الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دلالات زيارة الرئيس الصومالي "حسن شيخ محمود" إلى مصر

  • مشاركة :
post-title
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

في يوم الخميس 23 يناير 2025، استقبل الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية "حسن شيخ محمود" في قصر الاتحادية بالقاهرة؛ لبحث سبل تعزيز التعاون الثنائي ومواكبة تطورات الأوضاع الإقليمية. تمثل هذه الزيارة حدثًا دبلوماسيًا بالغ الأهمية، يفتح آفاقًا واسعة للتعاون بين البلدين في مجالات استراتيجية متنوعة، وفي توقيت حاسم تشهد فيه منطقة القرن الإفريقي تحولات مهمة على الصعيدين السياسي والأمني، وتحمل الزيارة دلالات عميقة، إذ تتجاوز كونها مجرد لقاء رسمي بين زعيمين، لتكون فرصة جوهرية لتوسيع دائرة التعاون الثنائي في مجالات الأمن، والتجارة، والتنمية الاقتصادية، بما يسهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي وتحقيق المصالح المشتركة.

تأسيسًا على ما تَقَدَم، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: ما دلالات زيارة الرئيس الصومالي "حسن شيخ محمود" إلى مصر؟

أهمية الزيارة

تحمل زيارة الرئيس الصومالي إلى مصر أهمية بالغة، تتمثل في التالي:

أبرز لقاءات الرئيس المصري ونظيره الصومالي

(*) الزيارة الرابعة منذ عام 2022: تكتسب هذه الزيارة أهمية بالغة كونها الرابعة منذ عام 2022، ويعكس هذا التكرار في اللقاءات التزام الطرفين بتعزيز الروابط الاستراتيجية بين القاهرة ومقديشو، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الأمني. فمنذ بداية اللقاءات، تم الاتفاق على تعزيز التعاون في مجالات حيوية، كافتتاح فرع "بنك مصر" في مقديشو، والتعاون لكبح الإرهاب في القرن الإفريقي، والتصدي للمخططات الإثيوبية في البحر الأحمر، وتوقيع اتفاقية التعاون العسكري، وافتتاح السفارة المصرية في مقديشو.

(*) الأوضاع الأمنية والاقتصادية المعقدة في الصومال: حذّرت الأمم المتحدة من أن نحو 6 ملايين شخص في الصومال، أي ثلث السكان، في حاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية بسبب الأزمة الإنسانية المستمرة التي تعصف بالبلاد، نتيجة النزاعات المسلحة التي تشنها "حركة الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" الإرهابي، التي تقاتل الحكومة الصومالية منذ عام 2004. في الآونة الأخيرة، تمكنت القوات الأمنية الصومالية من إحباط هجوم إرهابي بسيارة مفخخة في العاصمة مقديشو، كانت قد أعدتها حركة الشباب.

في هذا السياق، تكتسب زيارة الرئيس الصومالي إلى مصر أهمية كبيرة، حيث تأتي في وقت بالغ التعقيد للأوضاع الأمنية والاقتصادية في الصومال. وقد تناول الرئيس المصري ونظيره الصومالي في تصريحاتهما هذه التحديات، ما يعكس الالتزام بتعزيز التعاون الثنائي لمواجهة الأزمات الحالية، سواء على الصعيدين الأمني أو الإنساني.

تداعيات الزيارة

تحمل زيارة رئيس الصومال حسن شيخ محمود إلى مصر تداعيات جمة، أبرزها:

التعاون الاقتصادي والتجاري بين مصر والصومال

(&) تعزيز الشراكة الاستراتيجية: أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن توقيع إعلان سياسي مشترك لترفيع العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية بين مصر والصومال، وتمثل هذه الخطوة تحولًا مهمًا في تعزيز العلاقات بين البلدين، فالشراكة الاستراتيجية تعني التزامًا طويل الأمد ومتعدد الأبعاد يشمل التعاون السياسي، الاقتصادي، العسكري، والثقافي، ما يعكس رغبة مصر في تعزيز دورها في منطقة القرن الإفريقي، وتأكيدًا على رغبة البلدين في تطوير العلاقات إلى مستويات أعلى، بعيدًا عن التعاون التقليدي أو الثنائي المحدود.

(&) التعاون الإقليمي من خلال قمة أسمرة: أشار الرئيس المصري إلى أن قمة أسمرة التي عُقِدَت في 10 أكتوبر 2024 بين مصر والصومال وإريتريا، تمثل نقلة نوعية في التنسيق بين الدول الثلاث، وأفصح الرئيس المصري خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الصومالي عن الاتفاق على عقد قمة ثلاثية ثانية. ما يعكس التوجه المصري نحو تعزيز التعاون الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي؛ لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية ودفع استقرار المنطقة برمتها، وبدا ذلك جليًا بتأكيد الرئيس المصري على أن أمن الصومال جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.

(&) مشاركة القوات المصرية في بعثة الاتحاد الإفريقي: اتفق الرئيس المصري ونظيره الصومالي على استمرار التعاون العسكري بين القاهرة ومقديشو بموجب بروتوكول التعاون المُوَقّع في أغسطس 2024، ومشاركة مصر في بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال دون تهديد لأي دولة. وتعكس هذه الرسالة اهتمام مصر المستمر بدعم الصومال على المستويين الأمني والعسكري. ويتمثل دعم مصر للجيش الصومالي في تعزيز كفاءته القتالية لمواجهة "حركة شباب المجاهدين" الإرهابية، عبر خبرات الجيش المصري، ومن ثم رفع قدرة القوات المسلحة الصومالية على حماية وحدة أراضيها، وتعزيز أمن قناة السويس وباب المندب، ما يعزّز من قوة الدولة المصرية كفاعل رئيسي في مكافحة الإرهاب بالقرن الإفريقي.

(&) التعاون الاقتصادي والتجاري: تطرق الرئيس المصري إلى التقدم المحرز في التعاون الاقتصادي بين البلدين، مشيرًا إلى تسيير خط للطيران بين القاهرة ومقديشو كأحد الإنجازات المهمة، وتعزيز الاتصال بين الشعبين المصري والصومالي، فهذه المبادرات الاقتصادية جزء من تعزيز الاستقرار والتنمية الصومالية، وستسهم في نمو الاستثمارات والتبادلات الثقافية، وتمهّد الطرق لزيادة التواصل بين رجال الأعمال والمستثمرين.

وعلى الصعيد التجاري، وبالاطلاع على الإحصاءات الأخيرة، شهد التبادل التجاري بين مقديشو والقاهرة زيادة كبيرة خلال العامين الأخيرين، إذ أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري عن ارتفاع حجم التبادل التجاري بين مصر والصومال إلى 127.7 مليون دولار في 2024، بزيادة قدرها 69.5 مليون دولار مقارنة بعام 2023. وسجلت صادرات مصر إلى الصومال 122.9 مليون دولار، بينما بلغت الواردات 4.8 مليون دولار. ومن أبرز الصادرات المصرية إلى الصومال كانت منتجات مطاحن (60 مليون دولار) والسكر (29 مليون دولار)، في حين شملت الواردات المصرية حيوانات حية وصمغ نباتي. كما ارتفعت تحويلات المصريين العاملين بالصومال إلى 884 ألف دولار في 2023 /2024، بينما انخفضت تحويلات الصوماليين العاملين في مصر إلى 3 آلاف دولار.

(&) التسهيلات الدبلوماسية بالإعفاء من التأشيرات: إن إعلان الرئيس المصري عن تبادُل الإعفاء من تأشيرات الدخول لحاملي الجوازات الدبلوماسية بين البلدين، يعزّز آليات التنسيق والمشاورات السياسية، والتشجيع على المزيد من التعاون بين الحكومات، فهذا النوع من التسهيلات يعكس التزام مصر بتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الصومال.

(&) التعاون في مجالات الصحة والقضاء وبناء القدرات: أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أهمية تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الصحة، التعاون القضائي، وبناء القدرات، مما يشير إلى أن مصر لا تركّز على التعاون العسكري فحسب، بل يمتد التعاون ليشمل مجالات الصحة والقضاء، ما يساهم في تحسين البنية التحتية المؤسسية وبناء قدرات الدولة الصومالية على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية، مما يعكس التزام مصر بتقديم الدعم التقني والمؤسسي لتمكين الصومال من تحسين جودة حياة مواطنيه.

حاصِل ما تَقَدَم، يمكن القول إن زيارة الرئيس الصومالي "حسن شيخ محمود" في هذا التوقيت، نقطة فارقة في تعزيز العلاقات الثنائية بين القاهرة ومقديشو، حيث تم التوصل إلى اتفاقات استراتيجية تضع حجر الأساس لشراكة عميقة ومستدامة بتوقيع الإعلان السياسي المشترك والمذكرات المشتركة في المجالات المتعددة. كما يعكس الاتفاق على عقد قمة ثلاثية بين مصر والصومال وإريتريا رؤية إقليمية مشتركة لتحقيق السلام بالمنطقة، فالزيارة تُؤسِس لمرحلة جديدة من التعاون البَنّاء وفَتح آفاق واسعة للتعاون المستقبلي، وتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميَين.