تواجه المملكة المتحدة تحولًا جذريًا في سوق العمل والاستثمار مع توجه الشركات نحو تقليص النفقات وخفض معدلات التوظيف، استجابة للزيادات الضريبية التي أقرتها الحكومة البريطانية في ميزانية الخريف الماضي، في هذا الصدد كشفت دراسات حديثة أجرتها كبرى شركات المحاسبة والاستشارات العالمية عن مؤشرات تدل على تحديات اقتصادية غير مسبوقة قد تؤثر على مستقبل سوق العمل البريطاني في المدى المنظور.
أزمة التوظيف تتعمق
كشف استطلاع حديث أجرته شركة "ديلويت" العالمية للمحاسبة، نقلته صحيفة "الجارديان" البريطانية، عن تراجع حاد في توقعات التوظيف، حيث أعرب ثلثا المديرين الماليين عن عدم نيتهم زيادة مستويات التوظيف خلال العام الجاري، مسجلين أعلى نسبة منذ أربع سنوات.
وأظهرت النتائج أن 26% من المديرين الماليين أصبحوا أكثر تشاؤمًا حيال مستقبل أعمالهم مقارنة بالربع السابق، في أول انخفاض لمؤشر الثقة منذ 18 شهرًا، ما يعكس حالة من عدم اليقين تجاه المستقبل الاقتصادي للبلاد.
خطط الشركات
تتجه الشركات البريطانية نحو تبني استراتيجيات متعددة للتكيف مع الزيادات الضريبية الجديدة، إذ أوضح الاستطلاع أن أكثر من نصف المديرين الماليين يعتبرون خفض التكاليف أولوية قصوى، وهو توجه مستمر منذ ما يقرب من عام كامل.
وتشمل استراتيجياتهم للتعامل مع زيادة تكاليف التأمين الوطني للموظفين خفضًا شاملًا للتكاليف التشغيلية، مع التركيز على رفع مستويات الإنتاجية، فضلًا عن اتجاه متزايد نحو رفع أسعار المنتجات والخدمات للمستهلكين لتعويض الزيادة في التكاليف.
تحديات متزايدة
وفي مؤشر آخر على تدهور أوضاع سوق العمل، سجل مؤشر التوظيف، الصادر عن شركة BDO للاستشارات، أدنى مستوياته منذ 12 عامًا في ديسمبر 2024، في حين يأتي هذا الانخفاض التاريخي مدفوعًا بتراجع ملحوظ في عدد الوظائف الشاغرة وانخفاض أعداد الموظفين المسجلين في كشوف الرواتب.
وتتوقع الشركة استمرار هذا التراجع في نوايا التوظيف خلال الفترة المقبلة مع استمرار تكيف الشركات مع ارتفاع تكاليف التأمين الوطني وزيادة فواتير الأجور.
مستقبل الاقتصاد البريطاني
رغم التحديات الراهنة، يتوقع المديرون الماليون تحسنًا تدريجيًا في الأوضاع الاقتصادية مع توقعات بانخفاض أسعار الفائدة بمقدار 0.75 نقطة مئوية لتصل إلى 4% بنهاية عام 2025.
ويرى إيان ستيوارت، كبير الاقتصاديين في ديلويت، أن الاقتصاد البريطاني سيشهد انتعاشًا خلال فصل الصيف، مدفوعًا بالسياسة المالية التيسيرية وتخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة.
ومع ذلك، يظل هناك قلق من تأثير اضطرابات أسواق السندات على تكاليف الاقتراض، ما قد يعيق الاستثمارات المستقبلية للشركات.
وتختتم الصحيفة برؤية مستقبلية متوازنة للاقتصاد البريطاني، حيث يمر القطاع الخاص بمرحلة تكيف حرجة مع المتغيرات الاقتصادية الجديدة، ورغم التحديات التي تفرضها السياسات الضريبية الجديدة على سوق العمل والاستثمار، هناك مؤشرات إيجابية تدعم التوقعات بتحسن تدريجي في النمو الاقتصادي خلال الأشهر المقبلة.