في عالم السياسة البريطانية، يبدو أنه لا يوجد ما هو أعقد من الحديث مع دونالد ترامب، والأقسى مكالمة هاتفية مدتها نصف ساعة، لكنها تبدو ثقيلة على رئيس الوزراء البريطاني، مهما كان شاغل المنصب.
سواءً كانت تيريزا ماي "المتأنقة والمتشددة" أو بوريس جونسون "الوقح" -حسب تعبير النسخة الأوروبية من صحيفة "بوليتيكو"- وهما رئيسا وزراء بريطانيا خلال فترة ترامب الأولى، فإن المكالمات مع الرئيس الأمريكي كانت الشيء الأكثر إثارة في "داونينج ستريت".
وفي الوقت الحالي، مثل غيره من زعماء العالم، ينتظر كير ستارمر في الطابور من أجل مكالمته الرسمية الأولى مع الرئيس الأمريكي العائد إلى البيت الأبيض.
ويبدو أن حديث ترامب لـ"رقم 10" كان يجمع الموظفين والمستشارين الخاصين معًا للاستماع إلى المحادثة التي تجري في مكتب رئيسهم، إما من غرفة الطابق السفلي الآمنة، وإما من مكتب رئيس الوزراء الخاص.
ونقل التقرير عن أحد المسؤولين البريطانيين السابقين: "كانت المكالمات استثنائية ورائعة.. وكان الجميع يذرفون الدموع من الضحك، لأنها كانت مضحكة للغاية".
بلا قواعد
ونقل التقرير عدة تعليقات من مسؤولين سابقين في لندن وواشنطن حول المكالمات الهاتفية بين ترامب ورؤساء الوزراء البريطانيين، والتي دومًا ما كانت مساراتها تتغير سريعًا، إذ كان جدول الأعمال ينهار بسرعة كبيرة، كما حكى مسؤول سابق في البيت الأبيض.
وروى مسؤولون سابقون في مكتب رئيس الوزراء البريطاني عن ترامب وهو يحول الحديث إلى قضاياه المفضلة، مثل لعبة الجولف وأسكتلندا، موطن ملاعب الجولف الخاصة به، وفقًا لصحيفة "ذا تايمز".
وفي بعض الأحيان، كان الرئيس الأمريكي ينحرف إلى قصة كانت أمام المحاكم، وهي منطقة محظورة -تقليديًا- بالنسبة للوزراء البريطانيين.
وأضاف مسؤول آخر: "إذا كان يتصل بشأن التجارة أو إسرائيل أو أي شيء آخر، فإن الأمر كان دائمًا يفشل"، بينما ذكر أحدهم أن "ترامب كان يسأل حتى عن صحة الملكة إليزابيث الثانية".
السيد "قواعد"
لفتت "بوليتيكو" إلى أن أداء الرئيس الأمريكي يمثل تحديًا لرئيس الوزراء البريطاني الحالي كير ستارمر. المدعي العام السابق الصارم، الذي أطلق عليه أحد زملائه في حزب العمال في عام 2022 لقب "السيد قواعد".
وأصرَّ ستارمر على أنه عقد "اجتماعًا جيدًا حقًا" مع ترامب في سبتمبر، ووعد "بأخذ شراكتنا (بريطانيا وأمريكا) إلى المستوى التالي".
ورغم طرح عقد لقاء بين الزعيمين وجهًا لوجه "في أقرب وقت ممكن"، يأمل المسؤولون البريطانيون أن يتمكن ستارمر ووزير خارجيته ديفيد لامي من زيارة واشنطن في الأسابيع الأولى من عودة ترامب، لكنه سيتنافس مع زعماء اليمين الأكثر انسجامًا مع سياسات ترامب، الإيطالية جورجيا ميلوني والأرجنتيني خافيير ميلي، اللذين حضرا حفل التنصيب.
كما هاجم فريق ترامب أعضاء حزب العمال -الذي ينتمي إليه ستارمر- لمساعدتهم الديمقراطيين في انتخابات 2024، ودعا حليفه إيلون ماسك الولايات المتحدة إلى "تحرير" المملكة المتحدة من ستارمر.
حب وكراهية
رغم شنِّ ستارمر هجومًا شديدًا على الشعبوية، وقوله في عام 2023 إنه يكره سلفه بوريس جونسون، الذي "لم يكن لديه مبادئ ولا نزاهة"، كان جونسون هو من أقام أفضل علاقة مع ترامب، وفقًا لمسؤولين سابقين في داوننج ستريت.
وقال مسؤول سابق إن ترامب "أذل" رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي في المكالمات الهاتفية.
وأضاف: "لم تكن لديها أدنى فكرة عن كيفية التعامل مع شخص مثل ترامب.. لقد أرسلنا ابنة قس للتعامل مع رجل أعمال قاسٍ للغاية، وكان هناك للحصول على أفضل صفقة للأمريكيين.. كان هناك أكثر من مجرد كراهية للنساء".
وكان ترامب يستخدم المكالمات الهاتفية للتعبير عن آرائه حول زعماء العالم الآخرين، حتى إنه كان ينتقد ماي أثناء حديثه مع جونسون "في المكالمات اللاحقة عندما لم تعد رئيسة للوزراء، لم يكن يحترمها".
وعلى النقيض من ذلك، كان جونسون "يُجامِل ترامب بخنوع"، ويطلب منه "تجاهل المعارضين" مثل عمدة لندن صادق خان.
وأضاف المسؤول السابق أن جونسون كان يتواصل مباشرة عبر تطبيق "واتساب" مع أعضاء فريق ترامب، وساعد في إقناع الرئيس بالانسحاب من مقابلة مع مقدم البرامج التلفزيونية "بيرس مورجان".
وأضاف: "كان الأمر مثيرًا للاهتمام، لأن بوريس لم يحب ترامب أبدًا.. أعتقد أنه كان يراه مبتذلًا وغبيًا بعض الشيء.. لكنه بالتأكيد لعب دوره بشكل جيد للغاية".