في عُمق التحولات الاجتماعية والاقتصادية، يبرز الحريديم في إسرائيل كمجتمع يخوض تغييرات كبيرة، وهم جماعة من اليهود المتدينين الأصوليين الذين يطبقون طقوس دينية ويعيشون حياتهم اليومية وفق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية، ويحاولون تطبيق التوراة في دولة الاحتلال الإسرائيلي.
في تقرير حديث صادر عن المعهد الحريدي للشؤون العامة في دولة الاحتلال يكشف عن حقائق مذهلة بشأن معدلات الخصوبة، وأنماط الهجرة، ومستويات التوظيف في هذا المجتمع، ليعكس التحديات والفرص التي تواجه الحريديم، خصوصًا في ظل سياسات التجنيد العسكري والتحولات الديموغرافية.
تحولات متسارعة
بحسب التقرير، بلغ عدد سكان الحريديم في إسرائيل نحو 1.26 مليون نسمة بحلول أواخر عام 2024، ما يشكل نحو 12.5% من إجمالي السكان، ورغم انخفاض معدل الخصوبة بين النساء الحريديات إلى أدنى مستوى له منذ 43 عامًا، حيث بلغ 6.1 طفل لكل امرأة، تشير التوقعات إلى أن الحريديم قد يشكلون ما بين 20% و22% من السكان بحلول عام 2065 نتيجة النمو السكاني المستمر.
كما سجّل التقرير حركة هجرة داخلية ملحوظة في المجتمع الحريدي، وخلال العقد الأخير، غادر نحو 75 ألف شخص من القدس و42 ألفًا من بني براك، في المقابل، استوعبت مدن مثل بيت شيمش نحو 40 ألفًا من الحريديم الجدد، وعلى الرغم من هذه التحركات، تبقى القدس وبني براك أبرز معاقل هذا المجتمع الأصولي المتشدد.
التوظيف وسياسات التجنيد
شهدت معدلات التوظيف بين الرجال الحريديم ارتفاعًا تدريجيًا خلال العقد الماضي، حيث صعدت من 48% في عام 2014 إلى 54% في عام 2024. لكن هذا التقدم تعرّض لنكسة طفيفة بانخفاض المعدل من 55% في عام 2023 إلى 54% في عام 2024.
أرجع التقرير هذا التراجع إلى التأثيرات الاقتصادية الناتجة عن الحرب والوضع الأمني، إضافة إلى سياسات التجنيد العسكري الانتقائية التي تستهدف الرجال الحريديم العاملين أو الملتحقين بالتعليم العالي.
ووفقًا لـ"إيتان ريجيف"، نائب رئيس الأبحاث في المعهد الحريدي للشؤون العامة، فإن هذه السياسات تدفع بعض الشباب الحريديم إلى البقاء في المدارس الدينية أو العمل غير المسجل خوفًا من التجنيد.
مدارس جديدة تواجه التحدي
وسلّط التقرير الضوء على زيادة الإقبال على المدارس الحريدية الممولة من دولة الاحتلال، التي تجمع بين التعليم الديني والدراسات الأساسية. ورغم معارضة الحاخامات البارزين لهذه المدارس، ارتفعت أعداد الطلاب الذكور فيها من 1200 في عام 2014 إلى 11,900 في عام 2024، ما يمثل 8% من إجمالي الطلاب الذكور الحريديم، كما زاد عدد الطالبات في هذه المدارس من 1170 إلى 6600، ما يمثل 4% من إجمالي الطالبات.
ويعكس تقرير المعهد الحريدي واقعًا معقدًا لمجتمع الحريديم، حيث تتشابك التحولات الاقتصادية والاجتماعية مع تحديات سياسات التجنيد والضغوط الديموغرافية. مع استمرار هذه التغيرات، يبقى السؤال المطروح: كيف يمكن لهذا المجتمع أن يتوازن بين الحفاظ على هويته والتكيف مع متطلبات العصر؟