في مشهد يلفه التناقض بين السلطة والمحاكمة، يقف رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام القضاء في مواجهة اتهامات بالفساد، وبينما يحاول أعضاء حكومته تأجيل شهادته بحجة التحديات الوطنية، يزداد الضغط على نتنياهو في الداخل والخارج، ما يهدد بإضعاف صورته العامة وزعزعة إرثه السياسي الطويل.
ضغوط حكومية للتأجيل
قبل يوم من مثوله المقرر أمام القضاء، قدّم 12 وزيرًا من المجلس الوزاري السياسي والأمني رسالة تطالب بتأجيل شهادة نتنياهو. وجاء في الرسالة، التي وجهت إلى إدارة المحاكم والمستشار القانوني للحكومة، أن إجبار رئيس الوزراء على المثول أمام المحكمة ثلاث مرات أسبوعيًا في ظل الوضع الأمني الراهن يشكل خطرًا على المصالح الوطنية، وفق "يديعوت أحرونوت".
وأكدت الرسالة أن الحرب المستمرة في غزة، إلى جانب التصعيد مع حزب الله اللبناني، وتطورات الأوضاع في سوريا، تتطلب تفرغًا تامًا من نتنياهو لإدارة الأزمات الأمنية. وطالب الوزراء بتعديل جدول المحاكمة وإعطاء الأولوية للاستقرار الوطني، معتبرين أن السلوك الحالي للجهاز القضائي يمثل "تجاهلًا للأولويات الوطنية".
القضاء يرفض التأجيل
رغم الضغوط السياسية، رفض قضاة المحكمة المركزية في تل أبيب طلب الوزراء، وأوضحوا أن المحاكمة تُجرى أمام طرفي النزاع فقط، وأن طلبات التدخل الخارجي تُعد خرقًا للإجراءات القانونية.
كما أكد القضاة أن الادعاءات الأمنية المقدمة ليست كافية لتبرير التأجيل، مشيرين إلى أن الإجراءات القانونية تستهدف تحقيق العدالة بعيدًا عن أي اعتبارات سياسية أو أمنية.
إلى جانب محاكمته بثلاث تهم رئيسية تشمل الاحتيال وخيانة الأمانة والرشوة، تحوم حول نتنياهو فضائح أخرى تورط فيها مستشارون مقربون منه. وتشمل هذه الفضائح تسريب معلومات سرية وتزوير وثائق. وعلى الرغم من أن نتنياهو ليس متهمًا بشكل مباشر في هذه القضايا، فإنها تلقي بظلالها على صورته العامة، التي تعاني بالفعل بسبب الكشف عن نمط حياة أسرته المترف ومحاولاته للهيمنة على الإعلام.
انقسامات سياسية حول المحاكمة
شهدت الساحة السياسية الإسرائيلية انقسامًا حول محاكمة نتنياهو. وعلّق بيني جانتس، زعيم "معسكر الدولة"، قائلًا: "هذا يوم حزين للأمة". وأضاف: "رغم الاختلاف السياسي، يجب احترام القضاء والديمقراطية".
من جهته، وصف زعيم المعارضة يائير لابيد نتنياهو بأنه "يتبع أسلوب المجرمين الذين يعرفون أنهم مدانون"، في إشارة إلى محاولاته تأجيل المحاكمة.
من المتوقع أن تستمر شهادة نتنياهو لأسابيع، ما يُزيد من تعقيد المشهد السياسي في إسرائيل. وبينما يستمر النزاع القانوني، تظل المحاكمة اختبارًا حاسمًا للنظام القضائي الإسرائيلي وقدرته على معالجة قضايا الفساد في أعلى مستويات السلطة.
بين أروقة القضاء وضغوط الساحة السياسية، يواجه نتنياهو أصعب اختبار في حياته السياسية. فهل ستُسقطه المحاكمة من عرشه، أم سيواصل لعبته السياسية متسلحًا بالتحديات الأمنية؟ الإجابة ستبقى معلقة في انتظار الفصل الأخير من هذه المحاكمة التاريخية.