الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الأزمة السياسية الفرنسية.. تضارب الحلول المقترحة بين الواقعية والخيال

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تمر فرنسا بأزمة سياسية هي الأولى من نوعها منذ 60 عامًا، إذ سقطت حكومة ميشيل بارنييه، بتصويت تاريخي لحجب الثقة في البرلمان الفرنسي، مطلع ديسمبر الجاري، في حين أن هذا الحدث غير المسبوق فتح الباب أمام سيل من المقترحات والحلول المبتكرة، بعضها يبدو غير واقعي وبعضها الآخر يصطدم بعقبات دستورية وقانونية، في هذا الصدد سلطت صحيفة "إكسبريس" الفرنسية، الضوء على تفاصيل هذه الأزمة والحلول المقترحة لها.

أبعاد الأزمة الحالية وجذورها التاريخية

كشفت "إكسبريس" الفرنسية أن الأزمة الراهنة تختلف جوهريًا عن آخر أزمة سياسية مماثلة شهدتها فرنسا عام 1962 في عهد الرئيس شارل ديجول، ففي ذلك الوقت، عندما سقطت حكومة جورج بومبيدو، كان ميشيل بارنييه، في أول أيامه بالمدرسة الثانوية.

أما اليوم، وبعد أن أصبح بارنييه رئيسًا للوزراء وفي الـ74 من عمره، فتشهد فرنسا سقوطًا لحكومته في ظروف مختلفة تمامًا، وسقوط حكومة بومبيدو لم يكن مرتبطًا بنص ميزانية، وكان بإمكان الجنرال ديجول آنذاك حل الجمعية الوطنية والحصول على أغلبية جديدة.

أما اليوم، فيجد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه مُقيدًا بقيود دستورية تجبره على الانتظار حتى يوليو المقبل، لإجراء انتخابات تشريعية جديدة.

المقترحات غير التقليدية ومدى واقعيتها

في خضم هذه الأزمة، برزت العديد من المقترحات غير التقليدية لحلها، إذ نقلت "إكسبريس" عن النائب ستيفان فوجيتا، المنتمي للأغلبية الرئاسية السابقة، مقترحًا مثيرًا للجدل يدعو فيه جميع زملائه الـ576 في البرلمان إلى الاستقالة الجماعية. 

وتوضح الصحيفة أن هذا المقترح، الذي يمثل شكلًا من أشكال الحل الذاتي للبرلمان، يهدف إلى فرض انتخابات تشريعية جزئية في جميع الدوائر، إلا أن البروفيسور جيوم دراجو، أستاذ القانون العام في جامعة باريس الثانية، يؤكد أن هذا المقترح يواجه عقبات جوهرية.

فمن ناحية، يصعب تحقيق إجماع بين النواب في برلمان منقسم بشدة لم يستطع حتى الاتفاق على نص الميزانية، ومن ناحية أخرى، فإن الإجراءات القانونية للانتخابات التشريعية الجزئية تستغرق 3 أشهر، ما يعني تعطيل عمل البرلمان خلال هذه الفترة، وتأخير إقرار ميزانية 2025 حتى فصل الربيع.

الحلول السياسية والمساعي التوافقية

تشير الصحيفة الفرنسية إلى أن الحل الأكثر واقعية قد يكمن في المقاربة السياسية التوافقية، إذ نقلت "إكسبريس" عن بوريس فالو، رئيس الكتلة الاشتراكية، اقتراحه لـ"ميثاق عدم حجب الثقة" لفترة زمنية محددة، ويهدف هذا الميثاق إلى تجميد إمكانية إسقاط أي حكومة جديدة لفترة زمنية محددة، ما يتيح استقرارًا سياسيًا مؤقتًا يسمح بمعالجة القضايا الملحة، وعلى رأسها إقرار الميزانية، وفقًا للصحيفة.

وحظى هذا المقترح باهتمام كبير، إذ تم استقبال فالو في قصر الإليزيه مع أوليفييه فور، زعيم الحزب الاشتراكي، الذي أبدى انفتاحه على إبرام "عقد محدد المدة" مع المعسكر الرئاسي واليمين الجمهوري.

وفي تحليل قانوني للمبادرة، نقلت "لإكسبريس" عن دوني دو بيشيون، أستاذ القانون العام في جامعة باو، تأكيده أن هذه المقترحات، رغم افتقارها إلى الإطار القانوني الملزم، تمثل حلًا عمليًا واقعيًا للأزمة.

وأوضح دو بيشيون أن فعالية هذه المبادرة ستعتمد بشكل أساسي على عاملين، أولهم هو مدى قدرة الأطراف السياسية على بناء الثقة فيما بينها، والثاني هو التزامهم الأخلاقي تجاه ناخبيهم بتجنيب البلاد المزيد من الاضطرابات السياسية. 

وأشار إلى أن نجاح مثل هذه المبادرات التوافقية في الماضي كان دائمًا مرتبطًا بمدى التزام القوى السياسية بتعهداتها، حتى في غياب الإلزام القانوني.

مستقبل الأزمة والتحذيرات الدستورية

تختتم "إكسبريس" بتحليل عميق لمستقبل الأزمة والمخاطر المحتملة، إذ حذّر الخبراء الدستوريون من مغبة إجراء تعديلات دستورية متسرعة في خضم الأزمة.

ويؤكد دو بيشيون أن الجمهورية الخامسة أثبتت مرونتها في مواجهة أزمات تاريخية عديدة، من حرب الجزائر إلى احتجاجات مايو 1968، وثلاث فترات تعايش سياسي.

وتشير الصحيفة إلى أن المقترحات مثل تطبيق نموذج "حجب الثقة البناء" أو السماح بالحل المبكر للبرلمان تتطلب تعديلات دستورية يصعب تمريرها في ظل الانقسامات السياسية الحالية.