لم ينتهِ بعد الأسبوع الأول للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منصبه، حتى بدأ تنفيذ خطته للتنكيل بكل من هاجمه عقب خسارته الانتخابات الرئاسية 2020، عبر طوفان من الإجراءات التنفيذية المصممة لاكتساح ولايته الثانية ومحو حقبة بايدن.
وإذا كان الأمريكيون يشعرون بـ"الصدمة والرعب" اللذين يقول مستشارو ترامب إنهم يأملون في غرسهما، فقد يشعرون بأكثر من هذا، عندما يرون خطوات عملية، من بدء عملية ترحيل المهاجرين غير المسجلين، إلى العفو عن المؤيدين السياسيين، وإلغاء العشرات من أوامر بايدن التنفيذية.
وبينما يخدم ترامب قاعدته السياسية، المتمثلة في المليارديرات من أصدقائه والمهووسين بحركة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى/ MAGA"، ويسوي الحسابات القديمة بسياسات جديدة؛ يبدو أن الولايات المتحدة قد تعود إلى حقبة رعب أخرى هي "الترامبية"، والتي ربما تفوق "المكارثية"، التي كادت تلتهم البلاد في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
لا يمكن لكبار السن من الأمريكيين نسيان هذا المصطلح"McCarthyism" الذي يُشير إلى اتجاه سياسي رجعي ظهر في الولايات المتحدة عام 1950 وهدف إلى تشديد الرقابة على الشيوعيين الذين يعملون في الدولة.
وينسب هذا الاتجاه إلى عضو مجلس الشيوخ جوزيف مكارثي، الذي كان رئيسًا لإحدى اللجان الفرعية بالمجلس، واتهم عددًا من موظفي الحكومة -خاصة في وزارة الخارجية- وقاد إلى حبس بعضهم بتهمة أنهم شيوعيون يعملون لمصلحة الاتحاد السوفيتي، في وقت بدأت فيه بوادر الحرب الباردة بين القوتين العظميين آنذاك.
الفيدراليون
ومنذ اليوم الأول من ولايته، لم ينسَ ترامب وعيده بشأن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، الذي كان الرئيس العائد هدفًا له حتى إعلان فوزه بدورة رئاسية أخرى، وأخيرة، وفقًا للدستور الأمريكي.
ولأنه وعد بإحداث تغيير جذري في أهم وكالات إنفاذ القانون الأمريكية، شملت حملة ترامب على مكتب التحقيقات إعادة هيكلة للمناصب القيادية العليا؛ والتي بدأت بعد إعلان المدير السابق للمكتب، كريستوفر راي، الذي عينه ترامب خلال فترته الأولى، استقالته الشهر الماضي.
وحسب قناة "فوكس نيوز" -الحليفة لترامب- فإنه "على مدار ولاية الرئيس السابق جو بايدن، واجه مكتب التحقيقات الفيدرالي سلسلة من الفضائح التي دفعت ترامب للتعهد باستئصال الفساد داخل المكتب ووزارة العدل".
كما وقّع ترامب مذكرة بعنوان "استعادة المساءلة للمديرين التنفيذيين الحكوميين"، أكد فيها أن الموظفين الفيدراليين يمكن فصلهم من العمل.
أيضًا، أقال ترامب 17 مراقبًا مستقلًا في وكالات حكومية متعددة، الجمعة، مما أدى إلى القضاء على عنصر إشرافي بالغ الأهمية، وإفساح الطريق أمام الرئيس لاستبدالهم بموالين؛ كما نقلت صحيفة "ذا جارديان" عن مصدر مطلع.
وقال المصدر إن المفتشين العامين في الوكالات، بما في ذلك وزارات الخارجية والدفاع والنقل، أُخطروا عبر رسائل البريد الإلكتروني من مدير شؤون الموظفين في البيت الأبيض، بأنه تم إنهاء خدماتهم على الفور؛ رغم أن القرار ينتهك القانون الفيدرالي، الذي يلزم الرئيس بإبلاغ الكونجرس بأسباب الفصل قبل 30 يومًا.
التصاريح
على مدار عقود، اتُهمت الإدارات الأمريكية السابقة بإلغاء التصاريح الأمنية على أساس التحيز أو التحيز السياسي، فحتى عام 1995، على سبيل المثال، كان من المعتاد أن يتم سحب التصاريح الأمنية من المثليين جنسيًا خشية تعرضهم للابتزاز.
وخلال حرب فيتنام، تم إلغاء التصاريح الأمنية للمسؤولين أو المتعاقدين الذين يُنظر إليهم على أنهم معارضون للحرب.
ولم يتدخل أي رئيس أمريكي من قبل بشكل مباشر في عملية منح التصاريح الأمنية علنًا، وعلى نطاق واسع كما فعل ترامب، ولم يختر أي قائد أعلى أن يلغي علنًا تصاريح أمنية لمديري وكالة المخابرات المركزية السابقين ونائبيهم، وغيرهم من كبار المسؤولين الاستخباراتيين السابقين، والذين عمل العديد منهم في إدارات من كلا الحزبين.
وبعد ساعات من تنصيبه، سحب ترامب تصاريحه الأمنية، الاثنين، ممن وقعوا رسالة قبل أكثر من أربع سنوات قال ترامب إنها أظهرت "تنسيقًا سياسيًا مضللًا وغير مناسب" مع الحملة الرئاسية لجو بايدن لعام 2020.
وأثار قرار إلغاء التصاريح الأمنية لـ 49 مسؤولًا استخباراتيًا سابقًا، في خطوة غير مسبوقة، تؤكد استعداده لكسر المعايير التي استمرت عقودًا من الزمن لإرضاء أنصاره ومعاقبة خصومه المفترضين، جدلًا كبيرًا بين خبراء القانون؛ كما أشار تقرير لـ NBC News.
كما سحب ترامب التصريح الأمني من جون بولتون، مستشاره السابق للأمن القومي، متهمًا إياه بالكشف عن معلومات حساسة في مذكراته.
ووصف أحد المحامين القرار بـ"الإجراء الأمني الأكثر تشبعًا من الناحية السياسية منذ قضية أوبنهايمر في الخمسينيات"؛ في إشارة إلى روبرت أوبنهايمر، الفيزيائي الذي أشرف على البرنامج السري لبناء القنبلة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية، والذي تم سحب تصريحه الأمني في ذروة الحقبة المكارثية؛ بسبب ارتباطاته قبل الحرب بالحزب الشيوعي.
متهمو الكابيتول
وصف عدد من مستشاري البيت الأبيض العفو الشامل الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن 1500 من المتهمين في أحداث السادس من يناير 2021، والمعروف إعلاميًا بـ"اقتحام الكابيتول"، بأنه "كان قرارًا في اللحظة الأخيرة لمحاولة تجاوز الأمر بسرعة".
وحسب تقرير لموقع "أكسيوس"، يلقي تحرك ترامب لـ"التوسع" في العفو، الضوء على ما وصفه بـ "عملية صنع القرار غير المتوقعة"، والتي تظهر تصميمه على الوفاء بوعد حملته الانتخابية لقاعدته الشعبية المؤيدة لحملة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى/ MAGA" بغض النظر عن التداعيات السياسية.
ونقل التقرير عن اثنين وصفهما بأنهما "من المطلعين على مناقشات فريق ترامب"، أن الرئيس "تردد خلال مناقشة داخلية بشأن العفو المستهدف مقابل القرار الشامل".
وبينما تصاعد النقاش بين أعضاء فريق ترامب حول هذه القضية، خلال التخطيط لإصدار مجموعة من الأوامر التنفيذية الصادمة في اليوم الأول، قال مستشار مطلع على المناقشات إن ترامب هتف: "اذهبوا إلى الجحيم.. أطلقوا سراحهم جميعًا".
وكان الرئيس الأمريكي خلال حملته الانتخابية، بدأ في تبني قضية المتهمين في أعمال الشغب، كما بدأ في عزف نسخة من النشيد الوطني التي غناها المتظاهرون المسجونون الذين أطلقوا على أنفسهم اسم "جوقة سجنJ6".
المهاجرون
أمس الجمعة، قال نائب كبير موظفي البيت الأبيض ستيفن ميلر، للصحفيين، إن إدارة ترامب تعمل على تأمين المزيد من الطائرات لتسريع عمليات ترحيل اللاجئين.
ولفت ميلر إلى أن قدرة عملاء الهجرة والجمارك (ICE) على ترحيل الأشخاص تأخرت بسبب نقص الطائرات.
ونقلت عنه "بلومبيرج": "هناك أصول جوية (طائرات) تابعة لوزارة الأمن الداخلي، وأخرى تابعة لوزارة الدفاع، وثالثة تابعة لوزارة الخارجية، وهناك أصول جوية تجارية، وأخرى مستأجرة، لذا، فإن كل هذه الأصول يُمكن استخدامها لإجراء ترحيل قانوني".
وحسب ما قال "قيصر الحدود" توم هومان لشبكة ABC News، تخطط إدارة ترامب لاستخدام طائرات عسكرية كل يوم كجزء من خطة الترحيل. وأضاف أن الحكومة الأمريكية استخدمت طائرات عسكرية هذا الأسبوع لنقل المهاجرين، وأن ذلك "سيصبح حدثًا يوميًا".
قبلها، أعلنت إدارة ترامب، الثلاثاء، أنها أنهت سياسة تجنب الاعتقالات في الكنائس والمدارس والمستشفيات والجنازات وحفلات الزفاف والمظاهرات العامة؛ ما دفع قادة المدارس في جميع أنحاء الولايات المتحدة لطمأنة الآباء بشأن فرض قوانين الهجرة المحتملة داخلها.
وكانت وزارة الأمن الداخلي أعلنت في بيان لها: "لن يتمكن المجرمون بعد الآن من الاختباء في المدارس والكنائس الأمريكية لتجنب الاعتقال، ولن تقيد إدارة ترامب أيدي قوات إنفاذ القانون الشجاعة لدينا، بل إنها بدلًا من ذلك تثق في قدرتهم على استخدام الفطرة السليمة".
وكان الأطفال في الولايات المتحدة يتمتعون بالحق في التعليم العام، بغض النظر عن حالة الهجرة، وهذا يعني أن المدارس لا ترفض -وفي معظم الحالات لا تتعقب- ما إذا كان الطالب موجودًا في البلاد دون تصريح.
لذلك، أشار تقرير لموقع "أكسيوس" إلى أن بعض الهيئات التعليمية "تتخذ خطوات استباقية لحماية الطلاب والأسر، وتحدد السياسات التي تحد من التعاون مع سلطات الهجرة وتعزز تدابير السلامة".