الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أولويات جوزيف عون بعد انتقال السلطة في لبنان

  • مشاركة :
post-title
الرئيس اللبناني جوزيف عون

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

عكس انتخاب مجلس النواب اللبناني في 9 يناير 2025 العماد جوزيف عون -قائد الجيش- رئيسًا للبلاد بعد فترة من الفراغ الرئاسي تجاوزت العامين، رغبة اللبنانيين في مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية والدولية التي كان لها تأثيراتها المباشرة على أهمية التوافق لحسم عملية انتقال السلطة، بعد أن حصل جوزيف عون على 99 صوتًا انتخابيًا من أصل 128، وذلك ترجمًة لما حدده الدستور اللبناني، إذ نصت المادة 49 على أن انتخاب رئيس الجمهورية يتم بالاقتراع السري بأغلبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى (86 صوتًا من بين 128 نائبًا)، فيما يُكتفى بالغالبية المطلقة (65 نائبًا) في دورات الاقتراع التالية. 

وجاءت كلمة التنصيب للرئيس الجديد، الذي رحَّب باختياره غالبية القوى الإقليمية والدولية، لتعكس أولوياته في المرحلة القادمة، والتي اشتملت على العديد من التعهدات التي ستكشف المرحلة القادمة حدود ترجمتها على أرض الواقع، في ظل وجود العديد من التحديات التي تحتاج لتكاتف كل القوى اللبنانية لمواجهتها.

أولويات متعددة

جاء خطاب الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون، والذي يعد الأول له أمام مجلس النواب ليكشف أولويات المرحلة المقبلة، ويعبر عن اللحظة التاريخية الفارقة التي يمر بها لبنان، ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك التعهدات على النحو التالي:

(*) محورية دور الدولة: تعهد الرئيس جوزيف عون بأن يمارس دوره كقائد أعلى للقوات المسلحة، وكرئيس للمجلس الأعلى للدفاع، في تأكيد على حق الدولة في احتكار حمل السلاح، والدفاع عن الأرض والحدود، كما أكد على أن إعمار ما دمرته الحرب هو مسؤولية الدولة وأن لبنان لن ينسى أبناءه في الجنوب والبقاع، مشيرًا إلى علاقة الدولة بالجيش بوصفها دولة تستثمر في جيشها ليضبط الحدود، ويساهم في تثبيتها جنوبًا وترسيمها شرقًا وبحرًا ويمنع التهريب، ويحارب الإرهاب ويحفظ وحدة الأراضي اللبنانية ويطبق القرارات الدولية ويحترم اتفاق الهدنة ويمنع الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، جيش لديه عقيدة قتالية دفاعية يحمي الشعب ويخوض الحروب وفقًا لأحكام الدستور.

(*) تغيير الأداء السياسي: استهل جوزيف عون خطابه بالتأكيد على أن لبنان يمر بأزمة حكم تتطلب تغيير الأداء السياسي في الرؤية اللبنانية لحفظ الأمن والحدود وفي السياسات الاقتصادية والتخطيط، ورعاية الشؤون الاجتماعية، وفي مفهوم الديمقراطية، وفى حكم الأكثرية، وحقوق الأقليات، وفي صورة لبنان في الخارج وعلاقته بالاغتراب، وفي فلسفة المحاسبة والرقابة وفي مركزية الدولة والإنماء غير المتوازن، وفي محاربة البطالة ومكافحة الفقر والتصحر البشري والبيئي.

(*) عدم التفريط في سيادة واستقلال لبنان: دعا جوزيف عون إلى عدم التفريط في سيادة واستقلال لبنان، وأن وحدة اللبنانيين هي ضمانة المناعة، وأن التنوع دليل على غنى التجربة وبأنه آن الأوان للرهان على لبنان في الاستثمار في العلاقات الخارجية، لا أن يتم المراهنة على الخارج في "الاستقواء على بعضنا البعض". وتجسيدًا لتلك السيادة على أرض الواقع دعا جوزيف عون إلى بدء حوار جدي وندي مع الدولة السورية بهدف معالجة كل المسائل العالقة، لا سيما مسألة احترام سيادة واستقلال كلا البلدين وضبط الحدود في الاتجاهين، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي منهما، وملف المفقودين، وحل مسألة النازحين السوريين لما لها من تداعيات وجودية على الكيان اللبناني والتعاون مع "الإخوة السوريين" والمجتمع الدولي لمعالجة هذه الأزمة، بعيدًا عن الطروحات العنصرية أو المقاربات السلبية، والسعي مع الحكومة المقبلة والمجلس النيابي إلى وضع آلية واضحة قابلة للتنفيذ الفوري تعيدهم إلى وطنهم.

أولويات جوزيف عون بعد انتقال السلطة في لبنان

(*) دعم الإطار الدستوري والقانوني: يشكِّل الإطار الدستور والقانوني مدخلًا مركزيًا في خطاب جوزيف عون أمام البرلمان، إذ تعهد بالعمل مع الحكومة من أجل بلورة مشروع قانون جديد لاستقلال القضاء، وكذلك تعهده بالطعن على عدم دستورية أي قانون يخالف الدستور ورد المراسيم والقوانين التي تخالفه، مؤكدًا أن بناء الوطن يجعل الجميع تحت سقف القانون والقضاء، وأنه سيسهر على تفعيل عمل القوى الأمنية كأداة سياسية لحفظ الأمن وتطبيق القوانين.

(*) حوكمة النظام المصرفي: تعهد جوزيف عون في خطاب التنصيب بحوكمة النظام المصرفي، وألا يكون حاكمًا عليه إلا القانون ولا أسرار فيه إلا السر المهني، ومؤكدًا التمسك بالحفاظ على الاقتصاد الحر والملكية الفردية، باقتصاد تنتظم فيه المصارف تحت سقف الحوكمة والشفافية، بلا تهاون في حماية أموال المودعين.

(*) سياسة الحياد الإيجابي: تضمن خطاب جوزيف عون بناء شراكات استراتيجية والانفتاح على الشرق والغرب وفق سياسة الحياد الإيجابي، كما تعهد عون بإقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية انطلاقًا من أن لبنان عربي الانتماء والهوية وبناء الشراكات الاستراتيجية مع دول المشرق والخليج العربي وشمال إفريقيا، وأن "نمنع أي تآمر على أنظمتها وسيادتها وأن نمارس سياسة الحياد الإيجابي، وألا نصدر لها سوى أفضل ما لدينا من منتجات وصناعات وأن نستقطب السياح والطلاب والمستثمرين العرب لمواكبة تطورهم ونغنيهم بطاقاتنا البشرية ونبني اقتصادات متكاملة ومتعاونة".

تحديات ماثلة

على الرغم من تضمين خطاب التنصيب للرئيس الجديد جوزيف عون أولويات متعددة يسعى إلى تحقيقها، إلا أن هناك العديد من التحديات الماثلة التي تحتاج لتكاتف جميع القوى اللبنانية لمواجهتها، ويمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

(&) الأزمة الاقتصادية: تشكل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان التحدي الأبرز في مواجهة إدارة جوزيف عون، لا سيما وأن الانهيار الاقتصادي الحاد منذ 2019 والذي صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم، خسرت معه العملة المحلية نحو 95% من قيمتها في السوق السوداء، وبات أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر، لذلك تصبح عملية انتشال لبنان ضرورة على كل القوى المعنية بتفاعلاته حتى يستعيد عافيته بدلاً من أن يصبح محطة جديدة للفوضى في دول الإقليم.

(&) التنافس على تشكيل مرحلة جوزيف عون: على الرغم من أن هناك قدرًا من الإنهاك المتبادل بين القوى والتيارات السياسية المتنافسة على صياغة المرحلة القادمة من مستقبل لبنان، إلا أن القوى الإقليمية والدولية المعنية بالشأن اللبناني ترغب في الحفاظ على الاستقرار وإنهاء توظيف الصراع السياسي على السلطة طائفيًا، حتى لا ينعكس التوظيف الطائفي بشكل مباشر على الشارع الذي يعاني من اضطرابات اقتصادية ومعيشية حادة. وربما يشكل تصريح جوزيف عون بأن "لبنان بلد يحمي الطوائف لا تحميه الطوائف" مدخلًا ملائمًا لجعل تلك التعددية رصيدًا لقوة المجتمع اللبناني لا خصمًا من استقراره. كما يعكس اختيار مجلس النواب لنواف سلام في 13 يناير 2025، والذي كان يشغل منصب رئيس محكمة العدل الدولية رئيسًا لوزراء لبنان بعد أن حاز على 85 صوتًا من أصل 128 صوتًا شكل التنافس المحتمل في لبنان بعد أن تبلور موقف الثنائي الشيعي (حزب الله، وحركة أمل) بعدم تسمية سلام، والاتجاه نحو دعم نجيب ميقاتي. فيما كانت المعارضة السابقة، والتي تتشكل من حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب اللبنانية إضافة إلى كتلة تجدد وتحالف التغيير وعدد من النواب المستقلين تتجه نحو دعم فؤاد مخزومي الذي أعلن انسحابه لصالح سلام، معتبرًا أنه يجب أن يشكل انتخاب عون حدًا فاصلًا بين مرحلة وأخرى، ويجب أن يطوي صفحة التعطيل والفراغ وانحلال الدولة ومؤسساتها.

(&) اتفاق الهدنة مع إسرائيل: نجحت المساعي الغربية الأمريكية والأوروبية في الإعلان عن وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل منذ 26 نوفمبر 2024، إذ سعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لإحراز تقدم في مسارات الهدنة في إقليم الشرق الأوسط يُحسب للإدارة الأمريكية الحالية التي سترحل في 20 يناير الجاري. ويتمثل التحدي الذي يواجه جوزيف عون برغم حديثه عن احترام اتفاق الهدنة في تزايد الانتهاكات الإسرائيلية، لوقف إطلاق النار بين الجانبين، ومحاولة إسرائيل تحميل الطرف اللبناني المسؤولية عن مزاعم عدم الالتزام ببنود الاتفاق، وبما يبرر للطرف الإسرائيلي التنصل من تعهدات الاتفاق، وهو ما يتطلب من الوسطاء ضمان التزام الجانب الإسرائيلي ببنود الاتفاق.

(&) مستقبل حزب الله في المعادلة اللبنانية: على الرغم من أن خطاب تنصيب جوزيف عون لم يقبل بهيمنة سلاح حزب الله على الساحة السياسية والعسكرية اللبنانية، وفي الوقت نفسه لم يستهدف حاضنة حزب الله الشعبية، وتأكيده على أن انكسار طرف لبناني هو انكسار لباقي الأطراف، إلا أن مستقبل حزب الله في المعادلة اللبنانية يمثل أحد التحديات التي تواجه جوزيف عون، بعد أن أكد فى خطابه على فكرة احتكار الدولة لحمل السلاح، وهو الأمر الذي يعني رفض أي تنظيم يحمل السلاح خارج مظلة الدولة اللبنانية.

(&) تجاذبات الخارج: برغم أن اعتبارات الداخل هي المتغير الأهم في عملية حسم انتقال السلطة، إلا أن لبنان بلد يقوم نظامه على تقاسم الحصص بين المكونات السياسية والطائفية والمذهبية، وهي بلا شك لها امتداداتها الإقليمية، في حين يرتبط بمصالح استراتيجية مع القوى الكبرى في مقدمتها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

مجمل القول تتنوع أولويات جوزيف عون بعد توليه مقاليد السلطة في لبنان لتشكل مرحلة فاصلة في مسيرة لبنان نحو الحفاظ على وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية، وتعزيز دور مؤسساتها بعد إنهاء الفراغ الرئاسي الذي استمر منذ أكتوبر 2022. وهو ما عبر عنه في خطاب التنصيب بالتأكيد على حق الدولة فى احتكار حمل السلاح، واحترام الدستور والقانون كأطر حاكمة لطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكومين، يضاف إلى ذلك تأكيده على أن لبنان عربي الانتماء والهوية، وعزمه بناء الشراكات الاستراتيجية مع الدول العربية.

وسوم :