في تحول لافت للمشهد السياسي الأمريكي، يعيد الحزب الديمقراطي رسم خريطة تعامله مع دونالد ترامب بعد فوزه في انتخابات نوفمبر 2024، متخليًا عن نهج المقاومة الشاملة الذي اتبعه خلال ولايته الأولى، في هذا الصدد كشفت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية عن تغيير في استراتيجية الديمقراطيين، الذين يبدو أنهم أدركوا أن سياسة الرفض المطلق لم تعد تجدي نفعًا مع رئيس لم يعد مجهولًا للأمريكيين.
نهاية عصر المقاومة الشاملة
ولم تعد واشنطن تشهد ذلك الغليان السياسي الذي ميز بداية الولاية الأولى لترامب في 2017، حين خرج مئات الآلاف في مسيرات احتجاجية ضخمة، أبرزها "مسيرة النساء" التي عبّرت عن رفض سياسات ترامب المثيرة للجدل، إذ تنقل صحيفة "ذا هيل" عن ماكس بيرنز، المحلل السياسي الديمقراطي البارز، تشخيصًا دقيقًا للمشهد، قائلًا: "الحقيقة الواضحة هي أن استراتيجية أن نكون حزبًا مُعاديًا لترامب لم تنجح تمامًا كما لم تنجح عندما أصبحنا حزبًا معاديًا لبوش في السابق".
وأضاف "بيرنز" أن هذا التحول كشف عن أزمة أعمق في الحزب، إذ "أصبحنا غير واضحين بشأن رسالتنا الديمقراطية الإيجابية".
البحث عن نموذج سياسي جديد
أوضحت الصحيفة الأمريكية أن الحزب الديمقراطي يشهد حالة غير مسبوقة من المراجعة الذاتية، تتجاوز مجرد التعامل مع ترامب إلى إعادة تعريف هوية الحزب وأولوياته.
وتكشف رنا إبتينج، المديرة التنفيذية لمنظمة "موف أون" السياسية، تابعة للحزب الديمقراطي، عن هذا التحول قائلة: "من الواضح أن مواجهة ترامب وحركة ماجا ستبدو مختلفة هذه المرة عن 2017 لأن الظروف مختلفة"، مؤكدة أن الطاقة التنظيمية موجودة، لكن المفتاح يكمن في كيفية توظيفها استراتيجيًا.
وبدأ هذا التحول يظهر جليًا في مواقف بعض النواب التقدميين، مثل رو خانا، الذي أعلن استعداده للتعاون مع الجمهوريين في قضايا محددة، خاصة ما يتعلق بميزانية الدفاع، ما يعكس فهمًا جديدًا للسياسة يتجاوز الانقسامات التقليدية بين اليمين واليسار.
تحديات داخلية وخارجية
يواجه الديمقراطيون معضلة حقيقية تتمثل في كيفية استعادة قواعدهم التقليدية التي انجرفت نحو ترامب، وتشير "ذا هيل" إلى تراجع تأثير الحزب بين العمال والناخبين من الأصول اللاتينية والشباب.
ويفسر بيرنز هذا التراجع قائلًا: "الناخبون غاضبون ويريدون الشعبوية، وسيقبلون بنسخة سيئة منها على ألا يحصلوا على شيء على الإطلاق، وهكذا يتمكن ترامب من بيع شعبويته الزائفة دون منافسة حقيقية".
مستقبل اللجنة الوطنية الديمقراطية
في خضم هذه التحولات، يتجه الحزب نحو معركة داخلية حاسمة تتمثل في اختيار رئيس جديد للجنة الوطنية الديمقراطية، وفي هذا الصدد كشف الصحيفة عن مذكرة أعدتها منظمة "ثورتنا"، المنبثقة عن حملة بيرني ساندرز، وقعها مئات النشطاء والمانحين، تطالب بإصلاحات جذرية تشمل حظر "الأموال المظلمة" في الانتخابات التمهيدية، وزيادة الاستثمار في فروع الحزب بالولايات، والالتزام ببرنامج تقدمي يعتمد على التبرعات الصغيرة.
وتختتم المذكرة بدعوة صريحة "للعودة إلى جذور الحزب كممثل للطبقة العاملة ورفض النفوذ المؤسسي والفساد الذي أدى إلى خسارة الناخبين والانتخابات أمام ترامب مرتين".
انقسام في المواقف القيادية
على الرغم من هذا التحول العام، لا تزال بعض القيادات الديمقراطية البارزة محتفظة بموقفها المعارض بشدة لترامب.
وتبرز عضو مجلس الشيوخ إليزابيث وارن، كأحد أبرز الأصوات المعارضة، خاصة فيما يتعلق باختيارات ترامب المحتملة للمناصب الوزارية، إذ انتقدت بشدة احتمال تعيين روبرت كينيدي جونيور وزيرًا للصحة والخدمات الإنسانية، مُحذرة من تداعيات توجهاته المشككة في اللقاحات.
وبينما يستعد الديمقراطيون لمرحلة جديدة في السياسة الأمريكية، يبدو أن الدرس الأهم الذي تعلموه من هزيمتهم الأخيرة هو أن مجرد معارضة ترامب لم تعد كافية لاستقطاب الناخبين.