يغلف توتر غير مسبوق عملية الانتقال الرئاسي في الولايات المتحدة، إذ كشفت صحيفة بوليتيكو الأمريكية عن مخاوف متزايدة بين صفوف المسؤولين الفيدراليين من استخدام الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب دونالد ترامب خوادم وبريد إلكتروني خاص، في وقت تتصاعد فيه التهديدات السيبرانية.
ويواجه المسؤولون الفيدراليون في واشنطن معضلة حقيقية في التعامل مع فريق ترامب الانتقالي، إذ يرفض استخدام الأجهزة والبريد الإلكتروني الحكومي والدعم الأمني السيبراني المقدم من الحكومة الفيدرالية.
وفي تطور لافت، قالت مصادر فيدرالية رفيعة المستوى لـ"بوليتيكو" إن العديد من الوكالات الحكومية تدرس بجدية فرض اجتماعات مباشرة وجهًا لوجه مع فريق ترامب لتبادل الوثائق والمعلومات الحساسة، بدلًا من إرسالها إلكترونيًا عبر القنوات غير الحكومية.
وتزداد هذه المخاوف حدة في ظل الكشف عن محاولات اختراق إلكترونية حديثة استهدفت ترامب ونائبه جي دي فانس وكبار المسؤولين في فريقهما.
ويرى خبراء الأمن السيبراني أن هذه المحاولات تمثل جزءًا من حملة استخباراتية واسعة النطاق تقودها دول مثل الصين وإيران للحصول على معلومات حول توجهات الإدارة الأمريكية القادمة وسياساتها المحتملة.
مفارقة لافتة
في مفارقة تاريخية لافتة، يشرف الرئيس المنتخب، الذي شنَّ هجومًا عنيفًا على منافسته السابقة هيلاري كلينتون بسبب استخدامها خادم بريد إلكتروني خاص، على عملية انتقالية تعتمد بالكامل على البنية التحتية الخاصة.
وأوضحت بوليتيكو أن فريقه يستخدم نطاقات بريد إلكتروني خاصة مثل transition47.com و trumpvancetransition.com و djtfp24.com، متجنبًا تمامًا استخدام النطاقات الحكومية التقليدية التي تنتهي بـ gov.
وكشفت مصادر مطلعة للصحيفة أن هذا القرار جاء نتيجة رفض فريق ترامب للتمويل الفيدرالي وما يصاحبه من متطلبات الشفافية والأخلاقيات.
ويستخدم الفريق حاليًا أجهزة كمبيوتر محمولة وهواتف خاصة، متجاهلًا المخاوف الأمنية التي عبر عنها خبراء الأمن السيبراني ومسؤولو الحكومة.
تعطل انتقال السلطة
بحسب الصحيفة، أشارت التقارير الواردة من داخل أروقة الحكومة الفيدرالية إلى أن الوضع الحالي يؤثر بشكل كبير على سرعة وكفاءة عملية نقل السلطة.
وأكد موظف رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية، تحدث لـ"بوليتيكو" شريطة عدم الكشف عن هُويته، أن المخاوف من تسريب المعلومات الحساسة دفعت العديد من المسؤولين إلى رفض إرسال أي وثائق حساسة إلى خوادم خاصة، خاصة تلك المتعلقة بالأمن القومي أو المعلومات الشخصية الحساسة.
وفي هذا السياق، حذر مايكل دانيال، منسق البيت الأبيض السابق للأمن السيبراني والرئيس الحالي لمنظمة تحالف التهديدات السيبرانية غير الربحية، من أن الفرق الانتقالية تمثل هدفًا رئيسيًا لعمليات جمع المعلومات الاستخباراتية الأجنبية.
وأشار إلى أن العديد من الدول تسعى بنشاط للحصول على معلومات حول خطط السياسة للإدارة القادمة، محذرًا من أن رفض الدعم الحكومي الانتقالي يزيد من مخاطر القرصنة حتى بعد تولي الإدارة الجديدة مهامها.
درس هيلاري
واسترجع المراقبون والخبراء دروسًا تاريخية مؤلمة من أزمات سابقة نتجت عن تحديات في نقل المعلومات بين الإدارات المتعاقبة، إذ أشار البروفيسور هيث براون، من كلية جون جاي بجامعة مدينة نيويورك والمؤلف المختص في دراسة الفترات الانتقالية للرئاسة الأمريكية، إلى أن التكنولوجيا الحديثة زادت من تعقيد وخطورة هذه التحديات.
وتكتسب هذه المخاوف أهمية خاصة في ضوء فضيحة البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري كلينتون عام 2016، إذ كشف تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي عن استخدامها خادمًا خاصًا في منزلها لإرسال واستقبال رسائل رسمية أثناء توليها منصب وزيرة الخارجية.
وأدى تسرب هذه المراسلات إلى أزمة سياسية حادة وتداعيات أمنية خطيرة، بعدما تبين احتواء بعض الرسائل على معلومات سرية، ما أثار مخاوف جدية حول إمكانية وصول جهات معادية إلى معلومات حساسة تتعلق بالأمن القومي الأمريكي.
وشكَّلت هذه الحادثة نقطة تحول في النقاش حول أهمية استخدام القنوات الرسمية المؤمنة في التواصل الحكومي.
إجراءات مضادة
وفي محاولة للتخفيف من حدة المخاوف، أكد براين هيوز، المتحدث باسم الفريق الانتقالي لترامب، أن جميع الأعمال الانتقالية تتم عبر خادم بريد إلكتروني يخضع لإدارة الفريق الانتقالي.
وأشار إلى وجود خطط لضمان توصيل المعلومات بشكل آمن، لكنه رفض الكشف عن تفاصيل هذه الخطط الأمنية.
من جهته، أصدر البيت الأبيض توجيهات للوكالات الفيدرالية بضرورة توخي الحذر الشديد في تعاملاتها مع الفريق الانتقالي، مع منحها صلاحية تقديم الإحاطات شخصيًا وإنشاء غرف قراءة خاصة في مقرات الوكالات.
كما يمكن للوكالات أن تطلب من مسؤولي الفريق الانتقالي التصديق على أن تقنياتهم الخاصة تتوافق مع معايير الأمن الحكومية.