الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

صراع الإرادات والمفاوضات.. كواليس تعيين فرانسوا بايرو رئيسا لوزراء فرنسا

  • مشاركة :
post-title
إيمانويل ماكرون ورئيس وزرائه فرانسوا بايرو

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

كشفت صحيفة "إكسبريس" الفرنسية عن كواليس مثيرة سبقت تعيين فرانسوا بايرو رئيسًا للوزراء في فرنسا، في قرار يعكس تحولًا جذريًا في المشهد السياسي الفرنسي وفي العلاقة بين قصر الإليزيه وقصر ماتينيون. إذ شهدت الساعات الأخيرة قبل الإعلان الرسمي صراعًا حادًا بين الرئيس إيمانويل ماكرون، والسياسي المخضرم فرانسوا بايرو، في معركة سياسية كشفت عمق التباينات في رؤية إدارة السلطة التنفيذية في فرنسا.

صراع النفوذ والصلاحيات


بداية القصة كانت قبل أيام من التعيين الرسمي، إذ كان ماكرون يجري مشاورات مكثفة مع مختلف القوى السياسية، من الاشتراكيين إلى الجمهوريين والخضر والشيوعيين.
وخلال هذه الفترة، تدخل أحد المقربين من ماكرون في نهاية الأسبوع الأول من ديسمبر، محذرًا إياه من الانغماس في "مستنقع الأحزاب"، مؤكدًا أن الجمهورية الخامسة تأسست ضد هذا النمط من السياسة، إلا أن ماكرون رد بحدة قائلًا: "أنت لا تفهم شيئًا! الفرنسيون ينتظرون مني إيجاد الحل."، وفقًا لصحيفة "إكسبريس".
وكشفت الصحيفة أن ماكرون كان يفاضل بين خيارين متناقضين تمامًا، هما فرانسوا بايرو، السياسي العتيد صاحب الأربعين عامًا من الخبرة السياسية والثلاث محاولات رئاسية، وسيباستيان ليكورنو، وزير الدفاع الشاب الذي يكاد يكون مجهولًا لتركيزه الشديد على مهامه.

مفاوضات سرية


وذكرت "إكسبريس" تفاصيل مثيرة حول المفاوضات السرية التي أجراها بايرو مع مختلف الأطراف السياسية، إذ بعد اجتماع الأحزاب في قصر الإليزيه، أجرى محادثات سرية مع الاشتراكيين أسفرت عن نتائج إيجابية.
وفي خطوة جريئة أثارت جدلًا واسعًا، كشفت الصحيفة أن بايرو اتصل بمارين لوبان، زعيمة اليمين المُتطرف، عارضًا عليها صفقة تتضمن تطبيق التمثيل النسبي السريع في الانتخابات مقابل عدم حجب الثقة عن حكومته، في حين أن هذه الخطوة تعد تجاوزًا لصلاحيات أليكسي كوهلر، الأمين العام للإليزيه، وحتى ماكرون نفسه.

المواجهة الحاسمة


بدأت الأحداث تتصاعد في الليلة السابقة للتعيين، عندما تلقى أحد المقربين من بايرو اتصالًا غير معتاد من أليكسي كوهلر، الأمين العام للإليزيه.
في ذلك الاتصال، كشف كوهلر عن توجه مقلق قائلًا: "الرئيس يفكر في تعيين منسّق لقيادة الحكومة مع وزراء أقوياء، شخص لا يثير استياء أحد." هذه الإشارة إلى "منسّق" كانت بمثابة جرس إنذار لبايرو، إذ تتعارض تمامًا مع رؤيته لمنصب رئيس الوزراء.
إلا أن بايرو أمضى ليلته يفكر في رده المحتمل، فهو، الذي انتقد على مدى سنوات اختيار ماكرون لرؤساء وزراء ضعفاء، لم يكن مستعدًا لأن يكون مجرد "دمية" في يد الرئيس أو شخصية هامشية تدير الحكومة شكليًا.
وصلت الأحداث إلى ذروتها صباح يوم التعيين، إذ أبرزت "إكسبريس" تفاصيل اللقاء الحاسم بين ماكرون وبايرو. في الساعة 8:30 صباحًا، دخل بايرو إلى مكتب ماكرون ليسمع منه مباشرة نيته تعيين سيباستيان ليكورنو رئيسًا للوزراء، وفي تلك اللحظة الحاسمة، وبكلمات اختارها بعناية، رد بايرو بحزم غير معهود: "جئت معك لتحقيق أشياء عظيمة معًا، وليس أشياء صغيرة. إذا كنت ترغب في القيام بأشياء صغيرة، فسأغادر."
هذا الموقف الحازم أجبر ماكرون على إعادة النظر في قراره.
وبعد خمسة عشر دقيقة فقط، عاد ليتصل ببايرو، متراجعًا عن قراره السابق. وفي الساعة 12:43، صدر البيان الرسمي من قصر الإليزيه معلنًا تعيين فرانسوا بايرو رئيسًا للوزراء.

التحديات المستقبلية


يواجه بايرو، وفقًا للصحيفة، تحديات جمة في منصبه الجديد، فهو يرفض أن يكون مجرد "منسق" للحكومة كما كان يريد ماكرون، بل يصر على دور فاعل وقوي، وتبرز قضية اختيار وزير الدفاع كأول اختبار حقيقي، خاصة مع تحفظاته السابقة على ليكورنو في هذا المنصب.
كما يواجه بايرو تحديًا في الحفاظ على مصالح حزبه (الحركة الديمقراطية)، خاصة في وزارة الخارجية التي يشغلها حاليًا جان نويل بارو، أحد أعضاء الحزب.
ونجح بايرو في الحصول على موافقة ماكرون على الاحتفاظ بـ"بارو" في منصبه.
وتختتم "إكسبريس" بإشارة رمزية إلى تصريح بايرو في صباح تعيينه، حيث استشهد بمقولة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران بعد فوزه التاريخي في 10 مايو 1981: "أخيرًا تبدأ الصعوبات." وهي إشارة تعكس إدراكه لحجم التحديات التي تنتظره في منصبه الجديد، وتؤكد أن المعركة الحقيقية قد بدأت للتو.