قبل أربع سنوات، غادر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب البيت الأبيض وهو يروج لإجماع ثوري جديد بشأن التهديد الذي تشكله الصين على الولايات المتحدة ومصالحها العالمية، لكنه عاد هذا الأسبوع متحدثًا بشكل يقلل من أهمية هذا التهديد، في إشارة إلى ذوبان محتمل في العلاقات بين القوتين العظميين الرائدتين في العالم.
ولفت تقرير لموقع "أكسيوس" إلى أهمية طريقة ترامب الجديدة، لأن الطريقة التي سوف يتعامل بها مع الرئيس الصيني شي جين بينج على مدى السنوات الأربع المقبلة سيكون لها آثار واسعة النطاق على الاقتصاد العالمي، والذكاء الاصطناعي، وتغير المناخ، والأمن القومي للولايات المتحدة، وربما أمور أكثر من ذلك.
وبعد أن ذكر الصين مرة واحدة فقط في خطاب تنصيبه، كشف ترامب أنه يفكر في فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على المنتجات الصينية، وهي نسبة أقل بكثير من الـ60% التي هدد بفرضها خلال الحملة الانتخابية. كما أجرى قبل أيام قليلة من تنصيبه مكالمة هاتفية مع "شي" لمناقشة أمور التجارة وتوغل مخدر "الفنتانيل" وأزمة "تيك توك"، والذي يسعى الآن إلى حمايته من الحظر الأمريكي.
وحسب "أكسيوس"، كان ردُّ بكين على المكالمة "دافئًا للغاية"، إذ أعلنت وسائل الإعلام الرسمية أن القوتين العظميين "يمكنهما أن تصبحا شريكتين وصديقتين، وتزدهران معًا، وتستفيدان من كلا البلدين والعالم".
في الوقت نفسه، تمتلئ حكومة ترامب الجديدة بالصقور المناهضين للصين، مثل وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايكل والتز.
ولفت التقرير إلى أن سياسات ترامب تجاه تايوان -التي تعهدت بكين بإخضاعها لسيطرتها- قد تكون المؤشر النهائي على الاتجاه الذي تتجه إليه العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.
وفي مقابلة مع "بلومبرج بيزنس ويك"، عندما سُئِل عمّا إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع عن الجزيرة، قال ترامب: "تايوان لا تقدم لنا أي شيء.. تايوان تبعد عنا 9500 ميل، وهي تبعد 68 ميلًا عن الصين".
وأضاف: "لقد استولوا على نحو 100% من أعمالنا في مجال الرقائق الإلكترونية.. وأعتقد أن تايوان يجب أن تدفع لنا مقابل الدفاع عنها".
عكس الماضي
وأشار التقرير إلى أن ترامب استخدم لهجة "دافئة" في خطابه، حتى مع إصراره على الحاجة إلى العدالة التجارية وانتقاد الصين بسبب عملياتها بالقرب من قناة بنما.
وقال في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس: "أنا أحب الرئيس شي كثيرًا.. لقد أحببته دائمًا.. كانت لدينا دائمًا علاقة جيدة جدًا"، معترفًا بارتفاع التوترات بين البلدين خلال جائحة كوفيد.
وأضاف ترامب أنه يأمل أن تتمكن الصين من "مساعدتهم في وقف الحرب" في أوكرانيا، مشيرًا إلى العلاقات الوثيقة بين بكين وموسكو، حتى إنه اقترح أن الدول الثلاث يمكن أن تعمل معًا على "نزع السلاح النووي".
ونقل "أكسيوس" عن جاك دي ليسل، وهو باحث في الشؤون الصينية في كلية كاري للقانون بجامعة بنسلفانيا، أن تصرفات ترامب المبكرة تشير بلا شك إلى "نهج أكثر تحفظًا تجاه بكين".
وعلى قناة "فوكس نيوز"، سأل المحاور شون هانيتي ترامب عن سبب دفاعه عن "تيك توك" بالنظر إلى سمعته باعتباره "تطبيق تجسس للصينيين الشيوعيين" -حسب تعبيره- فردَّ ترامب قائلًا: "يمكنك أن تقول ذلك عن كل شيء مصنوع في الصين"، مشيرًا إلى الهواتف المحمولة وغيرها من الواردات.
وأضاف: "هل من المهم بالنسبة للصين أن تتجسس على الشباب، على الأطفال الصغار الذين يشاهدون مقاطع فيديو مجنونة؟".
ويأتي هذا القول عكس ما فعله ترامب سابقًا، إذ كان أول من وقّع على أمر تنفيذي في عام 2020 يحذر من أن الصين قد تستخدم "تيك توك" لتنفيذ حملات تضليل، وبناء ملفات بيانات للابتزاز، وإجراء عمليات تجسس على الشركات على الأراضي الأمريكية.
أكثر براجماتية
في الواقع، يحب المستثمرون الأمريكيون ما أسماه لو تشو، الرئيس التنفيذي لشركة الاستثمار فانكور "نهجًا اقتصاديًا أكثر براجماتية تجاه الصين".
ونقل "أكسيوس" عن "تشو" أن ترامب "سوف ينفذ بمهارة تعريفات جمركية معينة على الصين" لإرضاء الشعب الأمريكي وناخبيه، لكنه قد يتراجع عن فرض التعريفات الجمركية الشاملة لإرضاء بعض المسؤولين الصينيين.
القول نفسه أيّده مارك مالك، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "سيبرت.إن.إكس.تي"، لافتًا إلى أن ترامب يبدو أنه يخفف من موقفه تجاه الصين "وهي الديناميكية التي تحب وول ستريت وأسواق السندات أن تراها مستمرة".
كما يعتقد بعض الخبراء أن إيلون ماسك قد يكون له تأثير معتدل على نهج ترامب تجاه الصين، حيث تملك شركته "تسلا" مصنعًا في شنغهاي، وتحصل على نحو 37% من مبيعاتها من الصين "ونادرًا ما ينتقد ماسك بكين، بينما ينتقد باستمرار الرقابة في الدول الغربية"، وفق التقرير.
لذا، إذا اتخذت الصين إجراءات انتقامية ضد الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية، أو "تيك توك"، أو سياسات ترامب الأخرى، فسوف تكون "تسلا" هدفًا مناسبًا، خاصة الآن بعد أن أصبح ماسك قريبًا جدًا من الرئيس الجديد.
والأسبوع الماضي، ذكرت "بلومبرج" وصحيفة "وول ستريت جورنال" أن المسؤولين الصينيين ناقشوا أيضًا إمكانية بيع "تيك توك" إلى ماسك للسماح للتطبيق بمواصلة العمل في الولايات المتحدة.