يطرح إطلاق صواريخ صوب إسرائيل من غزة ولبنان في 6 أبريل 2023، وما تبع ذلك من غارات إسرائيلية على لبنان وقطاع غزة في ساعات مُبكرة من صباح يوم الجمعة 7 أبريل 2023، العديد من التساؤلات، حول مستوى التصعيد المُحتمل من الجانب الإسرائيلي على الجنوب اللبناني. يُذكر أن حزب الله، لم يعلق على حادث استهداف الداخل الإسرائيلي عبر صواريخ من طرازي كاتيوشا وجراد. ومن ناحيتها لم ترد فصائل المقاومة الفلسطينية الأساسية في قطاع غزة على الضربات الإسرائيلية، واكتفت بالإدانة، والرد حال استمرار الانتهاكات بحق الفلسطينيين.
مؤشرات التصعيد:
عدة مؤشرات، تدعم احتمالات قيام الحكومة الإسرائيلية بالتصعيد خلال الفترة المُقبلة، هي كالتالي:
(*) تضخيم إسرائيلي للحادث: وصف جيش الاحتلال الإسرائيلي الهجوم الصاروخي من جنوب لبنان تجاه إسرائيل، بأنه أكبر هجوم صاروخي منذ حرب 2006. ورغم أن القبة الحديدية اعترضت أغلب هذه الصواريخ، إلا أن حكومة نتنياهو عملت على تضخيم الحادث لتتخذه ذريعة لفتح المجال أمام احتمال قيامها برد عسكري واسع في جنوب لبنان أو غزة، وكذلك لتبرر اعتداءاتها على المسجد الأقصى المبارك، والفلسطينيين أمام المجتمع الدولي، والظهور في ثوب الضحية. وعقب الاجتماع الوزاري المصغر الذي عُقد برئاسة نتنياهو مساء يوم 6 أبريل من العام الجاري، شن جيش الاحتلال في ساعات مبكرة من صباح الجمعة، 7 أبريل، ضربات على مناطق متفرقة في قطاع غزة، والجنوب اللبناني، فيما وصفه بأهداف تشمل بنى تحتية تابعة لحركة حماس.
(*) حادث استهداف مستوطنين بغور الأردن وتل أبيب: شهدت منطقة غور الأردن مقتل مستوطنتين إسرائيليتين وإصابة أخرى بجروح خطرة في حادث إطلاق نار، وهو ما أدى بحكومة نتنياهو إلى التشدد مرة أخرى، وميلها إلى التصعيد؛ إذ دعا قائد شرطة إسرائيل المدنيين الذين يحملون رخصة حمل السلاح لحمل سلاحهم؛ بسبب تزايد الهجمات، وإعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي تعزيز قواته لمواجهة ما يصفها بالسيناريوهات المحتملة، واستدعاء قوات الاحتياط خاصة في سلاحي الجو والدفاع الجوي؛ ردًا على حادث الأغوار. ويوحي التصعيد الذي تلا حادث غور الأردن عن احتمال اتجاه نتنياهو للتصعيد بخيار يحفظ له ماء الوجه لا سيَّما بعد الضغوطات التي يتعرض لها من قِبل أعضاء حكومته المنتمين لتيار اليمين المتطرف. وتعزز هذا الشعور بعد حادث تل أبيب المزدوج مساء الجمعة 7 أبريل، والذي أدى إلى مقتل سائحة إيطالية، وإصابة سبعة آخرين في حادث دهس وإطلاق نار.
(*) اتهامات بمحاولة إسرائيل لتغيير الوضع الراهن في القدس المحتلة:تسعى حكومات إسرائيل المتطرفة على الدوام، إلى محاولة تغيير الوضع الراهن في الأماكن المقدسة، وهو ما يتبعه تصعيد إسرائيلي يتبعه رد من حركات المقاومة الفلسطينية. وعلى العكس، رغم توقيع الحكومة الإسرائيلية على الاتفاق الذي كان نتاج الاجتماع الخماسي الذي استضافته مدينة شرم الشيخ المصرية في 19 مارس 2023 بحضور مصري وأردني وأمريكي، والذي أقرَّ الوصاية الهاشمية على المقدسات، ودعا إلى الحفاظ على الوضع الراهن في الأماكن المقدسة، إلا أن أفعال حكومة نتنياهو تتناقض مع ذلك. ويُلازم استمرار إسرائيل في هذه السياسة اتجاه عام بالتصعيد في الأراضي المحتلة، سواءً على مستوى المواجهات المباشرة وعمليَّات المقاومة الفردية التي يقوم بها الفلسطينيون في الضفة الغربية ومناطق الداخل، أو حتى مناطق نشاط المقاومة كقطاع غزة.
(*) تأسيس الحرس الوطني الجديد: أعلن مجلس الوزراء الإسرائيلي في 2 أبريل 2023 عن موافقته على إنشاء الحرس الوطني داخل وزارة الأمن القومي التي يقودها، إيتمار بن جفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي، الذي اقتحم بصحبة مستوطنين آخرين المسجد الأقصى أوائل عام 2023. ومن المُقرر أن يتعامل الحرس الوطني مع حالات الطوارئ ومكافحة ما تسميه إسرائيل بالإرهاب والجريمة. وتثير هذه الخطوة مخاوف المجتمع العربي في إسرائيل، ومن المُحتمل أن يؤدي عمل هذه القوة إلى تصعيد العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وتتعالى العديد من الأصوات الرافضة للخطوة، واصفة الحرس الوطني بالميليشيا، ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، المنتمي لحزب العمل.
(*) وجود حكومة متطرفة على رأس هرم السُلطة في إسرائيل: يشجع وجود متطرفين في الحكومة الإسرائيلية التي تُوصف بأنها الأشد تطرفًا في تاريخ إسرائيل، مثل وزير الأمن القومي الذي أُتهم بالعنصرية، على التصعيد لا سيَّما بعد أحداث تل أبيب والأغوار. ومن المُمكن أن يتجه نتنياهو إلى التصعيد، سواءً على مستوى المواجهات الأمنية مع الفلسطينيين في المخيمات أو حتى القيام بعمليات تكتيكية ضد أهداف للمقاومة الفلسطينية، وذلك إرضاءً لأعضاء حكومته المتطرفين الذين يدعون للتصعيد، وزاد موقفهم قوة بعد حادث الأغوار وعملية الدهس، وإطلاق النار التي حدثت في منطقتين مختلفتين في تل أبيب، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، وأدت إلى مقتل مُنفذ العملية، وسائح إيطالي، وإصابة 6 آخرين مساء يوم الجمعة 7 أبريل، وذلك وفق ما أكدته مراسلة قناة "القاهرة الإخبارية" في القدس، دانا أبوشمسية. جدير بالذكر أن حكومة نتنياهو تحاول صرف الأنظار إلى الخارج لا سيَّما أنها تواجه صعوبات داخلية بعد فشلها في إقرار تعديلات على قانون السُلطة القضائية.
آفاق التهدئة:
تظل فرص التهدئة على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية صعبة، خاصة بعد أحداث الأغوار وتل أبيب، ولكنها في الوقت نفسه واردة بشروط؛ أبرزها:
(#) نجاح الوساطة المصرية في فتح قنوات اتصال مع جميع أطراف الأزمة:أفادت مراسلة "القاهرة الإخبارية" في قطاع غزة، منى عوكل، بأن قطاع غزة شهد حالة من الهدوء مع استمرار الوساطة المصرية منذ أيام لتهدئة الأوضاع. وفي هذا السياق، حرصت القاهرة قُبيل شهر رمضان المبارك على إرساء هدنة طويلة الأمد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي؛ إذ استضافت مدينة شرم الشيخ المصرية اجتماعًا خماسيًا في 19 مارس 2023 لإرساء السلام وخفض التصعيد في الأماكن المقدسة. وتتسلح مصر في وساطتها بخبرتها الواسعة في هذا الملف، وثقة المجتمع الدولي، وطرفي الصراع في نزاهة موقفها الهادف لتحقيق السلام، واستعادة أمن الفلسطينيين بالأراضي المحتلة. ويتأكد نجاح الوساطة المصرية بعودة الهدوء إلى قطاع غزة، إذ قال الجيش الإسرائيلي صباح الجمعة 7 أبريل: "إن الإسرائيليين الذين يعيشون في المناطق المحيطة بقطاع غزة لم يعودوا بحاجة للبقاء بالقرب من الملاجئ"، وهو ما يعني نجاح وساطة خفض التصعيد التي عكفت عليها القاهرة.
(*) تقدير حُرمة المسجد الأقصى: يُمثل هدوء الأوضاع في المسجد الأقصى مفتاح الحل لخفض التصعيد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ورغم أهمية ذلك في حل الأزمة بين الجانبين إلا أن حكومة نتنياهو لن تُقدم على مثل هذه الخطوة، رغم إدراك أهميتها تحسبًا لغضبة التيار المتشدد الذي تستند عليه.
(*) تجنب التصعيد على الجبهة اللبنانية: حرصت تل أبيب على تجنب خطأ حرب 2006 بفتح جبهة قتال مع حزب الله في لبنان، من خلال حرصها على عدم اتهام حزب الله صراحة بحادث إطلاق الصواريخ، وآثرت اتهام بعض الفصائل الفلسطينية في لبنان، دون الإشارة لحزب الله، وهو ما قاد إلى الرد المحدود بعدة ضربات جوية محدودة للغاية على جنوب لبنان.
(*) اتجاه "اليونيفيل" للتنسيق مع الحكومة اللبنانية وإسرائيل لخفض التصعيد:أعلنت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان المعروفة اختصارًا بـ"اليونيفيل"، أنها على اتصال بالأطراف اللبنانية والإسرائيلية، مؤكدة أن الطرفين لا يريدان الحرب، وأشار رئيس البعثة وقائدها العام اللواء، أرولدو لازارو، إلى أن البعثة منخرطة بشكل مباشر في محادثات للتهدئة بين الطرفين. وقد انعكس التنسيق المباشر والمُنجز بين البعثة الأممية والجيش اللبناني على تهدئة الأوضاع سريعًا على الجبهة الجنوبية للبنان قبل تفاقم الأوضاع، لا سيَّما أن حزب الله قد توعد بالرد في حال تجاوز تل أبيب لما أسماه بالخطوط الحمراء.
سيناريوهات مُرجحة:
تُشير مؤشرات التصعيد، وآفاق التهدئة إلى بروز مسارات مُتعددة لما يُمكن أن تؤول له حالة التصعيد، بعد إطلاق صواريخ من قطاع غزة وجنوب لبنان تجاه إسرائيل، مع توعد حكومة نتنياهو المتطرفة بالرد على هذه الخطوة. وترتبط سيناريوهات الرد الإسرائيلي على التصعيد الأخير ضدها بمجموعة من المحددات هي؛ الموقف الأمني داخل إسرائيل، خاصة بعد تصاعد حوادث العنف تجاه المستوطنين، وموقف حزب الله من حادث إطلاق الصواريخ، والذي آثر بدوره عدم التصعيد، ومدى قدرة الوساطة المصرية في قطاع غزة على الصمود لا سيَّما بعد التصعيد الذي جرى الجمعة 7 أبريل في الأغوار وتل أبيب، ومدى قوة وموقع رد حكومة نتنياهو عليهم. وفي حالة صمود الوساطة ونجاح التواصل المصري مع طرفي الأزمة، سيؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى تجنيب القطاع الدخول في حرب شاملة مع إسرائيل.
ويرتبط تغليب سيناريو التصعيد الإسرائيلي بالحوادث التي شهدتها إسرائيل الجمعة 7 إبريل، مثل مقتل إسرائيليتين في حادث الهجوم المسلح في الجهة الغربية لغور الأردن، على إحدى السيارات التي كانت تقل مستوطنين إسرائيليين، وما يتبعه من ردود فعل لحكومة نتنياهو؛ إذ صرَّح، إيلي كوهين، وزير الخارجية الإسرائيلي، في نبأ عاجل أوردته قناة "القاهرة الإخبارية" بأنه ينبغي الرد بحرب حازمة وقبضة من حديد، فيما أمر "نتنياهو" بعد حادثة الدهس في تل أبيب بتعبئة قوات الاحتياط للجيش وشرطة حرس الحدود، وكان قد استدعى الجيش الإسرائيلي جنود الاحتياط بسلاحي الجو والدفاع الجوي، بعد حادثة غور الأردن.
في الختام،تدعم عمليَّات الدهس وإطلاق النيران في مناطق غور الأردن، وتل أبيب، يوم الجمعة 7 أبريل، سيناريو تصاعد الأحداث، وتراجع فرص التهدئة، خاصة في الداخل الفلسطيني. ومع ذلك يُمكننا أيضًا الإشارة إلى أن حكومة نتنياهو ستتجه إلى التهدئة على الجبهة اللبنانية، والاكتفاء بالقصف الجوي الذي نفذته في ساعات مُبكرة صباح يوم 7 أبريل 2023 لتجنب الانتقادات الداخلية، لا سيَّما من الائتلاف الحكومي، مع احتمال استمرار التصعيد في الداخل الفلسطيني والأماكن المقدسة، وهو ما يُمكن أن يقود بدوره إلى تجدد الحرب في قطاع غزة.