوب أوروبا بزيادة الإنفاق، مستخدمًا نفوذه الاقتصادي والسياسي في مفاوضات الميزانية.

الحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب التحولات الاقتصادية العالمية والمخاوف من تراجع محتمل للدعم الأمريكي لحلف الناتو، أحدثت شرخًا عميقًا في هذا التحالف.

وفي هذا الصدد نقلت "بوليتيكو" عن مسؤول حكومي أوروبي رفيع المستوى قوله إن "المفاوضات المقبلة حول ميزانية الاتحاد الأوروبي للفترة 2028-2034 ستكون "مُختلفة تمامًا" عن سابقاتها، حيث بدأت مجموعة من دول الشمال ودول البلطيق في تطوير رؤية جديدة تركز على القضايا الأمنية، مما يميزها عن المواقف التقليدية للمتشددين ماليًا مثل هولندا والنمسا".

سياسة مالية جديدة

يمثل التحول في الموقف الدنماركي نقطة تحول محورية في هذا السياق، إذ فاجأت رئيسة الوزراء ميت فريدريكسن، الجميع في خطاب رأس السنة بدعوتها الصريحة لزيادة الإنفاق الدفاعي وتعزيز المساعدات الحكومية والاستثمار في السيادة الأوروبية.

وتكتسب هذه الدعوة أهمية خاصة؛ نظرًا لأن الدنمارك كانت تاريخيًا من أشد المتشككين في التكامل الأوروبي العميق.

ونقلت "بوليتيكو" عن يعقوب فونك كيركجارد، المحلل في معهد بروجل، قوله إن "فريدريكسن غيرت موقفها 180 درجة"؛ مما سيسمح لها بتعظيم نفوذ الدنمارك خلال مفاوضات الميزانية المقبلة، حيث يمكنها أن تلعب دور الجسر بين مختلف مجموعات الدول.

معركة التمويل الدفاعي

رغم هذه التحولات، لا تزال هناك انقسامات عميقة داخل المعسكر الشمالي حول كيفية مواجهة التحديات الأمنية الجديدة، إذ كشفت "بوليتيكو" أن دولًا مثل فنلندا واستونيا، الأقرب جغرافيًا إلى روسيا، باتت تؤيد فكرة إصدار ديون أوروبية مشتركة لتمويل المشتريات العسكرية، وهو مقترح كان يعتبر من المحرمات في السابق.

في المقابل، تواصل ألمانيا وهولندا معارضتهما الشديدة لفكرة الديون المشتركة للإنفاق الدفاعي؛ مما يعمق الانقسام داخل التحالف التقليدي.

وتضيف الصحيفة أن الوضع قد يزداد تعقيدًا في النمسا، في حال وصول هيربرت كيكل، السياسي اليميني المقرب من روسيا، إلى منصب المستشار.

هذا لا يعني نهاية التحالف بشكل كامل، إذ لا تزال هناك أرضية مُشتركة بين هذه الدول فيما يتعلق بربط التمويل الإقليمي الأوروبي بإصلاحات هيكلية، تهدف إلى تعزيز تنافسية اقتصاداتها.

مستقبل السياسة المالية

تشير "بوليتيكو" إلى أن الموقف الألماني يبقى العامل الحاسم في تحديد مستقبل السياسة المالية الأوروبية، وتنقل الصحيفة عن مسؤول حكومي أوروبي رفيع المستوى قوله إن "الجميع ينتظر موقف الرجل الكبير"، في إشارة إلى برلين، مؤكدًا أن ألمانيا تمثل "نقطة الجذب" في إطار الميزانية متعددة السنوات للاتحاد الأوروبي، وأن جميع الدول الأخرى تتبع موقفها في نهاية المطاف.

ويشير المراقبون إلى أن الاختبار الحقيقي لمصير تحالف التقشف سيأتي مع الانتخابات الألمانية المقبلة، إذ إن حكومة يقودها الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة فريدريش ميرتس، قد تقاوم بشدة مشاريع الإنفاق الأوروبية الكبيرة، سواء في مجال الدفاع أو الاستثمارات البيئية.

وفي حال غيرت أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي موقفها وأصبحت أكثر انفتاحًا على زيادة الإنفاق، فمن المرجح أن يحذو حلفاؤها المترددون حذوها، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل جذرية للسياسة المالية الأوروبية في العقد المقبل.