في تطور سياسي بارز شهدته فرنسا تولى، فرانسوا بايرو، زعيم حزب الحركة الديمقراطية، مقاليد رئاسة الوزراء خلفًا لميشيل بارنييه، الذي لم تستمر ولايته سوى ثلاثة أشهر. يأتي هذا التعيين في وقت تواجه فيه فرنسا تحديات داخلية وخارجية مُعقدة، تتطلب خبرة سياسية استثنائية وقدرة على بناء التوافقات وسط انقسامات حادة في المشهد السياسي الفرنسي.
معركة تشكيل الحكومة
بحسب صحيفة "لو فيجارو" الفرنسية يُواجه "بايرو" تحديًا كبيرًا في تشكيل ما أسماه الرئيس ماكرون بـ"حكومة المصلحة العامة". وقد بدأ رئيس الوزراء الجديد مشاوراته السياسية فور توليه المنصب، مستندًا إلى رؤيته التي طرحها خلال الصيف الماضي لتشكيل "فريق إنقاذ وطني".
تتمحور رؤية بايرو حول استقطاب شخصيات سياسية من مختلف التيارات، باستثناء الأحزاب المتطرفة، مع التركيز على القدرة على التواصل مع النقابات العمالية. وفي محاولة لتوسيع قاعدة التحالف الحكومي، يسعى بايرو لاستمالة شخصيات يسارية بارزة، وعلى رأسها رئيس الوزراء الاشتراكي السابق برنار كازنوف.
وسبق لبايرو أن وجه الدعوة لكازنوف لحضور افتتاح الدورة البرلمانية لحزب الحركة الديمقراطية في سبتمبر الماضي، في خطوة عكست رغبته في بناء جسور التواصل مع اليسار المعتدل. غير أن هذه المساعي تواجه تحديات كبيرة، حيث أعلن الحزب الاشتراكي رفضه القاطع المشاركة في حكومة بايرو.
تجنب حجب الثقة
تكشف الصحيفة الفرنسية أن بايرو يتحرك على مسار دقيق للغاية؛ لضمان استقرار حكومته، حيث يعمل على إبرام اتفاق "عدم حجب الثقة" مع مختلف القوى السياسية.
ويتضمن هذا المسعى تقديم ضمانات مهمة، من بينها التعهد بعدم استخدام المادة 49.3 من الدستور، التي تتيح للحكومة تمرير القوانين دون تصويت برلماني. وكلف الرئيس ماكرون رئيس وزرائه الجديد بهذه المهمة الحساسة لضمان استمرارية العمل الحكومي حتى نهاية الولاية الرئاسية.
تزداد أهمية هذا المسعى في ظل وجود اقتراح بحجب الثقة قدمته حركة "فرنسا الأبية" اليسارية المتشددة لإسقاط حكومة بارنييه من قبله. ورغم أن فرص نجاح هذا الاقتراح تبدو محدودة في الوقت الراهن، نظرًا لرفض القوى اليسارية الأخرى الانضمام إليه، إلا أن تجربة بارنييه تظهر أن الأوضاع يُمكن أن تتغير بسرعة.
موازنة الضمان الاجتماعي
يُواجه بايرو تحديًا اقتصاديًا ضخمًا يتمثل في إعداد موازنة 2025، خاصة بعد فشل الحكومة السابقة في إقرار موازنة الضمان الاجتماعي. وتشير التقديرات إلى أن العجز المالي قد يتجاوز 6% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام، مما يضع ضغوطًا هائلة على الحكومة الجديدة.
ووفقًا لتصريحات وزير الموازنة المستقيل، لوران سان مارتان، فإن الحكومة الجديدة أمام خيارين: إما استئناف العمل على النصوص المالية التي كانت قيد المناقشة قبل سقوط الحكومة السابقة، أو إعادة صياغة الموازنة بالكامل.
يضيف التحدي الزمني ضغطًا إضافيًا على بايرو، خاصة مع تعليق المساعدات المخصصة للقطاعات المتعثرة، وعلى رأسها القطاع الزراعي.
جبهات متعددة تنتظر المعالجة
يواجه رئيس الوزراء الجديد ملفات شائكة تتطلب حلولًا عاجلة، أبرزها أزمة القطاع الزراعي، الذي يواجه تحديات متعددة. فإلى جانب تعليق المساعدات المالية، يخشى المزارعون من تداعيات اتفاقية التجارة الحرة المحتملة بين الاتحاد الأوروبي ودول الميركوسور.
ووصل الاحتجاج إلى حد قيام المزارعين بإغلاق مكاتب بعض النواب. كما يواجه بايرو تحديًا كبيرًا في ملف التقاعد، حيث تواصل القوى النقابية واليسارية مطالبتها بإلغاء إصلاح نظام التقاعد الذي رفع سن التقاعد تدريجيًا إلى 64 عامًا. يجد بايرو نفسه في موقف حرج، خاصة أنه كان قد انتقد هذا الإصلاح سابقًا ووصفه بأنه "قابل للتحسين".
علاقات سياسية متوازنة
تشير "لو فيجارو"إلى أن بايرو يتمتع بعلاقات متوازنة مع المعارضة، بما في ذلك مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني، التي وصفته بالشخصية "الذكية" و"السياسية"، رغم عدم تقديمها التزامات محددة بشأن موقفها من حكومته.
ويُعزى هذا التوازن في العلاقات إلى مواقف بايرو السابقة، بما فيها دعمه لترشيح لوبان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة باسم التعددية السياسية.
تختتم الصحيفة بالإشارة إلى أن نجاح بايرو في إدارة هذه التحديات المتشابكة سيعتمد بشكل كبير على قدرته في بناء توافقات سياسية واسعة، وإيجاد حلول مقبولة للقضايا المُلحة، خاصة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الدقيقة التي تمر بها فرنسا.