نجحت المساعي الغربية الأمريكية والأوروبية في الإعلان عن وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، حيث سعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لإحراز أي تقدم في مسارات الهدنة بإقليم الشرق الأوسط تُحسب للإدارة الأمريكية الحالية التي سترحل بعد خسارة مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس للانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، وفوز مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، لا سيما أن "بايدن" لطالما حذّر مرارًا من اتساع رقعة الصراع من غزة لتنتقل إلى جبهات متعددة تهدد الأمن الإقليمي.
وقد أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في كلمة له بالبيت الأبيض، في 26 نوفمبر 2024، أن الاتفاق سيدخل حيز التنفيذ في الساعة الرابعة فجر الأربعاء (الماضي)، مؤكدًا أنه سيتم تنفيذ الاتفاق بشكل كامل، ولن يكون هناك انتشار للقوات الأمريكية في جنوب لبنان.
وأشار إلى أنه إذا خرق حزب الله الاتفاق، فإن إسرائيل تملك حق الدفاع عن نفسها، وأن الاتفاق يدعّم سيادة لبنان ويشكّل بداية لهذا البلد، ويقود الشعب اللبناني لمستقبل ينعم فيه بالسلام.
وتسعى الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا، إلى دعم تلك الهدنة، لمساندة لبنان لتجاوز معاناته من المشكلات المستعصية الاقتصادية والسياسية ومنها الفراغ الرئاسي، وانهيار قيمة العملة الوطنية أمام الدولار.
مواقف داعمة
تنوعت المواقف الداعمة لوقف إطلاف النار وإنجاز اتفاق بين لبنان وإسرائيل لهذا الغرض، حيث دعا المفوض الأعلى للشؤون الخارجية الأوروبية في 26 نوفمبر 2024 إلى أنه لا يوجد أعذار لعدم تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، مضيفًا أن الاقتراح يتضمن كل الضمانات الأمنية اللازمة لإسرائيل، وداعيًا إلى الضغط على إسرائيل من أجل الموافقة على الاتفاق.
ودعت المملكة المتحدة في 26 نوفمبر 2024 إلى إنهاء القتال بين إسرائيل وحزب الله، مشددة على أن وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد، لاستعادة الأمن والاستقرار للمدنيين في لبنان وفي شمال إسرائيل.
وقال الناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر للصحفيين في 26 نوفمبر 2024، ندعو جميع الأطراف المشاركة في الجهود من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتحقيق سلام مستدام طويل الأمد في الشرق الأوسط.
ملامح التسوية
وفقًا للعديد من المصادر الإعلامية، تضمن مقترح وقف إطلاق النار فترة انتقالية تمتد إلى 60 يومًا تنسحب خلالها القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وينتشر الجيش اللبناني في المنطقة وقوات اليونيفيل على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، ويحرّك حزب الله قواته إلى شمال نهر الليطاني، كما ينص الاتفاق المقترح على أن تنضم الولايات المتحدة وفرنسا إلى الآلية الثلاثية التي تم إنشاؤها بعد حرب 2006 بين الطرفين، للإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار.
وتضم اللجنة حاليًا إسرائيل ولبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل"، وتتحفظ إسرائيل على وجود فرنسا في تلك الآلية لموقفها الأخير من قرار المحكمة الجنائية الدولية. ويلتزم لبنان بتعزيز قدرات الجيش اللبناني، ونزع سلاح حزب الله جنوب نهر الليطاني، وهي مهمة تتسم بالتحدي، نظرًا لعدم تحققها في اتفاقيات سابقة مثل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.
تداعيات محتملة
هناك العديد من التداعيات المحتملة لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:
(*) الداخل اللبناني: من المحتمل أن يؤدى اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل إلى تهدئة الداخل اللبناني من اتساع نطاق الحرب داخل لبنان، الأمر الذى قد يسهم في احتمالية اتجاه القوى السياسية اللبنانية واتفاقها على حل أزمة الاستحقاق الرئاسي التى امتدت إلى ما يزيد على عامين منذ مغادرة الرئيس اللبناني السابق ميشيل عون منصبه منذ 13 أكتوبر 2022.
من ناحية أخرى، من المحتمل أن يؤدى الاتفاق إلى الحد من نفوذ حزب الله السياسي على الداخل اللبناني، وهو المتغير الذى قد يسهم في حلحلة أزمة الاستحقاق الرئاسي كمعضلة دستورية يحتاج لبنان لحسمها في ظل وجود حكومة مؤقته تقوم بتسيير الأعمال لحين اختيار رئيس جديد للبلاد. لذلك تعد دعوة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري لانعقاد مجلس النواب فى التاسع من يناير 2025 للتصويت على اختيار رئيس جديد للبنان أحد تداعيات قرار وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، قائلًا في 28 نوفمبر 2024: "كنت آليت على نفسي أنه فور وقف إطلاق النار سأحدد موعدًا لجلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، فأنا أعلن منذ الآن تحديد جلسة في التاسع من يناير المقبل".
كما أكد نجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية في 28 نوفمبر 2024 أن لبنان يدخل مرحلة جديدة بعد وقف إطلاق النار، وشدد على أهمية تعزيز الجيش اللبناني في جنوب البلاد، والعمل على إعادة إعمار ما دمّرته الحرب الأخيرة، وتعليق الآمال على الجيش في بسط سيطرة الدولة على ربوع الوطن، مضيفًا: "ملتزمون بتطبيق قرار مجلس الأمن 1701 لتحقيق الاستقرار على الخط الأزرق، واستعادة ثقة العالم بنا ونعيد ثقة اللبنانيين بالدولة".
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الصحة اللبنانية أعلنت عن ارتفاع عدد الشهداء والجرحى منذ بدء العدوان الإسرائيلي على البلاد وحتى 26 نوفمبر 2024 إلى 3961 شهيدًا، و16520 جريحًا منذ بدء العدوان.
(*) الحرب الإسرائيلية على غزة: من المحتمل أن يكون للاتفاق اللبناني الإسرائيلي تداعيات مباشرة على الحرب الإسرائيلية على غزة، وهو ما أعلن عنه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في روما في 26 نوفمبر 2024 بأن الجهود الرامية لوقف إطلاق النار في مراحلها النهائية، معتبرًا أن الاتفاق قد يساعد في إنهاء الحرب في غزة.
ومن وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية، يعد الإنجاز الأبرز الذي نتج عن هذه المفاوضات هو التنازل التدريجي لحزب الله عن مطلبه منذ بداية الحرب بربط أي وقف لإطلاق النار على الجبهة الشمالية بوقف كامل لإطلاق النار في قطاع غزة.
وفي سياق متصل أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن القيام بمساعٍ جديدة مع مصر وقطر وتركيا وإسرائيل بشأن وقف إطلاق النار في غزة.
(*) الداخل الإسرائيلي: أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 26 نوفمبر 2024، عن أن المجلس الوزاري الأمنى المصغر صدّق على اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، متوعدًا بالرد بقوة على أي خرق للاتفاق من قبل حزب الله، مبررًا وقف إطلاق النار بهدف التركيز على تهديد إيران، وإنعاش الجيش وعزل حماس وفصل الساحات العسكرية، وإعادة سكان الشمال.
من ناحية أخري تشير العديد من التحليلات إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يواجه داخل صفوفه أزمة كبيرة تهدد موقف نتنياهو الداعي لاستمرار الحرب، الذي أصبح مجبرًا على القبول بتسوية سياسية مع لبنان، والقبول بوقف إطلاق النار، التي تتمثل في نفاذ القوة البشرية والسلاح، لا سيما أن موافقة نتنياهو على وقف إطلاق النار تعزّز القناعات لدى الإسرائيليين بأنه تم استنفاد القتال في لبنان من دون تمكن إسرائيل من تحقيق أهداف الحرب، وفشل جيش الاحتلال في القضاء على حزب الله، والخشية من دخول حرب استنزاف طويلة الأمد في الجنوب.
مجمل القول يشكّل وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، التأكيد على أن الحرب لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، وأن الحرب ما هى إلا امتداد للسياسة لكن بوسائل أخرى، لكن العدوان الإسرائيلي على لبنان بشكل سافر لا يضمن استمرار اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين، فبعد يوم واحد من الإعلان عن القرار تبادل الطرفان الاتهامات بخرق الاتفاق. الأمر الذي يعنى ضرورة تماسك الجبهة الداخلية اللبنانية وحسم مسألة الفراغ الرئاسي، حتى يتمكن لبنان من تجاوز محنته الحالية.