الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

انعكاسات حرب الجنوب على قدرات حزب الله

  • مشاركة :
post-title
العدوان الإسرئيلي على لبنان

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

بعد مرور أكثر من أسبوعين على دخول وقف إطلاق النار في جنوب لبنان حيز التنفيذ، بات مستقبل حزب الله وهيكله المؤسسي وأذرعه السياسية والمالية والأمنية والعسكرية محطَّ اختبار، خاصة بعد ما لحق ببنيته التحتية من ضربات متتالية استهدفت نقاط ضعف الحزب وما يمكن اعتباره "بنيته الفوقية" أو وجوده كفاعل رئيسي في المعادلة السياسية والأمنية اللبنانية من جهة، والمحور الإيراني من جهة أخرى.

وتأسيسًا على ما سبق، يتناول التحليل المتغيرات السياسية والعسكرية التي طرأت على قوة حزب الله وحسابات الحاضنة الشعبية في المرحلة المقبلة.

مؤشرات الحضور والتراجع

رغم سرعة التطورات في سوريا والتي توازت مع بدء سريان وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، فإن موقف حزب الله كان واضحًا منذ البداية أنه لم يكن بوارد التحرك عسكريًا في سوريا التي كانت ساحة الانكشاف العسكري والاستخباراتي للجماعة، وتضخم دوره باعتباره مركز الثقل الرئيسي لمحور إيران على صعيد التدريب والتمويل، ما حدَّ من قدرته على التخفي والمناورة.

خسائر حزب الله في المواجهات السابقة

(*) انهيار خطوط الإمداد: مثلت إحدى نقاط الضعف الرئيسية للجناح العسكري للحزب ارتباط خطوط إمداده من الصواريخ الدقيقة بإيران عبر الأراضي السورية، التي كانت مركزًا لعمليات نقل وتخزين تلك الصواريخ عبر الحدود العراقية السورية، انطلاقًا من معبر القائم-البوكمال عبر محافظة دير الزور، مرورًا بمحافظة حمص وباديتها التي تستحوذ على 4 من أصل 6 معابر رسمية بين سوريا ولبنان. واستحوذت مدينة القصير على أهمية كبرى في حضور "حزب الله" بالأراضي السورية كقاعدة متقدمة للحزب خارج لبنان، ودفع فيها أثمانًا باهظة على مستوى العنصر البشري.

وعلى صعيد المعابر الحدودية، استهدف طيران الاحتلال الإسرائيلي المعابر الرسمية الستة، وهي المصنع الذي يربط ريف دمشق بالبقاع اللبناني، وجوسية-القاع ومطربا وتلكلخ والدبوسية في حمص والعريضة في طرطوس، إلى جانب نحو 130 معبرًا غير رسمي تستخدم في تهريب الأسلحة حسب مركز ألما للأبحاث الإسرائيلي.

ونقلت جريدة الأخبار اللبنانية القريبة من حزب الله، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر 2024، أن عنصرين من "هيئة تحرير الشام" تفقدا آخر نقطة حدودية، وهي معبر العريضة بمحافظة طرطوس الساحلية، وتبادلا الحديث مع عناصر الجيش اللبناني على الجانب الآخر من الحدود للمطالبة بضبط الحدود ومنع التهريب.

ورغم أنباء دخول ألفي عنصر من مقاتلي الجماعة نهاية الأسبوع الماضي، فإن الواقع على الأرض يشي بغير ذلك، إذ أشارت وكالة رويترز إلى أن حزب الله بادر بسحب قوات من سوريا في منتصف أكتوبر الماضي لتعزيز خطوط المواجهة مع جيش الاحتلال في الجنوب اللبناني، كما سحب ضباطًا كبار مسؤولين عن مدينة حلب في الشمال السوري. 

وفي 8 ديسمبر 2024، وبالتزامن مع تقدم الفصائل السورية، أفادت وكالة رويترز، عن مصادر بالجيش السوري، بانسحاب المئات من عناصر الحزب من مدينة القصير الحدودية في 150 مركبة مدرعة.

(*) تفتيت القدرات العسكرية والمالية: مُني حزب الله بخسائر هي الأقسى في تاريخ المواجهات العسكرية مع جيش الاحتلال وحتى في سنوات الحرب بسوريا، إذ تشير التقديرات الأمريكية إلى أنه خسر بالفعل نحو 4 آلاف مقاتل خلال المواجهات التي بدأت في 8 أكتوبر 2023 وحتى دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024، على رأسهم كبار قادة الحزب وهيكله القيادي بشكل عام، بدءًا من الأمين العام حسن نصر الله ورئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين مرورًا بقادة "المجلس الجهادي" والقادة الميدانيين.

ومقارنة بالمواجهات السابقة، خسر حزب الله في الحرب بسوريا ما بين 1700 إلى 2000 مقاتل، مقابل 1200 عنصر فقط في الفترة من 1982 وحتى 2000.

وعلى صعيد القدرات العسكرية، تتباين التقديرات بشأن حجم خسائر حزب الله؛ فبينما أشارت التقديرات الإسرائيلي الأولية إلى تدمير نحو 80% من صواريخ الجماعة اللبنانية، تشير التقديرات الأمريكية إلى أن ضربات جيش الاحتلال طالت نحو 50% من تلك القدرات، في الوقت الذي ينصب تركيز الجانبين على منع إعادة ملء مخزونات حزب الله وتقويض قدراته على إعادة التسلح من إيران.

ولعل الاستهدافات المركزة لقادة وعناصر ومنشآت الوحدة 108، أو كما يطلق عليها الجانب الإسرائيلي الوحدة 4400 قبل انطلاق "طوفان الأقصى" وحتى بعد وقف إطلاق النار في لبنان، تشير إلى جهود جيش الاحتلال في تجريد حزب الله من بنيته التحتية العابرة للحدود والتي استخدمها عقب اغتيال القيادي عماد مغنية في دمشق 2008، من أجل تعزيز وتأمين سلاسل إمداد الجماعة عبر سلسلة من المكاتب في العاصمة السورية، حسب جريدة النهار اللبنانية.

وصاحب العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان استهداف المؤسسات المدنية لحزب الله وعلى رأسها مؤسسة القرض الحسن، التي بدأ طيران الاحتلال قصف فروعها منذ 20 أكتوبر 2024، ويصرُّ حزب الله على عدم وقوع أضرار في احتياطيات المؤسسة في إطار صرفها إعانات للنازحين خلال الحرب، في ظل إعلان الأمين العام للجماعة نعيم قاسم في 5 ديسمبر 2024 عن تقديم إيران 77 مليون دولار لنحو 233500 عائلة نازحة بما يتراوح بين 300 و400 دولار لكل عائلة لدفع تكاليف معيشية، إلى جانب التكفل بمبالغ مالية تتراوح بين 12 و14 ألف دولار لكل عائلة، تمثل تكلفة استئجار وتأثيث منزل لمدة عام لمن هُدمت منازلهم كليًا في العدوان الإسرائيلي على الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية.

(*) الانحسار الجغرافي: يمثل اتفاق وقف إطلاق النار بصيغته المعلنة نقطة فارقة في تاريخ حزب الله، إذ يشمل الاتفاق ضمانات على صعيد إعادة انتشار الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان "يونيفيل"، ونزع سلاح حزب الله في الجنوب، فضلًا عن وجود ضمانات أمنية لجيش الاحتلال بتفكيك البنية التحتية للجماعة جنوب نهر الليطاني خلال فترة وجوده وانتشاره بالأراضي اللبنانية إلى جانب تشديد المراقبة الأممية والدولية على حظر تسليح حزب الله برًا وبحرًا وجوًا، وبالتالي فإن تسلح عناصر الجماعة بعيدًا عن خطوط المواجهة مع إسرائيل وفي ظل خسارة الظهير السوري قد يفقد جدواه مع الوقت، خاصة مع التكلفة الباهظة التي فرضتها الحرب على حاضنة حزب الله الشعبية وتصاعد الأصوات الرافضة لسلاح الجماعة في الداخل اللبناني.

تداعيات محتملة

رغم أنه من المبكر الحديث عن حجم الضرر الواقع بقدرات حزب الله في سلسلة مواجهات كبرى متقطعة وعلى امتداد منطقة المشرق العربي في الفترة من 2011 وحتى 2024، إلا أن تأثيراتها على قدرات الجماعة في البعد العسكري شملت تحييد دورها العابر للحدود بدرجة كبيرة كمركز ثقل لمحور إيران في المنطقة، على صعيد التخطيط والتدريب والتسليح والمشورة السياسية والميدانية.

والمؤكد أن حزب الله، بعدما فشل في مواجهة حالة الانكشاف الاستخباراتي نتيجة الدور البارز والعابر للحدود، سيسعى لتوفيق أوضاعه في الداخل اللبناني بتعزيز حضوره السياسي في بيئته الحاضنة التي عانت من ويلات الحرب والتهجير قبل ترميم قدراته العسكرية، التي ربما بدأت في أعقاب وقف إطلاق النار عبر تعويض النقص في العنصر البشري بالتجنيد، والأخذ في الاعتبار عوامل التضييق الخارجي على التمويل وسلاسل إمداد الجماعة، التي ستعمل على إعادة بنائها في الخفاء وعلى مدى زمني طويل.

وتبقى من المتغيرات التي قد تُجْهِض هذا التحول عامل الجغرافيا، إذ إن استقرار الوضع في سوريا ما بعد الأسد باتجاه دولة مؤسسات مدنية سيعزز التعاون الرسمي السوري اللبناني ويخفف تدريجيًا من نشاط شبكات حزب الله، وكذلك في السيناريوهات الأسوأ للجارة الكبرى، قد يتعرض حزب الله لمخاطر جدية جراء الصدام مع جماعات مسلحة سورية نتيجة لانخراط الجماعة في النزاع الأهلي السوري.

وعلى الصعيد الداخلي، من المؤكد أن المعارك السياسية التي يتأهب حزب الله لخوضها لن تقل ضراوة عن المواجهات الميدانية، ففي الوقت الذي يبدأ فيه العد التنازلي لجلسة انتخاب رئيس للبلاد في 9 يناير المقبل قد يحتاج حزب الله لمواءمة خياراته والتنازل عن دعم مرشح لرئاسة البلاد، وكذلك التنازل عن تعطيل الاستحقاق الرئاسي، لصالح إيجاد مرشح توافقي قد يدفعه للتفاوض في قضايا محورية تتعلق بأمن واستقرار لبنان، وعلى رأسها إقرار سياسة دفاعية وطنية وعدم انخراط الجماعة في مواجهات خارجية انطلاقًا من أراضي لبنان ولا تخدم مصالح الشعب اللبناني، في ظل الانسحاب من الجنوب.

وإجمالًا؛ رغم ترويج قيادة الحزب للانتصار في "معركة أولي البأس"، هناك متغيرات ناشئة وقيد التشكل ساهمت في إبرازها المعركة المطولة بين حزب الله وإسرائيل منذ الثامن من أكتوبر 2023، وانعكست آثارها على مختلف أطراف المحور الموالي لإيران، إلى جانب تغير نبرة بعض الأطياف في الداخل اللبناني تجاه سلوك حزب الله وسلاحه. 

وتمثلت خسائر الحزب في المواجهة الأخيرة في فقدان الدعم الموثوق من الجانب الإيراني في ميدان المعركة ومخاوف طهران من استهداف عمقها أو تهديد برنامجيها النووي والصاروخي، إلى جانب انهيار خطوط الإمداد وفقدان الظهير السوري في أي مواجهة مقبلة، فضلًا عن الموقف الداخلي اللبناني الرافض لسلاح حزب الله وانخراطه في تدخلات بشؤون دول الجوار العربية في ظل التعويل الكبير على الدعم الدبلوماسي والمالي العربي والخليجي.