بين ليلة وضحاها، انقلبت المعادلات في سوريا، مع سقوط نظام الأسد على يد فصائل المعارضة وتفجرت موجة جديدة من الصراعات، وباتت البلاد مسرحًا لتشابك المصالح الدولية والإقليمية، ومرتعًا للصراعات بين القوى المختلفة.
في هذا التقرير، نلقي الضوء على السيطرة الميدانية في سوريا، وتأثير التدخلات الخارجية، خاصة إسرائيل، التي استغلت الوضع لتكريس سيطرتها وتدمير البنية التحتية الحيوية في البلاد.
سيطرة ميدانية بعد سقوط الأسد
تقع سوريا، التي يبلغ عدد سكانها نحو 22 مليون نسمة، على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وتحدها تركيا من الشمال، ولبنان وإسرائيل من الغرب والجنوب الغربي، والعراق من الشرق، والأردن من الجنوب.
خلال أسبوعين فقط، استطاعت فصائل المعارضة التحرك من الشمال الغربي إلى العاصمة دمشق، وسيطرت على عدة مدن رئيسية دون مقاومة، وأدى هذا التحرك الخاطف إلى سقوط النظام وخروج الرئيس السابق بشار الأسد إلى روسيا، وفقًا لتقارير إخبارية روسية.
وعلى الرغم من سيطرة فصائل المعارضة على المدن الكبرى، تظل البلاد ممزقة بين الفصائل المختلفة، إذ تسيطر الجماعات الكردية على شمال شرقي البلاد، بينما تنشط فصائل مدعومة من تركيا في الشمال، وأدى هذا التباين إلى اندلاع اشتباكات بين الفصائل، خصوصًا في الشمال.
دور إسرائيل في تصعيد الأوضاع
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان أكثر من 350 ضربة جوية إسرائيلية منذ سقوط النظام، فيما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية أنَّ إسرائيل استهدفت 450 هدفًا في جميع أنحاء سوريا، شملت منشآت عسكرية ومستودعات أسلحة ومراكز بحثية. وتزعم إسرائيل أنَّها دمرت نحو 80% من القدرات العسكرية للنظام السابق، لكنها لم تقدم أدلة مستقلة على ذلك.
وأعلنت إسرائيل أنَّها سيطرت مؤقتًا على المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان، مبررة ذلك بانهيار اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 مع سوريا، كما أشارت إلى أنَّ تحركاتها تهدف إلى منع انتقال الأسلحة إلى "المتطرفين"، حسب بيان لجيش الاحتلال.
القوات الكردية
أصبحت قوات الأقلية العرقية الكردية في سوريا الشريك المحلي الرئيسي للولايات المتحدة في الحرب ضد الفصائل المتطرفة في سوريا، تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية، وبعد هزيمة الجماعات المتطرفة إلى حد كبير، عززت القوات التي يقودها الأكراد سيطرتها على بلدات في الشمال الشرقي، ووسعت منطقة الحكم الذاتي هناك.
ومنذ بداية الحرب الأهلية، شنَّ الجيش التركي عدة تدخلات عسكرية عبر الحدود إلى داخل سوريا، أغلبها ضد القوات التي يقودها الأكراد السوريون، والآن تسيطر تركيا فعليًا على منطقة على طول الحدود الشمالية لسوريا.
الولايات المتحدة
وتحتفظ الولايات المتحدة بقوة قوامها نحو 900 جندي في سوريا، تتمركز في مناطق حفر النفط التي يسيطر عليها الأكراد في الشمال الشرقي وحامية في الجنوب الشرقي.
وتغير الدور الأمريكي في الحرب الأهلية السورية عدة مرات، ففي البداية دعمت إدارة أوباما جماعات المعارضة في انتفاضتها ضد الحكومة، وزودتها بالأسلحة والتدريب، ولكن التأثير كان محدودًا.
القواعد الروسية في سوريا
في عام 2015، أرسلت روسيا آلاف الجنود إلى سوريا للمساعدة في إبقاء الرئيس الأسد في السلطة، وفي مقابل هذه المساعدة العسكرية، حصلت على عقود إيجار لمدة 49 عامًا لقاعدتين عسكريتين رئيسيتين.
ويعد ميناء طرطوس القاعدة البحرية الكبرى الوحيدة لروسيا في الخارج، كما أنه قاعدتها البحرية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط، وبالإضافة إلى القاعدة الجوية في حميميم، التي تُستخدم في كثير من الأحيان لنقل المتعاقدين العسكريين الروس داخل وخارج إفريقيا، تلعب القاعدتان دورًا مهمًا في قدرة روسيا على العمل كقوة عالمية.
وقال الكرملين إنه سيجري مناقشات مع الإدارة السورية الجديدة بشأن مستقبل الموقعين، وفي هذه الأثناء، غادرت السفن الروسية الميناء وترسخت قبالة الساحل مباشرة.
صراعات إقليمية
اندلعت اشتباكات في مدينة منبج بين القوات المدعومة من تركيا وفصائل كردية، ويسعى كل طرف لتعزيز سيطرته على الأرض، حيث يمثل نهر الفرات الخط الفاصل بينهما.
ورغم سقوط الأسد، تستمر روسيا في تأمين قواعدها العسكرية، خاصة القاعدة البحرية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية، تلعب هذه القواعد دورًا حيويًا في تعزيز نفوذ روسيا الإقليمي والدولي، وسط محاولات لإعادة ترتيب الوضع مع الإدارة الجديدة في سوريا.
وتعيش سوريا اليوم واقعًا معقدًا، حيث تداخلت الأطماع الدولية مع الصراعات المحلية، بينما تحتفل بعض الأطراف بسقوط النظام، فإن مستقبل البلاد يظل مجهولًا، وسط صراعات السيطرة التي تهدد بتدمير ما تبقى من سوريا، في قلب هذا المشهد، تبرز إسرائيل كأحد اللاعبين الذين يسعون لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية على حساب معاناة الشعب السوري.