بينما تترقب سوريا بصيص أمل للخروج من نفق طويل مظلم، تجتاحها رياح صراع جديدة تُفاقم أوجاعها، إذ أصبحت الإطاحة بالنظام السوري القديم لحظة فاصلة في تاريخ البلاد، لكنّها لم تمنح السلام الذي طال انتظاره.
فبدلًا من السلام الذي يطمح فيه الشعب، شهدت البلاد توغلًا بريًا وغارات جوية مكثفة من دولة الاحتلال الإسرائيلي دمر فيه معظم مقدرات الجيش السوري الجوي والبحري والبري، ما أشعل غضبًا دوليًا، وأثار تساؤلات حول مسار الأحداث في المنطقة.
أهداف إسرائيلية واسعة النطاق
وخلال ساعات من سقوط نظام الأسد، احتلت إسرائيل جبل الشيخ والمنطقة العازلة ونفذت أكثر من 300 ضربة جوية في جميع أنحاء سوريا دمرت فيها أسراب الطائرات المقاتلة ومطارات العسكرية وبطاريات الدفاع الجوي، ومستودعات الأسلحة والذخيرة ومراكز الأبحاث العلمية وألوية صاروخية، وفق "يديعوت أحرنوت" العبرية.
واتسمت ليلة أمس بالعنف، إذ هزت الانفجارات العاصمة السورية دمشق، بينما تصاعد الدخان من مركز أبحاث شمال المدينة، وشملت الهجمات السفن الصاروخية البحرية ودمرت العديد من السفن التابعة للأسطول العسكري السوري، التي وضع عليها عشرات صواريخ بحر – بحر في ميناء البيضاء وميناء اللاذقية.
ووجه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، تحذيرًا للفصائل السورية، خلال جولة في قاعدة بحرية بحيفا بعد يوم من تدمير الأسطول السوري بواسطة صواريخ أطلقت من السفن الحربية، قائلًا: "إن أي كيان يشكل تهديدًا لإسرائيل سيتم استهدافه بلا هوادة".
وأضاف: "لقد تحرك الجيش الإسرائيلي في الأيام القليلة الماضية لمهاجمة وتدمير القدرات الاستراتيجية التي تهدد دولة إسرائيل"، محذرًا من أن "كل من يتبع خطى بشار الأسد سينتهي به المطاف كما انتهى الأسد.. وسنفعل أي شيء لإزالة التهديد".
تصعيد الهجمات داخل سوريا
بحسب مصادر استخباراتية غربية، نفذت إسرائيل هجماتها على أهداف عسكرية مختلفة، خاصة القوات الجوية السورية، ومن بين الأهداف التي تم الهجوم عليها قواعد سلاح الجو السوري، بما في ذلك أسراب كاملة من طائرات الميج والسوخوي التي تم تدميرها.
واستمرت الهجمات الإسرائيلية في جميع أنحاء سوريا، ومن بين أمور أخرى، تم الإبلاغ عن هجمات في مدينة الرقة وريف دمشق، وبحسب التقارير فإن الأهداف كانت أيضًا محطات دفاعية وأبحاث علمية في منطقة حلب ومركز الأبحاث العلمية بمنطقة جمرايا في الريف من ضواحي دمشق، وفي الصباح، وردت أنباء عن انفجارات في دمشق عقب هجوم آخر في المدينة ومحيطها.
الأمم المتحدة تبدي قلقها
وصف المبعوث الأممي إلى سوريا، جير بيدرسن، الضربات الإسرائيلية بأنها "تطور مقلق للغاية"، داعيًا إلى وقف التحركات العسكرية الإسرائيلية في سوريا. بالمقابل، أكدت إسرائيل "أن عملياتها تأتي في إطار الدفاع عن النفس ومنع وصول أسلحة استراتيجية إلى أيدي المتطرفين".
وتشير التطورات إلى أن التصعيد الإسرائيلي يحمل مخاطر كبيرة، خاصة إذا تجاوزت التوغلات المنطقة العازلة التي أنشئت بموجب اتفاق وقف إطلاق النار عام 1974. ويرى المحلل الجيوسياسي مايكل هورويتز، أن بقاء القوات الإسرائيلية بشكل دائم في الأراضي السورية قد يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي ويمنح المتطرفين مبررًا لتصعيد عملياتهم ضد إسرائيل، حسب "إن بي سي نيوز الأمريكية".
علاقات معقدة ومستقبل غامض
أوضح "هورويتز" أن الهجوم الإسرائيلي الأخير قد يعرقل أي محاولة لبناء علاقات دبلوماسية بين سوريا الجديدة وإسرائيل، وبينما تُبرر إسرائيل خطواتها بأنها ضرورة أمنية، يظل الوضع المستقبلي للعلاقات بين البلدين غير واضح.
تعيش سوريا لحظة فارقة مليئة بالتحديات، إذ يختلط الأمل في التغيير مع قلق عميق من تصاعد التوترات الإقليمية، وبينما تُصر إسرائيل على حماية أمنها الوطني، يدعو المجتمع الدولي إلى احترام القوانين الدولية والعمل من أجل استقرار المنطقة، فما سيحمله المستقبل للبلدين والمنطقة ككل يظل معلقًا بخيوط السياسة والتحركات الميدانية المتسارعة.