الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

12 حادثا في مترو الأنفاق خلال عام.. هل فقدت نيويورك سيطرتها على الجريمة؟

  • مشاركة :
post-title
مترو أنفاق نيويورك

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في الساعة السابعة والنصف من صباح أول أمس الأحد، اقترب رجل من امرأة نائمة في قطار كوني آيلاند في مدينة نيويورك الأمريكية وأشعل النار فيها، ثم جلس يشاهدها بهدوء وهي تحترق حتى الموت، في جريمة وصفتها مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية بأن "الأمر أشبه بإحدى فظائع جرائم الماضي في نيويورك".

المشهد المرعب لا يزال متجددًا في عقول الأمريكيين، إذ تعكس الجريمة إضافة إلى سلسلة من جرائم بشعة أخرى حالة التدهور الأمني في المدينة، وتمثّل نقطة فارقة في تاريخ نيويورك التي كانت فيما مضى مثالًا للأمان والنظام في المدن الكبرى، لذا أفردت مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية تقريرًا لها بعنوان "مدينة نيويورك فقدت السيطرة على الجريمة".

القبض على المتهم

وألقت شرطة مدينة نيويورك القبض على "سيباستيان زابيتا"، 33 عامًا، من جواتيمالا، الذي تم ترحيله من قبل ولم يكن لديه إذن بالوجود في الولايات المتحدة، بتهمة القتل والحرق العمد في وفاة امرأة أضرم فيها النيران داخل قطار أنفاق في ساعة مبكرة من صباح الأحد الماضي.

وقالت الشرطة إن مقطع فيديو التقطته كاميرات المراقبة أظهر رجلًا يقترب بهدوء من المرأة، التي لم يتم التعرف على هويتها بعد، على متن قطار متوقف في محطة كوني آيلاند-ستيلويل أفينيو في بروكلين ثم أشعل فيها النار.

وقالت مفوضة شرطة مدينة نيويورك جيسيكا تيش إن ملابسها "غطتها بالكامل في غضون ثوان"، ووصفت القضية بأنها "واحدة من أبشع الجرائم التي يمكن أن يرتكبها شخص ضد إنسان آخر".

تصاعد الجريمة في مترو الأنفاق

شهدت نيويورك في عام 2024 تصاعدًا مقلقًا في الجرائم داخل مترو الأنفاق، حيث بلغ عدد جرائم القتل في شبكات النقل العام 11 جريمة في مترو أنفاق نيويورك في عام 2024، وهو أعلى معدل يتم تسجيله منذ عقود.

ووفقًا للتقارير الصادرة عن شرطة نيويورك، فإن الجرائم العنيفة مثل الاعتداءات، إضافة إلى حوادث أخرى مثل السرقات، قد شهدت أيضًا ارتفاعًا لافتًا خلال الفترة الأخيرة، وحسب "ذا أتلانتيك" فإن هذه الأرقام تجعل الكثير من سكان المدينة يشعرون بالقلق المستمر أثناء تنقلاتهم اليومية، مع تساؤلات حول سلامتهم الشخصية واحتمالات تعرضهم للأذى.

زيادة الجرائم في الأحياء

المخاوف الأمنية لا تقتصر على مترو الأنفاق فقط. فحسب بيانات شرطة نيويورك، بلغ عدد الاعتداءات في المدينة أعلى مستوى له منذ عام 2006، حيث شهدت المدينة زيادة كبيرة في عدد الجرائم بمختلف أنواعها. من بينها سرقات السيارات وسرقات المتاجر، وهي ظواهر أصبحت مألوفة في شوارع نيويورك.

كما شهدت بعض الأحياء تصاعدًا مقلقًا في الانفلات الأمني، مثل ظاهرة الدعارة في شارع روزفلت في كوينز، ما يعكس هشاشة الوضع الأمني بشكل عام.

الإخفاقات في نظام العدالة الجنائية

يعود جزء من أسباب هذه الموجة من الجرائم إلى إخفاقات منهجية في نظام العدالة الجنائية في المدينة، وعلى الرغم من الجهود الإصلاحية التي تبنتها ولاية نيويورك بين عامي 2018 و2022، إلا أن بعض هذه التغييرات ساهمت في ظهور ثغرات في النظام.

من أبرز هذه الإصلاحات تعديل قانون الكفالة، الذي قلّل من استخدام الاحتجاز قبل المحاكمة. ورغم أن هذه الإصلاحات كانت تهدف إلى تحقيق العدالة، فإنها أدت إلى تفشي ظاهرة الجرائم المتكررة، خصوصًا من قِبل المجرمين الذين يتم إطلاق سراحهم بشكل متكرر.

تراجع عدد ضباط الشرطة

يعد نقص أعداد ضباط الشرطة أحد العوامل الرئيسة التي تساهم في تفشي الجريمة. فوفقًا للإحصاءات، انخفض عدد ضباط شرطة نيويورك من 36 ألفًا في عام 2020 إلى نحو 33 ألفًا في الوقت الحالي.

وهذه النقص في الأعداد أثّر بشكل مباشر على فعالية التدخلات الأمنية، خاصة في المناطق التي تشهد مستويات مرتفعة من الجريمة، مثل مترو الأنفاق. وهذا النقص في الأفراد، إلى جانب ضعف الإشراف على الأنشطة اليومية في بعض المناطق، قد فاقم من أزمة الجريمة في المدينة.

تحديات القيادة والإصلاحات الإدارية

تواجه مدينة نيويورك أيضًا تحديات كبيرة على مستوى القيادة السياسية والإدارية. منذ تولي إيريك آدامز منصب رئيس البلدية، الذي كان يعد في البداية مرشحًا للعدالة الصارمة ضد الجريمة، تعرضت إدارته لسلسلة من الفضائح التي طالت مختلف جوانب العمل الحكومي، بما في ذلك ملف السلامة العامة.

على سبيل المثال، استقال نائبه لشؤون السلامة العامة وسط تحقيق فيدرالي، كما أجبرت شرطة نيويورك أخيرًا على استقالة أعلى ضابط في رتبتها على خلفية مزاعم بسوء سلوك جنسي. هذه الأزمات الإدارية تعكس تراجعًا في قدرة المدينة على معالجة القضايا الأمنية بشكل فعّال.

الحاجة إلى إصلاحات شاملة

إن مواجهة تصاعد الجريمة في نيويورك يتطلب استعادة السيطرة على النظام الأمني في المدينة، ويبدأ ذلك بتوظيف المزيد من رجال الشرطة وتوسيع نطاق دورهم في الشوارع والأحياء المختلفة.

كما يجب إعادة تقييم الإصلاحات القانونية، خاصة تلك المتعلقة بالكفالة، لتأخذ في الحسبان المخاطر التي يشكّلها المجرمون المتكررين، إضافة إلى ذلك، يتعين على المدينة معالجة التحديات الإدارية عن طريق اختيار قيادة جديدة قادرة على التعامل مع هذه القضايا بفعالية دون التأثر بالفضائح والفساد.

إن سكان نيويورك، الذين عاشوا لفترات طويلة في بيئة آمنة ومنظمة، لا ينبغي لهم أن يعودوا إلى حقبة الماضي المظلمة التي كانت تشهد فيها المدينة عنفًا مفرطًا وتدهورًا حضريًا. قد تكون نيويورك اليوم في مفترق طرق، والوقت قد حان لتحقيق إصلاحات حقيقية لضمان استعادة الأمن والنظام في شوارعها محطات قطاراتها النفقية. فقط من خلال قيادة قوية وإصلاحات مدروسة يمكن للمدينة أن تتجاوز هذه الأزمة وتعود لتكون نموذجًا للأمان والازدهار.