شهد الكونجرس الأمريكي موجة تمرد غير معهودة ضد الرئيس المنتخب دونالد ترامب، حيث صوّت 38 نائبًا جمهوريًا ضد مشروع قانون حيوي لتمويل الحكومة الفيدرالية، متجاهلين تحذيرات ترامب الصريحة وتهديداته بالانتقام السياسي، ما يمثل تصدعات عميقة داخل الحزب الجمهوري، بحسب صحيفة "بوليتيكو".
معركة المبادئ والولاء
في تحدٍ لسلطة الرئيس المنتخب وتأثيره داخل الحزب، برز تيار قوي من النواب الجمهوريين الذين قرروا تغليب قناعاتهم المبدئية حول الإصلاح المالي على ولائهم السياسي.
وتصدر المشهد النائب تشيب روي من ولاية تكساس، الذي أصبح هدفًا مباشرًا لانتقادات ترامب على منصته "تروث سوشيال".
وفي تصريحات لصحيفة "بوليتيكو"، عبر "روي" عن استعداده لتحمل تبعات موقفه قائلًا: "أنا مستعد لتحمل النيران، أتفهم رغبة الرئيس في تجنب أزمة سقف الدين، وأدعمه في ذلك، لكنني لا أؤيد القيام بذلك لمجرد القيام به، دون إصلاحات هيكلية في الإنفاق".
وكشفت مصادر مطلعة لـ"بوليتيكو" أن روي وترامب تحدثا هاتفيًا قبل الهجوم الذي شنه الأخير، ما يشير إلى فشل المحاولات الأخيرة للتوفيق بين الموقفين.
تجمع "فريدوم كوكس"
امتد نطاق المعارضة ليشمل مجموعة متنوعة من النواب الجمهوريين، من بينهم شخصيات أقل شهرة مثل آرون بين من فلوريدا وراس فولشر من آيداهو وويسلي هانت من تكساس.
وأوضحت "بوليتيكو" أن معظم هؤلاء النواب ينتمون إلى تجمع "فريدوم كوكس" المحافظ أو مقربون منه، ويمثلون دوائر انتخابية جمهورية تقليدية.
وفي تحليل آخر للموقف، يرى النائب توماس ماسي من كنتاكي أن تهديدات ترامب بدعم منافسين في الانتخابات التمهيدية قد تؤثر على نتائج السباقات الانتخابية بنحو 20 نقطة، لكن النواب الذين يتمتعون بدعم شعبي قوي في دوائرهم يمكنهم تجاوز هذا التحدي.
وأضاف ماسي، الذي نجا سابقًا من محاولات ترامب لإقصائه، أن تجربته الشخصية تؤكد إمكانية الصمود في وجه الضغوط السياسية.
تداعيات سياسية
يأتي هذا الانقسام في لحظة فارقة من تاريخ الحزب الجمهوري، إذ يكشف عن تحول جوهري في ديناميكيات القوة داخله. فرغم نجاح ترامب سابقًا في إقصاء معظم النواب العشرة الذين صوتوا لعزله، يبدو أن المشهد الحالي مختلف، فقد شكل العدد الكبير من المعارضين هذه المرة كتلة حرجة قد تمنحهم حصانة جماعية في مواجهة الضغوط السياسية.
ويرى محللون أن هذا التمرد يمثل تحديًا غير مسبوق لسلطة ترامب داخل الحزب، خاصة أن مشروع القانون، الذي تضمن تعليقًا لمدة عامين لسقف الدين القومي إضافة إلى تمويل مؤقت للحكومة، فشل في الحصول على أغلبية الثلثين المطلوبة للتمرير.
مستقبل غامض
تطرح هذه التطورات تساؤلات عميقة حول مستقبل الحزب الجمهوري وقدرته على إدارة الانقسامات الداخلية، فرغم فوز ترامب في انتخابات نوفمبر، يبدو أن سلطته داخل الحزب تواجه تحديات متزايدة من قبل تيار متنامٍ من النواب المحافظين الذين يضعون إصلاح السياسة المالية في مقدمة أولوياتهم.
ويرى مراقبون أن هذا الانقسام قد يؤثر بشكل كبير على قدرة الحزب على تنفيذ أجندته التشريعية في المستقبل، خاصة في القضايا المتعلقة بالميزانية والإنفاق الحكومي.
وتُشير تقديرات "بوليتيكو" إلى أن هذه المواجهة قد تكون بداية لسلسلة من التحديات الداخلية التي ستواجه قيادة ترامب للحزب في المرحلة المقبلة؛ مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات داخل الحزب وتغيير موازين القوى التقليدية.