الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تحديات إعادة إعمار لبنان

  • مشاركة :
post-title
آثار الدمار في لبنان

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

أدى العدوان الإسرائيلي على لبنان لتفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية وتزايد التحديات المرتبطة بعمليات إعادة الإعمار وبناء ما دمره العدوان من منشآت اقتصادية وسكنية وبنية تحتية، فقد تجاوزت أعداد النازحين مليونًا ومائتي ألف شخص. ويواجه النازحون تحديات كبيرة حال تأخر عمليات إعادة الإعمار، إذ إنهم فقدوا كل ما يملكون من مساكن وأعمال تجارية.

وتشير بعض التقديرات إلى أن الخسائر الحالية للاقتصاد اللبناني بأكثر من 20 مليار دولار، وفقًا لوزير الاقتصاد أمين سلام، الذي أوضح أن إعادة الإعمار قد تتطلب ما بين 20 و30 مليار دولار. فقد تكبدت قطاعات حيوية خسائر جسيمة، منها مؤسسات صحية وتعليمية دُمرت بالكامل.

وفي السياق ذاته، يسعى هذا التحليل للإجابة على حجم الأضرار الناتجة عن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان وتمويل إعادة الإعمار وأولوياته.

أضرار متعددة

جاء ضرر حرب إسرائيل على لبنان أشد وقعًا على المؤسسات الصغيرة والقطاعات الإنتاجية والتجارية التي تخلق فرص عمل كثيرة، على عكس ما كان عليه الوضع عام 2006، إذ لم يتضرر حينها مثل هذا العدد الكبير من المؤسسات والمساكن، فحتى الآن لم يتم حصر الأضرار بشكل دقيق، ولا تتوافر أي أرقام دقيقة حول حجم الخسائر. وشهد الجنوب تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية، إذ أُنشئت مؤسسات تجارية وزراعية وصناعية، كما ازدهرت السياحة والنمو الاقتصادي في تلك المناطق، لكن هذه الحركة تضررت بشدة نتيجة الحرب، وهو ما قد يصعب من إعادة إحيائها، خاصة مع عدم وضوح ظروف عودة السكان المدنيين إلى المناطق المتضررة.

إعادة إعمار لبنان

وتشير بعض التقديرات إلى أن تكلفة إعادة الإعمار ستكون مرتفعة، خاصة أن بعض القرى دُمّرت بالكامل على الصعيدين السكني والإنتاجي، فقد تراجعت بعض المناطق إلى الوراء نحو 15 عامًا من ناحية النمو الاقتصادي. ولا يمكن تحديد أرقام نهائية لحجم الأضرار الناتجة عن هذه الحرب، إلا أن الخسائر وفقًا لمعلومات أولية تُقدر بنحو 20 مليار دولار، وهناك صعوبة في تقدير الأضرار لكل قطاع على حدة، وعلى سبيل المثال يعاني القطاعان الصحي والتعليمي أضرارًا بالغة.

ممولو إعادة الإعمار

يتوقع أن يأتي التمويل من مصادر متنوعة، لكل مصدر شروطه وآلياته، على سبيل المثال، قد يقدم البنك الدولي قروضًا أو هبات لإعادة إعمار مرفأ بيروت، لكنه لا يقدم عادة تمويلًا لإعادة بناء الوحدات السكنية. وبعد وقف إطلاق النار الأخير بين لبنان وإسرائيل، نوفمبر 2024، برزت عدة دول وجهات دولية كأهم المانحين لإعادة إعمار لبنان، تشمل:

(*) الدول العربية: تقوم بعض الدول العربية بجهود إعادة إعمار واسعة، وتركز على تمويل مشروعات سكنية وبنى تحتية في المناطق المتضررة، خاصة الجنوب. وتقدم بعض الدول العربية الأخرى مساعدات مالية وعينية، بما في ذلك مشروعات إعادة تأهيل المدارس والمستشفيات والبنى التحتية.

(*) البنك الدولي وبعض المنظمات الدولية والإنسانية: يقوم البنك الدولي بجهود تقييم الأضرار وتقديم المساعدات الفنية والمالية. وتدعم الأمم المتحدة مشروعات إغاثية وإنسانية واسعة، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والإيواء، إضافة إلى عدد من المنظمات الدولية والإنسانية الأخرى التي تشمل الصليب الأحمر ومنظمات دولية غير حكومية التي قدمت مساعدات إغاثية فورية، خاصة للنازحين والمتضررين من الحرب.

(*) الاتحاد الأوروبي: يسهم الاتحاد الأوروبي بمساعدات مالية لدعم إعادة الإعمار، مع التركيز على البنية التحتية وإعادة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه.

(*) إيران: تقدم إيران للبنان من خلال حزب الله تمويلات لإعادة بناء المنازل والبنية التحتية في المناطق الجنوبية المتضررة، مع مساهمات كبيرة في تمويل المشاريع الإسكانية، ومن الجدير بالذكر أن إيران وحزب الله ساهما بالجانب الأكبر من تمويل إعادة إعمار جزء كبير من المناطق الجنوبية بعد حرب 2006، وإجمالًا قدمت طهران تمويلًا لترميم وإعادة بناء مئات المدارس والمساجد ومشروعات البنى التحتية عبر الهيئة الإيرانية لإعادة الإعمار في لبنان حينها.  

تحديات عديدة

يواجه إعادة الإعمار في لبنان، العديد من التحديات التي تشمل نقص التمويل، ضغوطًا سياسية، واشتراطات دولية تتعلق بالشفافية ومكافحة الفساد. فقد وصفت الأمم المتحدة تكلفة إعادة الإعمار في لبنان بأنها "باهظة جدًا" وأكدت الحاجة إلى تدخلات دولية واسعة النطاق. في ضوء ذلك، يمكن تحديد بعض تحديد تمويل إعادة إعمار فيما يلي:

(&) نقص التمويل: مع تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية، تبدو قدرته على استقطاب التمويل الخارجي محدودة إذا لم يلتزم بشروط صارمة تتعلق بالشفافية ومحاربة الفساد.

(&) صعوبة حصر الأضرار بشكل دقيق: تشير بعض التقديرات الأولية إلى أن حجم الأضرار يتراوح بين 15 و20 مليار دولار، وقد تتضاعف هذه الأضرار والخسائر بالمليارات بعد الحصر النهائي للأضرار، وتفوق الأضرار التي لحقت بالناتج المحلي التقديرات الحالية من الجهات المحلية والدولية. كما أن لبنان عاجز كليًا عن تمويل عملية إعادة الإعمار، سواء في منطقة معينة أو في كل المناطق المتضررة من العدوان الإسرائيلي، وتعدّ عملية إزالة الركام مكلفة للغاية، ناهيك عن تكاليف إعادة البناء التي تصبح أعلى عند مراعاة معايير معينة لتعزيز البناء.

(&) عدم وجود خطة مسبقة لتمويل إعادة الإعمار بعد الحرب: حتى اليوم لا تتوفر لدى لبنان وثيقة تكون بمثابة خريطة طريق، تستند إلى تقييم أوّلي للأضرار، وتضع الأولويّات لمرحلة ما بعد انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية، وعلى الصعد المختلفة: البنى التحتيّة، الاتصالات، إسكان العائدين، تنظيف الأراضي من المخلّفات، المساندة الاجتماعية، وغيرها.

(&) تأزم الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي: منذ الأزمة التي بدأت 2019، لم يكن لدى لبنان خطة للتعافي بسبب الخلافات السياسية، لذلك بات لبنان مضطرًا للتعاون مع المنظمات الدولية التي قد تساعد في عملية إعادة الإعمار، علمًا أن مؤتمر باريس أسهم في الحصول على وعود بمليار دولار، وهذا المبلغ مقسم بين تمويل مساعدات للجيش والنازحين، ما يفرض على الحكومة اللبنانية إطلاق حملات لجمع التمويل لإعادة إعمار لبنان.

وفي النهاية، يمكن القول إن هناك أولويات مُلحة لإعادة إعمار لبنان، ووفقًا لذلك من المتوقع أن يتم إعادة الإعمار على مراحل، وفي مرحلة أولى سيتم إعادة إعمار المنازل، ثم يتم تنشيط الاقتصاد اللبناني في مرحلة لاحقة. ويواحه إعادة إعمار لبنان العديد من التحديات أهمها التمويل؛ إذ يمتنع بعض الممولين مثل ألمانيا والولايات المتحدة عن تمويل مشروعات في الجنوب خشية ارتباطها بحزب الله، إلا إذا قدم لبنان تنازلات سياسية تتيح له التمويل بشروط معينة.