الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ماذا تستفيد مصر من عضوية "بريكس"؟

  • مشاركة :
post-title
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قمة البريكس عام 2017 بمدينة شيامن الصينية

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

أصبحت مجموعة "بريكس" أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم، نظرًا لأرقام النمو التي باتت تحققها دول هذا التكتل مع توالي السنوات، لدرجة توقع جيم أونيل كبير الخبراء الاقتصاديين في مؤسسة الخدمات المالية والاستثمارية الأمريكية "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs)، الذي ترجع إليه فكرة هذه المجموعة، أن اقتصادات هذه الدول ستهيمن مجتمعة على الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050.

وفي الرابع من سبتمبر 2017، عقدت دول "بريكس" القمة السنوية للمجموعة في شيامن بالصين، وانضمت إليها في هذه القمة كل من تايلند والمكسيك ومصر وغينيا وطاجيكستان (دول مراقبة)، لمناقشة خطة "بريكس بلس" (+BRICS) التوسعية، التي ترمي إلى إضافة دول جديدة للمجموعة. وبعد الحرب الأوكرانية وما رافقها من إعادة تشكيل نظام عالمي جديد، ازداد الاهتمام بتكتل "بريكس" من طرف العديد من الدول، خاصة في ظل الاتجاه نحو تكتلات جيوسياسية واقتصادية جديدة، وأيضًا بحث روسيا عن شركاء داعمين لها في وجه العقوبات الاقتصادية الغربية.

وقد ترتب على ذلك أن أصبحت "بريكس" محط اهتمام عديد من الدول الأخرى، التي ما فتئت ترغب في الانضمام إلى التكتل. وفي مارس 2023، أكدت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدي باندور زيادة اهتمام عدد من دول العالم بالانضمام إلى مجموعة "بريكس"، فقد أعلنت أن 12 دولة أبدت رغبتها في الانضمام إلى المجموعة، من بينها السعودية والإمارات ومصر والجزائر وإيران والأرجنتين والمكسيك ونيجيريا وغيرها. ومن المقرر أن تناقش طلبات عضوية البلدان الجديدة في القمة الخامسة عشرة لدول مجموعة "بريكس" بجنوب إفريقيا في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس الجاري.

وتسعى مصر للانضمام إلى مجموعة "بريكس" للاقتصادات الناشئة الرئيسية التي يسيطر أعضاؤها على ربع الاقتصاد العالمي بانضمامها إلى البنك التنمية الجديد "NDB" الذي يمثل خطوة مهمة نحو الانضمام المجموعة الاقتصادية الهامة. وتعزز التغيرات الاقتصادية التي يشهدها العالم حاليًا، فرص مصر في الانضمام لمجموعة "بريكس" للاقتصادات الناشئة، والتي يعتبرها البعض المنافس المستقبلي لمجموعة السبع الصناعية الكبرى.

في ضوء ما سبق، تُثار عدة تساؤلات أهمها: ما هي أهم العوامل التي تعزز فرص مصر في الانضمام لمجموعة "بريكس"؟ وما هي أهم المكاسب الاقتصادية المرتبطة بانضمام مصر لمجموعة "بريكس"، وما هي عناصر القوة التي تضفيها عضوية مصر في مجموعة "بريكس" فيما يتعلق بدورها على الساحتين الإقليمية والدولية؟ في هذا السياق، يأتي هذا التحليل ذو الطبيعة الاقتصادية والسياسية للإجابة على التساؤلات السابقة:

عوامل تعزز فرص مصر:

هناك مجموعة من العوامل تعزز من فرص مصر في الانضمام لمجموعة "بريكس"، يمكن رصد بعضها فيما يلي:

(*) ما تمثله مصر من نافذة كبيرة على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أنها محطة أساسية لطريق الحرير الصيني، علاوة على موقعها الذي يؤهلها للقيام بأدوار أكبر لتصريف منتجات دول "بريكس" في إفريقيا خاصة أن جنوب إفريقيا بحكم موقعها الجغرافي المتطرف، لا يمكنها القيام بذلك الدور في القارة السمراء.

(*) ما تشهده مصر من حراك تنموي غير مسبوق؛ لإرساء دعائم التنمية الشاملة والمستدامة، وما توفره من فرص استثمارية وتنموية واعدة فى شتى القطاعات، وتخدم الأهداف التنموية، وتسهم فى تحسين مستوى معيشة المواطنين، وتلبية الاحتياجات التنموية لهم، والارتقاء بجودة الخدمات العامة المقدمة إليهم.

(*) أن مصر واحدة من أسرع دول العالم نموًا، وأنها تمتلك اقتصادًا رائدًا بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفقا لتصريح ماركوس ترويخو (رئيس بنك التنمية الجديد). فالاقتصاد المصري، هو ثاني أكبر اقتصاد إفريقي وعربي وهو ما يعطى مصر القدرة فى المساهمة الفعالة فى التنمية المستدامة، بعد نجاح الاقتصاد المصري فى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والتوجه نحو الإصلاحات الهيكلية، فضلًا عن تصنيف مصر كأفضل واجهة إفريقية جاذبة للاستثمارات.

(*) التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية في الوقت الراهن، فعلى سبيل المثال تدفع العقوبات الغربية على روسيا، والتوترات الصين الأمريكية في عدد من الملفات المتشابكة، مجموعة "بريكس" لمساحة أوسع لتطوير نشاطها الاقتصادي. فالمجموعة تمثل أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وانضمام مصر لها سيعطيها فرصة التنافسية بشكل أكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن البعض يرى أن هناك ضغطًا أمريكيًا يحاول منع مصر ودول عربية أخرى من الانضمام لمجموعة "بريكس" خشية تكوين نظام اقتصادي عالمي جديد يُنهي الهيمنة الفعلية للدولار، لكن ذلك الضغط لن يؤثر على قرارات القاهرة وتلك الدول. في حين يرى البعض الآخر أن انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس" لا يمثل خطورة على علاقاتها الاقتصادية بأوروبا وأمريكا، فالبرازيل وجنوب إفريقيا والهند لها علاقات معهما خاصة في المجال الاقتصادي، ونيودلهي عضو في تحالف كواد الرباعي مع اليابان والولايات المتحدة وأستراليا.

مكاسب اقتصادية:

ثمة مكاسب اقتصادية يمكن أن تحققها مصر من انضمامها لمجموعة "بريكس"، يمكن تحديدها فيما يلي:

(&) استفادة مصر من المزايا والفوائد التي توفرها الأطر المؤسسية للبريكس، فقد قررت مجموعة دول "بريكس" -خلال قمة فورتاليزا التي عقدت بالبرازيل عام 2014- إنشاء بنك تنمية سمي "بنك التنمية الجديد(New Development Bank) واختصاره(NDB)، وصندوق احتياطي في شنغهاي "اتفاقية احتياطي الطوارئ Contingent Reserve Arrangement) واختصاره (CRA). وصل رأس مال البنك، الذي هو بمثابة بنك تنمية متعدد الأطراف تديره دول "بريكس" الخمس، حينها 50 مليار دولار مع احتمال بلوغه 100 مليار دولار في غضون عامين، والدور الأساسي لهذا البنك هو منح قروض بمليارات الدولارات لتمويل مشاريع البنيات الأساسية والصحة والتعليم، وما إلى ذلك، في البلدان الأعضاء بالمجموعة، وكذلك البلدان الناشئة الأخرى، وانضمت إلى هذا البنك مؤخرًا كل من أوروجواي والإمارات العربية المتحدة وبنجلاديش ومصر بصفتها أعضاء جددا. وسوف تستفيد مصر من بنك التنمية الجديد فى تمويل المشروعات التنموية والبنية التحتية التي تجرى فيها مصر بسرعة فائقة خلال الأعوام القليلة الأخيرة. وبداية من عام 2022، شملت محفظة بنك التنمية الجديد 80 مشروعًا، بقيمة إجمالية وصلت إلى 30 مليار دولار أمريكي. أما بالنسبة لصندوق الاحتياطي، فخُصص له مبلغ 100 مليار دولار تحسبًا لأي أزمة في ميزان الأداءات. ويعد هذا الصندوق إطارًا لتوفير الحماية من ضغوط السيولة العالمية.

(&) ما توفره مجموعة "بريكس" من حل لمشكلة النقد الأجنبي في مصر، والتي ترتب عليها العديد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي أرهقت كاهل الدولة المصرية خاصة في الفترة التي أعقبت الأزمة الروسية الأوكرانية، فانضمام مصر لمجموعة بريكس يساعدها في التغلب على هذه المشكلة، وذلك من خلال ما يلي:

(-) الاستفادة من سعى دول مجموعة "بريكس" إلى إطلاق عملة موحدة بينها تنهي بها هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي، إذ أعلن ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يونيو 2022 أن مجموعة "بريكس" تعمل على تطوير عملة احتياطية جديدة على أساس سلة العملات للدول الأعضاء.

(-) التحول لنظام المقايضة والاتفاقيات المباشرة مع الدول المصدرة لمصر لتقليل الطلب على العملات الأجنبية، حيث يبلغ سوق اتفاقيات المقايضة حوالي 6 تريليونات دولار بين مختلف دول العالم؛ وبذلك يمكن تقليل الطلب على الدولار في السوق المحلية باتفاقيات المقايضة مع الدول المختلفة، واتفاقيات الدفع بالعملة المحلية لهذه الدول، وبالتالي يتم إخراج تلك الواردات خارج منظومة الدفع بالدولار لأن الهدف الأساسي هو تقليل الطلب على الدولار نتيجة زيادة الاستهلاك والاستيراد. وبالتالي ستستفيد مصر من تفعيل اتفاقيات الدفع المباشرة مع الدول أعضاء "بريكس" نظرًا للقوة المالية للصين والتي أصبح بموجبها اليوان الصيني عملة دولية متداولة في الأسواق الدولية ومقبولة في اتفاقيات الدفع المباشرة مع مختلف دول العالم كما أصبح الروبل الروسي متداول في اتفاقيات الدفع المباشرة نتيجة التطورات السياسية الحالية، كما أن دول "بريكس" على الجانب الآخر تهدف إلى زيادة تداول عملتها في الخارج.

(&) تعزز عضوية مصر في "بريكس"، الاستفادة من خبرات دول المجموعة فى تطوير وزيادة معدلات التصنيع، وزيادة حجم الإنتاج، والمساهمة فى تحقيق حلم 100 مليار دولار صادرات سنويًا من خلال خلق سوق مشتركة لترويج السلع والمنتجات المصرية. ومن المتوقع تنمية تجارة مصر الخارجية مع دول المجموعة، حيث تستورد مصر من دول التحالف الحبوب واللحوم والسيارات والأجهزة الإلكترونية وقطع الغيار، وتصدر مصر جلودا وأثاثًا وخضراوات وفاكهة وقطن خام وكيماويات وأسمدة نيتروجينية، والأخيرة من الأمور المهمة لدول "بريكس" خاصة البرازيل التي تمثل الأسمدة نصف وارداتها من مصر، أما الهند فاستوردت من مصر عام 2021 بنحو 312 مليون دولار أسمدة كيماوية ونشادر.

نقاط القوة:

فيما يتعلق بنقاط القوة التي تضفيها عضوية مصر في مجموعة "بريكس" فيما يتعلق بدورها على الساحتين الإقليمية والدولية، يمكن تحديدها فيما يلي:

1- سوف تستفيد مصر بانضمامها للمجموعة بزيادة دورها على الساحة الدولية، وذلك نتيجة رغبة أعضاء المجموعة من القوى الخمس الناشئة في تعزيز مكانتها على مستوى العالم من خلال التعاون النشط فيما بينها، وذلك من خلال العمل على تحقيق العديد من الأهداف التي يأتي في مقدمتها، السعي إلى زيادة المشاركة والتعاون مع البلدان غير الأعضاء في مجموعة "بريكس". وتعزيز الأمن والسلام من أجل نمو اقتصادي واستقرار سياسي. كذلك الالتزام بإصلاح المؤسسات المالية الدولية، حتى يكون للاقتصادات الناشئة والنامية صوت أكبر من أجل تمثيل أفضل لها داخل المؤسسات المالية. والعمل مع المجتمع الدولي للحفاظ على استقرار النظم التجارية متعددة الأطراف وتحسين التجارة الدولية وبيئة الاستثمار. بالإضافة إلى السعي إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية المتعلقة بالتنمية المستدامة، وكذا الاتفاقات البيئية متعددة الأطراف.

وفي حالة نجاح مصر في الانضمام لهذه المجموعة، سوف يتزايد دورها على الساحة العالمية خاصة في القضايا والموضوعات المرتبطة بالأهداف سالفة الذكر، وذلك كنتيجة طبيعية لتمتعها بقوى إضافية داعمة لها تكتسبها الدولة المصرية عبر عضويتها في "بريكس". ومن الجدير بالذكر هنا أن بعض صناع القرار السياسي في أوروبا والولايات المتحدة يشعرون بالقلق من أن تصبح مجموعة "بريكس" بمثابة كيان اقتصادي للقوى الصاعدة التي تسعى للتأثير على النمو والتنمية في العالم.

ويرتبط بما سبق تعزيز دور مصر الإقليمي، حيث يري خبراء أن عضوية مصر في "بريكس" يخدمها على جميع المستويات وفي عدد من الملفات والقضايا مثل ملف المياه وأزمة سد النهضة فغالبية أعضاء المجموعة خاصة "الصين وروسيا وجنوب أفريقيا" لهم تأثير على صناعة القرار في إثيوبيا، ويملكون من وسائل الضغط ما قد يجبر أديس بابا، على موقف أكثر مرونة في التفاوض مصر والسودان لإنهاء هذه الأزمة.

في النهاية، يتبين بوضوح أن هناك العديد من المكاسب الاقتصادية التي تنتظر مصر حال انضمامها لمجموعة "بريكس"، ويرتبط بذلك أيضا تعزيز مكانة مصر على الساحتين الإقليمية والدولية، وأنه تتوفر في الوقت الراهن العديد من العوامل المساعدة على تحقيق الهدف المصري بالانضمام لهذه المجموعة الواعدة اقتصاديًا وسياسيًا.