الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

المخرج الفلسطيني محمد المغني: القهر والعنف الصامت دفعاني لتقديم "برتقالة من يافا"

  • مشاركة :
post-title
لقطة من فيلم "برتقالة من يافا"

القاهرة الإخبارية - ولاء عبد الناصر

القواعد الإنسانية والسياسية يعرفها الجميع لكن الاحتلال لا يحترمها

تناولي للقضايا الفلسطينية يعني اهتمامي بالموضوعات الاجتماعية والحب والأمل

من واقع أحداث حقيقية استوحى المخرج الفلسطيني محمد المغني فيلمه القصير "برتقالة من يافا"، الذي دارت أحداثه حول الشاب الفلسطيني "محمد"، الذي يحمل إقامة في دولة بولندا، حيث يدرس هناك، لكنه يجد صعوبة في الوصول إلى يافا للقاء والدته التي تريد أن ترافقه لرؤية فتاة فلسطينية يرغب في الارتباط بها، في رحلة تجعله ينتقل من حاجز إلى آخر ليقضي يومًا كاملًا داخل تاكسي بانتظار مصيره، بعد اكتشاف جنود الاحتلال الاسرائيلي محاولته العبور من الحواجز.

يؤكد الفلسطيني محمد المغني خلال حواره لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن قصة الفيلم حدثت معه بالفعل، إذ يقول: "كم القهر والعنف الصامت الذي شعرت به جعلني أروي هذه القصة، وعند كتابتي سيناريو الفيلم، في البداية قمت باختيار اسم آخر للشخصية الرئيسية -التي هي شخصيتي- لكنني لم أشعر بإفراغ ما في ذاتي حتى غيّرت اسم الشخصية الرئيسية إلى محمد".

يضيف:"لم يكن الأمر سهلًا في البداية، هذه المرة الأولى التي أكتب فيها قصة حدثت معي بالفعل، فبدأت بكتابة فكرة الفيلم على ورقتين، عندما أرسلتها إلى الأصدقاء الذين عادة ما أُشاركهم ما أكتب، كان يثير فضولهم معرفة القصة كاملة بتفاصيلها، وعندما كنت أحدثهم وجهًا لوجه أرى تركيزهم التام لما أسرده لهم، ويحدقون بأعينهم وينتظرون معرفة المزيد، ما جعلني أتأكد من أن القصة يُمكنها أن تنجح سينمائيًا مع الشعور الذي كان يرادوني للتعبير عن القهر الذي كان بداخلي عندما حدثت هذه القصة".

المخرج الفلسطيني محمد المغني

يافا المحتلة 

يشير مخرج العمل إلى أن السبب وراء اختيار اسم "برتقالة من يافا"، يعود إلى بلدة يافا التي اشتهرت بزراعة البرتقال، إذ يقول: "مدينة يافا المحتلة كانت شهيرة بزراعة البرتقال، لكن الاحتلال الإسرائيلي قام بقطع الكثير من أشجار البرتقال، وفي فيلمي لا تقدر الشخصية الرئيسية على الوصول إلى يافا لكن يمكنه أكل برتقالة من يافا، وهي بمثابة رائحة المكان الذي يشتهي الذهاب إليه، كالفلسطيني اللاجئ الذي يطلب رملًا من القدس لأنه لا يقدر على الوصول إلى فلسطين، لكن يريد أن يشم رائحتها عن بُعد، كذلك في الفيلم، يأكل برتقالة من طعم يافا المحتلة".

وتابع قائلًا: "حضور الفنان كامل الباشا في الفيلم كان له وقع عميق وأهمية للفيلم، فقد كنت متأكدًا من البداية أنه الشخصية المناسبة لشخصية فاروق، فهو الممثل الوحيد الذي لم أقم بتجارب أداء له، كيف أجرؤ وأنا فنان شاب قد أنهى دراسته في الإخراج حديثًا في بولندا، لكنني كنت أعلم أنه سيتقن هذا الدور لأنني كنت قد رأيته في عدة أفلام من قبل، ومعجب جدًا بأدائه، ناهيك عن أنه من القدس ويتحدث باللهجة المقدسية التي هي كانت مطلوبة لهذه الشخصية، لكنني أعلم وإن لم يكن من القدس، فإنه سيتقن اللهجة، كإتقانه للهجتين المصرية واللبنانية سابقًا، فهو كان يعمل بجهد وبحب كبير، وقد أتقن الشخصية وأضاف الكثير لها أيضًا، وذلك ساعد الشخصيات الأخرى أيضًا في الفيلم، وقد عمل لساعات متأخرة مرهقة خلال التصوير والنتيجة ظهرت في الفيلم".

لقطة من فيلم "برتقالة من يافا"

رسائل عدة

يوضح مخرج "برتقالة من يافا"، أن العمل قدّم العديد من الرسائل، إذ يقول: "دروس الإنسانية والسياسية يعرفها الجميع ويمكن للأمم المتحدة تلخصيها بنقاط، لكن الاحتلال الإسرائيلي لا يحترم نقطة واحدة منهم، وما وددت طرحه هو التجربة المشاعرية التي يمر بها الفلسطينيون على اختلافات هوياتهم، ونظام الفصل العنصري الذي يتبعه الاحتلال وتأثيره على حياتنا اليومية كفلسطينيين بما فيها الحركة من منطقة (أ) إلى منطقة (ب)، التي لم أر بأي مكان بالعالم مثيل لها، فكمية الظلم والاضطهاد التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في كل مناحي الحياة قاسية ولا يمكن لنظام أن يفكر بها إلا أن تكون بلغت مراحل الشرور الحد الأقصى".

ويضيف: "عندما أتناول في أفلامي موضوع فلسطين فإنني أتناول الموضوعات الاجتماعية، والحب، والأمل، وكل مناحي الحياة الفلسطينية وإن كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي، لأنك إن سألت أي فلسطيني عما ينغّص حياته اليومية فهو الوضع السياسي المربوط بكل شيء، وذلك لأنك غير قادر على تخطيط أي مشروع، حفل، أو حتى وجبة غداء في ظل الوضع الحالي في غزة، أو حتى رحلة إلى شاطيء البحر دون أن تكون مدركًا ماذا سيحصل لك خلال هذه الخطة". 

وأكد أن الفنان يجب أن يملك رسالة ورسالتي الوحيدة التي قد اخترت من أجلها مجال عملي كمخرج سينمائي هي إنهاء الاحتلال، وسيظل هذا شغلي الشاغل إلى أن نعيش في دولة فلسطينية مستقلة.

وتابع: "السينما أداة قوية، ولغة تتحدث للعالم بأثره، تتحدث بالمشاعر، بالارتباط في الشخصيات، وإيجاد النقاط المشتركة بنقائصها وفضائلها، فهي تجعل المشاهد يعيش التجربة وكأنها جزء من واقعه، فهذا ما يميزها عن الأخبار اليومية التي قد يراها الناس، لأن السينما تبني جسرًا بينها وبين المُشاهد، وهذا ما نريده كفلسطينيين، أن نبني جسرًا للعالم ليعيش ولو لساعة واحدة ما يعيشه الفلسطينيون وما يمرون به يوميًا".

لقطة من فيلم "برتقالة من يافا"

صعوبات مضاعفة

وحول الصعوبات التي واجهته في أولى تجاربه السينمائية بعد انتهاء دراسته، يقول: "هذا العمل كان أول مشروع بالنسبة لي بعد تخرجي من معهد السينما في بولندا. كانت مرحلة كتابة السيناريو التي ركّزت عليها بشكل دقيق نقلة نوعية في مسار كتاباتي للأفلام، وما عزّز هذا الشعور هو حصولي على جائزة كليرمون-فيراند، وممتن جدًا لإعجاب الجمهور بالفيلم وإبدائه الكثير من الإعجاب ليس فقط في سيناريو الفيلم وإخراجه بل أيضًا بتمثيل الشخصيات الرئيسية، وهم القدير كامل الباشا من القدس، والشاب الموهوب سامر بشارات من مدينة الناصرة. وهذا الثناء أقدره كثيرًا حيث إنني أعلم أن لدينا مواهب كبيرة في فلسطين، كالفنان عامر أبو مطر أيضًا الذي قام ببناء الحاجز كاملًا في فترة وجيزة، وهو الحاجز المطابق لحاجز حزما الحقيقي، ما جعل الكثير من المشاهدين يظنوا أننا قمنا بتصوير الفيلم على الحاجز الحقيقي، مع العلم بأنه أمر مستحيل".

ويضيف: "في كل العالم يواجه صُناع الأفلام صعوبات كثيرة لكن التصوير في فلسطين ربما تُضاعف هذه الصعوبات، حيث لا يمكنك وضع جدول إنتاج وتصوير وأنت متأكد أن كل شيء سيكون على ما يرام، وذلك بسبب الوضع السياسي في الضفة الغربية المحتلة وفي غزة أيضًا. وقد تعرضنا لمضايقات من مستوطنين وتهديد بالسلاح لمغادرة أحد المواقع، وتمت مصادرة المعدات التي حملها الطاقم البولندي معه لمدة أسبوعين من قبل الإسرائيليين في مطار بن جوريون، ما يؤكد أننا واجهنا العديد من الصعوبات، لكن أكبرها هي المخاطرة بحياتنا التي نتعرض لها خلال التصوير وبالأخص لأن المعدات حجمها كبير جدًا وتطلب منا بناء حاجز كامل للفيلم مع شخصيات تمثل جنود إسرائيليين يحملون السلاح".

وتابع: "تأثير الحرب تركني في حيرة وتساؤلات كثيرة عما أفعله، فقد تساءلت كثيرًا في أول أشهر الحرب إن كانت السينما هي أفضل مكان بالنسبة لي لتفريغ ما يدور في خاطري.. فماذا عليّ أن أفعل غير ذلك؟.. كلنا كفلسطينيين علينا مسؤولية تجاه وطننا، وما رأيته وما زلت أراه من نتائج في الرأي العام بعد هذه الحرب بفضل أشخاص كمعتز عزايزة، بيسان، وبلستيا، اللذين نشرا بشكل يومي عن جرائم الجيش الصهيوني، جعلني أثق أكثر بسردية قصصنا ومدى تأثيرها على الناس، ويجب أن يكون هناك مَن يروي قصصنا وحكاياتنا المعاصرة ليوّصل الرسالة، ولتكون أيضًا أرشيفًا شاهدًا على التاريخ وما نمر به".

لقطة من فيلم "برتقالة من يافا"

القاهرة الدولي للفيلم القصير

وعن عرض الفيلم في مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير، بعد عدة مهرجانات دولية، يقول: "أتطلع بشدة لسماع رأي المشاهدين في المهرجان، فهذه لحظة استثنائية وأشعر بالاعتزاز أن يُعرض الفيلم بالمهرجان، فجمهوره مهم بالنسبة لي، لأن الفيلم يطرح تفاصيل دقيقة ربما لا يعلم عنها المشاهد الأجنبي شيئًا بخلاف المشاهد العربي، رغم قربه من فلسطين، ومعرفته بالوضع السياسي، بل وإن بعض الفلسطينيين مثلاً في قطاع غزة أو بالشتات لا يدركون تلك التفاصيل الصغيرة في الضفة الغربية وبالعكس، بالنسبة لي مهم أن أعرض ذلك وأرى ردود فعلهم".