الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

المضمون والتداعيات.. رسائل "ترامب" عن الاقتصاد في حفل تنصيبه

  • مشاركة :
post-title
تنصيب دونالد ترامب

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

في الـ 20 من يناير، عاود "دونالد ترامب" الدخول إلى البيت الأبيض، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام المُرشحة الديمقراطية كامالا هاريس. أثناء إلقائه خطاب التنصيب، الذي وصف بأنه أطول خطاب تنصيب في التاريخ، أوضح ترامب خطته الاقتصادية التي سيسير وفقًا لها خلال السنوات الأربع المُقبلة تجاه أمريكا والعالم، خاصة أنها الفترة الرئاسية الأخيرة له.

وتأسيساً على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على معالم الخطة الاقتصادية لترامب في فترة رئاسته المُقبلة، فضلاً عن معرفة انعكاسات القرارات على الاقتصاد الأمريكي واقتصادات العالم كافة.

مضمون الخطة


تتضمن الخطة الاقتصادية لدونالد ترامب العديد من النقاط المهمة التي سيتم توضيحها فيما يلي:

(-) تجديد النظام التجاري الأمريكي: تتجه رؤية دونالد ترامب في هذا المجال نحو الاستفادة من الآخرين في سبيل رفعة الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أوضح أنه، بدلاً من فرض ضرائب على المواطنين الأمريكيين، سيتم فرض ضرائب على دول أجنبية لإثراء الشعب الأمريكي. أعلن ترامب أنه بصدد النظر في فرض رسوم جمركية على الواردات من المكسيك وكندا بنسبة 25%. كما يوضح الشكل (1)، فإن هاتين الدولتين تُعدّان شريكين تجاريين رئيسيين مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ ارتفع حجم الواردات الأمريكية من كندا من 328 مليار دولار أمريكي في عام 2012 إلى 430 مليار دولار في عام 2023. أما الواردات الأمريكية من المكسيك، فقد ارتفعت من 280 مليار دولار إلى 480 مليار دولار.

بالإضافة إلى ذلك، اقترح ترامب في وقت سابق رفع الرسوم إلى 60% على السلع المستوردة من الصين، التي تُعد شريكاً تجارياً كبيراً بحجم واردات يبلغ 448 مليار دولار في عام 2023، وفرض رسوم بنسبة 20% على الواردات من بقية دول العالم.

الشكل (1) يوضح حجم الواردات الأمريكية من كندا والمكسيك والصين-المصدر: منظمة التجارة العالمية

وفي هذا الإطار أشار ترامب أنه بالتوازي مع هذا النظام التجاري الجديد، ستكون هناك خدمات إصلاحية جديدة؛ لجمع التعريفات الجمركية والضرائب، ويتضح من هذه القرارات أن ترامب يستهدف مُعاقبة بعض الدول التي تضر بأمريكا واقتصادها، فرفع الضرائب على المكسيك وكندا؛ بسبب أنهما تسمحان بدخول أعداد كبيرة من المهاجرين إلى أمريكا، والزيادة الكبيرة على الواردات من الصين، يُشكل جزءًا من التنافس التكنولوجي والتجاري الكبير بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وعلى هذا الأساس سيعمل ترامب على تعديل نسبة إيرادات الجمارك في الإيرادات الحكومية، التي تُشكل وفقاً للشكل (2 ) نسبة 2% من الإيرادات، بينما تستحوذ ضرائب دخل الأفراد والضمان الاجتماعي على جزء كبير من هذه الإيرادات، بما يُمثل في مجموعه 85% من الإيرادات.

الشكل (2) يوضح نسبة الإيرادات المختلفة في الخزانة الأمريكية-المصدر: بيانات شهرية من وزارة الخزانة الأمريكية ومجلس المستشارين الاقتصاديين

(-) طوارئ في قطاع الطاقة: شهد متوسط أسعار الكهرباء للمستهلكين في الولايات المتحدة الأمريكية ارتفاعًا من 12.67 قرش لكل كيلو وات في الساعة بأكتوبر 2023 إلى 16.94 قرش لكل كيلو وات في الساعة بأكتوبر 2024، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، كما يوضح شكل (3)، كما سجلت أسعار البنزين في الولايات المتحدة الأمريكية أعلى مستوى لها على الإطلاق في عام 2022، إذ سجلت 1.30 دولار أمريكي / لتر، في حين سجلت في فبراير 1999 أدنى مستوى قياسي لها بلغ 0.24 دولار / لتر.

الشكل (3) يوضح أسعار الكهرباء في الولايات المتحدة الأمريكية من أكتوبر 2023 إلى أكتوبر 2024-المصدر: إدارة معلومات الطاقة الأمريكية

ونظرًا لهذه الأوضاع احتل ملف الطاقة اهتمامًا واسعًا في خطاب تنصيب ترامب، وأوضح أنه ستكون هناك حالة طوارئ داخل الطاقة، إذ إنه سيعمل على التنقيب والحفر مرة أخرى؛ من أجل النفط، إذ إنه يستهدف من هذه الإجراءات جعل الولايات المتحدة الأمريكية دولة صناعية، حيث إنها لديها أكبر احتياطي من النفط والغاز الطبيعي، ومن هنا يتضح أن باستخراج هذا النفط والغاز الطبيعي سيزداد عرض الطاقة في أمريكا، ومن ثم انخفاض أسعارها، وبانخفاض أسعار الطاقة، سيستطيع ترامب مواجهة أزمة التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية، التي ارتفعت معدلاتها وفقاً لشكل (4) من 2.5% في أغسطس 2024 إلى 2.9% في ديسمبر 2024.

الشكل (4) يوضح معدلات التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية من ديسمبر 2023 إلى ديسمبر 2023-المصدر: مكتب الولايات المتحدة الأمريكية لإحصاءات العمل

(-) تطوير صناعة السيارات: أشار ترامب إلى أنه سيعمل على وقف الالتزامات الخاصة بالسيارات الكهربائية، وسيقوم بجعل المواطنين الأمريكيين قادرين على شراء السيارات التي يختارونها بشكل غير مسبوق، وهو الأمر الذي يوضح أن صناعة السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية ستنتعش بشكل كبير في عهد دونالد ترامب.

انعكاسات تقديرية

إن القرارات الاقتصادية التي اتخذها دونالد ترامب ستُلقي بظلالها على الاقتصاد الأمريكي والعديد من الاقتصاديات، وذلك على النحو التالي:

(-) انخفاض أسعار الطاقة: إن القرارات الاقتصادية التي اتخذها دونالد فيما يخص ملف الطاقة، ستنعش القطاع بشكل كبير، وستؤدي إلى انخفاض أسعاره، فأسعار الطاقة كما أوضحنا كانت من الأزمات الاقتصادية الكبرى التي واجهها الشعب الأمريكي خلال الفترة الأخيرة، وهو الأمر الذي يدل على أن مواجهتها ستُخفف جزءًا من أعباء الشعب اليومية، كما أن انخفاض أسعار الطاقة سينعش قطاع التصنيع في الولايات المتحدة الأمريكية.

(-) احتمالية تراجع بيئة العمل: إن المُغالاة من قبل دونالد ترامب حول التعريفات الجمركية، قد يأتي بنتائج سلبية على الاقتصاد الأمريكي، إذ قدرت كبيرة الاقتصاديين في مؤسسة الضرائب غير الحزبية "إيريكا يورك"، أن التعريفات ستؤدي إلى فقدان 142 ألف وظيفة بدوام كامل، وعلى المدى الطويل ستُخفض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 0.2% في المتوسط، كما أن الاحتياطي الفيدرالي أوضح أن التعريفات الجمركية خفضت التوظيف الصناعي بنسبة 0.2%، ومن ناحية أخرى من المُحتمل أن تُخفض الضرائب الجمركية المرتفعة على الدول من الاستثمارات الوافدة إلى الاقتصاد الأمريكي، خاصة الاستثمارات الصينية.

(-) تأثير عكسي على الأسعار: بالرغم أن دونالد ترامب يستهدف من قراراته الاقتصادية تخفيض معدلات التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن فرض ضرائب جمركية مرتفعة على الدول، سيؤدي إلى تأثير عكسي على الأسعار، فرفع تكلفة الاستيراد ستُمرر إلى المستهلكين الأمريكيين من قبل الشركات المستوردة، وهو الأمر الذي جعل معهد "بيترسون" يُقدر حجم التكلفة على الأسر الأمريكية من جراء هذه التعريفات بحوالي 2600 دولار سنويًا.

(-) تباطؤ الاقتصاد العالمي: إن طرح دونالد ترامب لتجديد النظام التجاري العالمي من خلال فرض تعريفات جمركية مُتزايدة على الدول، سيعمل على تعطيل سلاسل التوريد العالمية، فالشركاء التجاريون مع الولايات المتحدة الأمريكية سيقومون برد فعل على هذه التعريفات التي فُرضت عليهم، خاصة على الشركات الأمريكية التي تعمل على أراضيها، ففي سبتمبر 2023 اضطرت الشركات الأمريكية أن تنقل عملياتها من الصين إلى جنوب شرق آسيا، وهو الأمر الذي تسبب في ارتفاع التكاليف اللوجستية، ومن ثم ارتفاع تكاليف الإنتاج في العالم.

وفي هذا الصدد أوضح البنك الدولي أن الرسوم الجمركية الأمريكية الشاملة ستُقلص النمو الاقتصادي الضعيف، وباستخدام نموذج للاقتصاد الكلي العالمي تبين أن زيادة قدرها 20% في الرسوم الجمركية الأمريكية على جميع الشركاء التجاريين في عام 2025 سيُقلل النمو الاقتصادي بـ 0.2 نقطة مئوية.

(-) تضرر الدول النامية: ستنعكس التأثيرات الاقتصادية للسياسة التجارية الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، على الدول النامية بشكل خاص، إذ أن هذه الدول تتأثر بكل متغيرات الاقتصاد العالمي، باعتبارها دولًا مستوردة في الأساس، وتعتمد في خططها التنموية على الدول الكبرى، ومن هنا من المُحتمل أن تشهد الدول النامية موجات تضخمية مرتفعة وعدم القدرة على إنعاش هيكل صادراتها، بالشكل الذي يضر بالميزان التجاري، ومن ثم ميزان المدفوعات.

وفي النهاية يُمكن القول، إن خطاب تنصيب ترامب جاء بالعديد من القرارات الاقتصادية التي ستؤثر على الاقتصاديات كافة، وعلى الرغم من أنه حاول أن يبعث الأمل في المواطنين الأمريكيين حول مواجهة المُشكلات التي واجهوها، إلا أن الثورة التجارية التي سُيحدثها ترامب في العالم أجمع ستُلقي بظلالها السلبية على الاقتصاد الأمريكي، فالنمو الداخلي للدول ونمو الاقتصاد العالمي يأتي بالتعاون التجاري المُثمر وليس بالمُعاداة في العلاقات التجارية.