في خضم النزاعات المستمرة في الشرق الأوسط، تبرز المواجهة بين إسرائيل وسوريا كجزء محوري من الصراع الإقليمي الذي يتركز على التفوق العسكري وإعادة رسم موازين القوى.
وبينما تسعى إسرائيل لتدمير البنية العسكرية السورية والحد من قدرات حزب الله، تبرز تصريحات أحمد الشرع القائد العام لإدارة العمليات العسكرية السورية لتفتح فصلًا جديدًا من الصراع الإقليمي المتشابك بين الأطراف.
رسائل للداخل والخارج
وللمرة الأولى، ظهر "أحمد الشرع" القائد العام لإدارة العمليات العسكرية، مخاطبًا إسرائيل بشكل علني لأول مرة، قائلًا: "ليس لدينا أي نية للدخول في صراع مع إسرائيل"، وفي حديثه، أشار إلى أن وجود القوات الإيرانية في سوريا لم يعد يشكل ذريعة لتدخل إسرائيل، معتبرًا أن رحيلهم يزيل مبررات الهجمات الإسرائيلية المتكررة.
وأكد "الشرع" أن انتصارات فصائل المعارضة السورية هي "انتصار على المخطط الإيراني"، مشيرًا إلى أن حركته اختارت بناء علاقات إقليمية جيدة بدلاً من استهداف القواعد الروسية في سوريا، مضيفًا: "دخلنا مدننا وليس طهران، وليست لدينا مشكلة مع الشعب الإيراني".
الرد الإسرائيلي
في المقابل، ووسط تصعيد غير مسبوق، أكد رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي أن تحركات الجيش في الجولان تأتي لحماية الحدود، مضيفًا أن "الجيش السوري انهار، وهناك تهديد بأن تستقر العناصر الإرهابية على حدودنا". وأكد أن إسرائيل لا تسعى لإدارة شؤون سوريا، لكنها ستمنع أي تهديد أمني من الاستقرار بالقرب من حدودها.
ونفذت قوات الاحتلال الإسرائيلية واحدة من أعنف عملياتها الجوية في سوريا، مستهدفة ما يقرب من 480 غارة خلال يومين فقط، وركزت الهجمات على مواقع استراتيجية في دمشق، وحمص، وطرطوس، واللاذقية، ودمرت بطاريات مضادة للطائرات، ومنشآت تصنيع الأسلحة، ومواقع إطلاق الصواريخ، إلى جانب ذلك، شنّت البحرية الإسرائيلية هجمات دمّرت فيها الأسطول البحري السوري بالكامل، بما في ذلك السفن الحربية والمروحيات.
أظهرت صور من المواقع المستهدفة، نشرتها وكالة "فرانس برس"، حجم الدمار الذي طال الموانئ والقواعد الجوية، ما يعكس شدة الهجمات الإسرائيلية.
أهداف إسرائيلية تتجاوز سوريا
في مؤتمر صحفي، وصف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سقوط نظام الأسد بأنه "فصل جديد ودراماتيكي"، مؤكدًا أن الضربات الإسرائيلية لا تهدف فقط إلى حماية أمن إسرائيل، بل إلى "تغيير وجه الشرق الأوسط بالكامل".
أما وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، فوجّه تحذيرًا صارمًا إلى الفصائل السورية قائلًا: "أي كيان يشكل تهديدًا لإسرائيل سيتم استهدافه بلا هوادة". وأضاف: "من يتبع خطى بشار الأسد سينتهي كما انتهى الأسد".
الاستراتيجية الإسرائيلية
وحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، تأتي التحركات الإسرائيلية في سياق تصعيد أوسع ضد حزب الله ونظام الأسد، إذ تسعى إسرائيل إلى منع أي تطوير لمنظومات الدفاع الجوي المتقدمة التي تهدد تفوقها العسكري.
وخلال السنوات الأخيرة، حاول حزب الله بناء منظومة دفاع جوي تعتمد على تقنيات روسية وإيرانية، تضمنت بطاريات 6-SA و22-SA وصواريخ محمولة على الكتف. ورغم النجاح الإسرائيلي في تقويض هذه القدرات، يظل التهديد قائمًا.
تداعيات دولية ودعوات للحل
في مواجهة الغارات المكثفة، طالبت الحكومة السورية الانتقالية مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءات فورية ضد إسرائيل، معتبرة أن الهجمات الإسرائيلية تشكل انتهاكًا لاتفاقية فصل القوات لعام 1974.
في أول رسالة لها إلى الأمم المتحدة، أكدت الحكومة الانتقالية ضرورة انسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة ووقف الهجمات التي تسببت في انهيار البنية العسكرية السورية.
مواجهة مفتوحة ومستقبل مجهول
مع تزايد حدة الغارات الإسرائيلية وتوسع العمليات العسكرية في سوريا ولبنان، يظل مستقبل المنطقة غامضًا. في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل لترسيخ هيمنتها العسكرية، تبقى مخاوف التصعيد الإقليمي قائمة، خاصة مع احتمال إعادة بناء حزب الله ونظام الأسد لقدراتهما العسكرية بدعم إيراني.
المشهد الراهن يعكس ديناميكية متغيرة في الشرق الأوسط، حيث الصراعات العسكرية باتت جزءًا من معركة أوسع تتعلق بتوازن القوى والمصالح الاستراتيجية.