كشف تقرير للنسخة الأوروبية من صحيفة "بوليتيكو" عما وصفته بـ"برنامج بيلاروسي سري" مزعوم، يهدف لإطلاق العنان للمهاجرين غير الشرعيين للعبور بشكل غير قانوني إلى أوروبا.
وزعم التقرير أن تلك التسهيلات جزء من "برنامج الحرب الهجينة المصمم لزرع الفتنة السياسية في دول الاتحاد الأوروبي"، الذي بدأ ذلك في ربيع عام 2021 عندما خضعت البلاد لعقوبات من الاتحاد الأوروبي لقمع المعارضة في أعقاب انتخابات منحت الرئيس ألكسندر لوكاشينكو ولاية سادسة.
العابرون
يكشف التقرير عن مكالمة مسجلة في مايو 2021 بين إيهار كاتشالاو، نائب رئيس الشرطة الجنائية في منطقة مينسك، ومسؤولين في وزارة الداخلية، طلبوا منه تجاهل اختفاء العديد من الأشخاص الذين سافروا إلى بيلاروسيا من إفريقيا.
ونقل عن ميخائيل بيدونكيفيتش، وهو مسؤول كبير في الوزارة، قوله: "لقد أعطى الوزير تعليمات صريحة.. لا ينبغي لنا أن نشغل أنفسنا بالمهاجرين العابرين إلى أوروبا".
وأضاف: "اختفوا؟ كل شيء على ما يرام، طالما أنهم لن يستقروا هنا. أي شيء يتحرك في هذا الاتجاه (يقصد أوروبا) لا ينبغي لنا أن نقف في طريقه".
وعندما سُئل لوكاشينكو في عام 2021 -بعد نحو ستة أشهر من المكالمة الهاتفية- عما إذا كان يقوم بحشد المهاجرين، نفى ذلك لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC).
مع هذا، لقي ما لا يقل عن 120 شخصًا حتفهم على طول الحدود البيلاروسية مع بولندا وليتوانيا ولاتفيا منذ بدء البرنامج، وفقًا لمنظمة "هيومان كونستانتا" الحقوقية.
كما اتُهم حرس الحدود البولنديون والاتحاد الأوروبي بصد المهاجرين بشكل غير قانوني، بينما تخطط وارسو لإغلاق حدودها بالكامل مع بيلاروسيا هذا الصيف في محاولة لإغلاق طريق الهجرة.
عين عمياء
يشير التقرير إلى أن الخطة المزعومة انطلقت على خلفية تصاعد التوترات بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي بعد إعادة انتخاب لوكاشينكو المثيرة للجدل في عام 2020.
وفي عدة بلدان، تم نشر إعلانات للترويج لرحلات إلى بيلاروسيا وتتراوح الأغراض المعلنة من رحلات العمل إلى السياحة والصيد والعلاج الطبي. مع ذلك، أفاد العديد من المهاجرين بأنهم تلقوا وعودًا غير رسمية بتسهيل العبور إلى الاتحاد الأوروبي.
تقول "بوليتيكو" إنه: "بعد دفع مبلغ يتراوح بين 6000 و15000 دولار أمريكي، توجه المسافرون إلى بيلاروسيا على متن شركات طيران مثل شركة "بيلافيا" الحكومية البيلاروسية، وحصلوا على تأشيرات عند الوصول، وتم نقلهم إلى الفنادق لمملوكة لمديرية إدارة الممتلكات الرئاسية، وهي إدارة حكومية ترفع تقاريرها مباشرة إلى لوكاشينكو".
واستمرت الخطة بسلاسة حتى يونيو 2021، عندما بدأت وسائل الإعلام البيلاروسية والغربية المستقلة في الحديث عن الأعداد الكبيرة من الأجانب الذين شوهدوا في الشوارع والمقاهي ومراكز التسوق، وربط وصولهم بشركة "تسينتركورورت"، للرحلات السياحية، التي تملكها مديرية إدارة الممتلكات الرئاسية.
ابتعد فقط
بحسب منظمة "بيلبول"، وهي جمعية تضم ضباط أمن سابقين يعارضون حكم لوكاشينكو، فقد تطور المخطط بين الربيع والخريف من عام 2021.
في البداية، غض النظام الطرف عن الأفراد الذين تمكنوا من العبور إلى الاتحاد الأوروبي. وفي تسجيل صوتي في تلك الفترة، قال أحد المسؤولين: "نحن لا نهتم (باختفاء المهاجرين)، طالما أنهم يشترون تذاكر العودة".
وفي الأشهر الأولى من الأزمة، أعيد المهاجرون الذين ألقي حرس الحدود القبض عليهم إلى شركات السياحة التي حبستهم في فنادقهم، لكن وفق أولادزيمير جيهار، ممثل شرطة بيلاروسيا السابق، لم يكن التوجيه الأولي لمساعدة المهاجرين أو معاقبتهم.
وخلال هذه الفترة، كانت السلطات البيلاروسية تراقب كيف ستتفاعل دول الاتحاد الأوروبي المجاورة بولندا وليتوانيا ولاتفيا.
مع هذا، بحلول خريف 2021، لم تقبل السلطات البيلاروسية تدفق المهاجرين فحسب، بل كانت تستقبل الوافدين إلى البلاد في طريقهم إلى الاتحاد الأوروبي، حسب مقاطع فيديو مسربة لضباط يرافقون المهاجرين إلى الحدود.
وبحلول الخريف، تلقى حرس الحدود البيلاروسي تعليمات جديدة تقضي باختيار العديد من الموظفين لضمان مرور المهاجرين ومرافقيهم دون عوائق إلى حدود الدولة.
ونقل التقرير عن أحدهم قوله: "بعبارة بسيطة، كانت القاعدة هي: إذا رأيت مهاجرين، فابتعد وتصرف كما لو أنهم غير موجودين. ولن تكون هناك عقوبة على من يفعل ذلك".
تكتيك جديد
تم نقل العديد من المهاجرين في مركبات خاصة إلى الحدود، حيث استقبلهم أفراد من وحدة "خدمة التدابير النشطة المنفصلة (ASAM)"، وهي وحدة خاصة تابعة لحرس الحدود البيلاروسي، وتم توجيههم إلى نقاط عبور محددة لاختراق الحدود.
يضيف التقرير: "إذا فشلت المحاولة الأولى، كان المهاجرون يحاولون مرة أخرى في وقت لاحق.. وإذا فشلوا مرة أخرى، كان يتم استخدام تكتيك جديد، حيث تعمل مجموعة واحدة كطُعم، في حين تحاول وحدات أصغر عبور مناطق أقل حراسة".
وأكدت الصحيفة أن "هؤلاء إذا اكتشفتهم السلطات البولندية أو الليتوانية أو اللاتفية، فإنهم يتراجعون إلى الغابات في انتظار تعليمات أخرى".
وينقل عن أحد حراس الحدود أن بعض المهاجرين، المنهكين بعد البقاء لأيام دون طعام، كانوا يستعدون لاقتحام الحدود، بينما حاول آخرون العودة إلى بيلاروسيا "وإذا اختاروا العودة، كان الجانب البيلاروسي يحتجزهم ويعاملهم كالحيوانات. وكان كل من يحاول العودة يُسحب إلى الحدود، وكان يتعرض للضرب".