تتزايد مخاوف قادة وجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي من الملاحقات القانونية الدولية، إذ باتت الحرب على غزة تُلقي بظلال كثيفة، ليس فقط على المستوى السياسي والدبلوماسي، بل أيضًا على الصعيد الشخصي لمن تورطوا فيها.
فبينما تُرفع دعاوى قانونية هنا وهناك، يجد جنود وضباط جيش الاحتلال أنفسهم في مواجهة احتمالات الاعتقال والمساءلة في الخارج، ما يعكس تزايد الغضب الدولي من ممارساتهم في القطاع المحاصر.
وسلط تقرير صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية الضوء على حادثة تعكس هذه المخاوف وسط دولة الاحتلال.
كمين لندن
شهدت العاصمة البريطانية لندن حادثة غير اعتيادية، عندما اعترض صحفي مؤيد للفلسطينيين طريق رئيس دائرة العمليات في جيش الاحتلال الإسرائيلي عوديد باسيوك، في أثناء زيارته المدينة.
ووفقًا لتقارير بريطانية، كان "باسيوك" يرافقه إيلاد غورين، رئيس الجهود الإنسانية المدنية في قطاع غزة، إلى جانب عدد من الضباط الآخرين، في زيارة تهدف إلى مراجعة جهود وقف إطلاق النار ومناقشة تداعيات انهياره المحتمل.
فور وصول الوفد إلى مدخل معهد أبحاث في لندن، فاجأ الصحفي أليكس موريس "باسيوك" بسيل من الأسئلة الصادمة، منها: "هل أنت قلق من أن محكمة لاهاي تحقق معك بتهمة ارتكاب جرائم حرب؟ هل أنت مجرم حرب؟"، ورغم أن "باسيوك" بدا متفاجئًا ولم يرد على الأسئلة، إلا أن الحادثة سلطت الضوء على المخاوف المتزايدة لدى المسؤولين الإسرائيليين من الملاحقات القانونية الدولية.
في مقطع فيديو نشره لاحقًا، أوضح "موريس" أن الوفد الإسرائيلي زار أيضًا وزارة الدفاع البريطانية، مشيرًا إلى وجود سبعة أو ثمانية مسؤولين عسكريين في الوفد، بينهم جنرالات، وأضاف: "أُغلِقت الأبواب بسرعة، في محاولة واضحة لإخفاء طبيعة اللقاءات التي عُقدت والأشخاص الذين تم الاجتماع بهم".
ملاحقة جنود الاحتلال
في سياق متصل، أعلنت مؤسسة "هند رجب" المناهضة لدولة الاحتلال الإسرائيلي عن تقديمها شكوى قانونية جديدة ضد أحد جنود الاحتياط الإسرائيليين الذي خدم في وحدة الهندسة القتالية خلال الحرب على غزة.
الجندي المذكور، المعروف اختصارًا بـ"د"، والبالغ من العمر 35 عامًا، أعرب عن قلقه العميق من تداعيات هذه الشكوى على مستقبله المهني والشخصي، وذكر في حديثه لموقع "واي نت" الإسرائيلي أن الشكوى استهدفت العمليات الهندسية التي تضمنت هدم منازل في غزة، وهو ما وصفه بـ"تدمير بنى تحتية إرهابية" بناءً على معلومات استخباراتية.
وأضاف: "لم يتواصل معي أي مسؤول من الجيش (الإسرائيلي) أو وزارة الدفاع لإطلاعي على الوضع، علمت بالأمر من أصدقاء ومراسلين.. رأيت صوري تُنشر على مواقع معادية للسامية منذ أشهر، ولم تُتخذ أي خطوات لمعالجة الأمر، يبدو أن الدولة تتجاهل هذه القضايا".
مستقبل الجنود مهدد
أوضح الجندي الإسرائيلي أن هذه القضايا القانونية لا تؤثر فقط على السفر والتنقل، بل تمتد لتشمل جوانب حياتية أخرى مثل العمل والاستثمار، وقال: "عدت من الخارج قبل أيام قليلة، وأتساءل عمّا كان يمكن أن يحدث لو صدرت مذكرة اعتقال ضدي أثناء وجودي هناك، هذا القلق يرافقني في كل مرة أقرر السفر، وحتى في حياتي المهنية".
وتساءل: "من هي الأم التي سترغب في إرسال ابنها ليكون مقاتلًا في ظل هذه المخاطر؟ كيف يمكن لشاب أن يُكمل حياته المهنية عندما يكون اسمه مرتبطًا بالإبادة الجماعية على الإنترنت؟".
تداعيات أوسع
يشير الخبراء، حسب "يديعوت أحرونوت" إلى أن تصاعد الشكاوى القانونية ضد الجنود الإسرائيليين قد يفتح الباب أمام مزيد من التوترات بين إسرائيل والمجتمع الدولي، فالملاحقات القانونية تُمثل تحديًا دبلوماسيًا، إذ قد يتعرّض مسؤولون وجنود للاعتقال أثناء سفرهم إلى الخارج، ومع تزايد الاهتمام الدولي بانتهاكات حقوق الإنسان في غزة، يصبح من الصعب على إسرائيل تجاهل هذه القضايا.
على جانب آخر، يرى محللون أن هذه القضايا تُلقي بظلالها على جيش الاحتلال الإسرائيلي نفسه، إذ قد تؤدي إلى تراجع معنويات جنوده وتفاقم أزمة الثقة بين القيادة والجنود الميدانيين، مشيرين إلى أن غياب الدعم الرسمي والتعامل الجدي مع هذه القضايا يزيد من شعور الجنود بالعزلة والخذلان.