سجَّل البرلمان الفرنسي يومًا تاريخيًا بعد سقوط حكومة ميشيل بارنييه في أول تصويت ناجح على حجب الثقة منذ 60 عامًا، لتنتهي بذلك أقصر فترة رئاسة وزراء في تاريخ الجمهورية الخامسة بعد 89 يومًا فقط.
وكشفت صحيفة "إكسبريس" الفرنسية عن تفاصيل وكواليس ما جرى خلف الأبواب المغلقة في هذا اليوم المصيري.
محاولات إنقاذ
أوضحت الصحيفة الفرنسية أن التحركات المحمومة بدأت في صباح أمس الأربعاء، بأروقة البرلمان الفرنسي، لافتة إلى أن أحد الوزراء علق على إشارة غامضة صدرت من مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف، حين رفعت إبهامها، قائلًا: "السياسة علمتني ألا أكون قطعيًا أبدًا"، ما عكس الأمل الضعيف في إمكانية تغيير موقف لوبان وحزبها من التصويت ضد الحكومة.
وفي محاولة أخيرة لإنقاذ حكومة بارنييه، أرسل أحد نواب حزب اليمين الجمهوري -حزب يميني تقليدي يختلف عن حزب لوبان المتطرف- رسالة نصية عاجلة إلى رئيس الوزراء ميشيل بارنييه، كان مضمونها يحثّه على التخلي عن قراره المثير للجدل المتعلق بربط معاشات المتقاعدين بمعدلات التضخم، وهو الإجراء الذي رفضه حزب التجمع الوطني (بقيادة لوبان) رفضًا قاطعًا، واعتبره "خطًا أحمر" لا يمكن تجاوزه.
وخلال الساعات التي سبقت التصويت، امتلأت أروقة البرلمان بمحاولات التفاوض والمساومات، إذ كان هناك عدد قليل من المقتنعين بإمكانية تغيير موقف مارين لوبان في الوقت الإضافي، خاصة أن لديها سوابق في تغيير مواقفها، لكن بارنييه رفض التنازل في النهاية، ما كلفه منصبه بتصويت 331 نائبًا لصالح مذكرة حجب الثقة.
صراع النفوذ
ولفت تقرير "إكسبريس" إلى حالة الغليان السياسي التي سادت البرلمان صباح يوم التصويت، إذ انتشرت شائعات عن تردد إريك سيوتي، أحد النواب البارزين المؤيدين للوبان، في التصويت لصالح حجب الثقة، ما دفع رفاقه السابقين لمحاولة إقناعه بتغيير موقفه، مُذكِّرين إياه بأيامه السابقة كمدافع عن المؤسسات والمسؤولية السياسية.
وفي الوقت نفسه، حاولت الحكومة استغلال الخلافات داخل الجبهة الشعبية الجديدة، وظهر الوزراء في البرامج الصباحية يناشدون الاشتراكيين وحتى الخضر بالتحلي بروح المسؤولية، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل.
مشهد درامي
وصف مراسلو "إكسبريس" المشهد داخل البرلمان، إذ وصل جان لوك ميلونشون زعيم اليسار الفرنسي، محاطًا بأقرب معاونيه، ورغم الأسئلة المتلاحقة من الصحفيين، التزم الصمت، وقِيل إنه جاء فقط "للاستمتاع باللحظة".
وفي لحظة مؤثرة، ألقى بارنييه خطابه الأخير، مدافعًا عن منهجه، قائلًا: "لقد حققنا اتفاقًا في لجنة المصالحة البرلمانية لأول مرة منذ 14 عامًا"، لكن صيحة النائب اليساري توماس بورت قاطعته: "هذا بطيء جدًا، دعونا نمضي للتصويت".
بداية مرحلة جديدة
اختتمت "إكسبريس" بوصفها لحظات بارنييه الأخيرة في البرلمان، حيث غادر وسط تصفيق خافت من مؤيديه، لكن المفارقة أنَّ التصفيق قبل خطابه الأخير كان أقوى ما كان عليه يوم إعلان سياسته العامة، ما يسدل الستار على أقصر فترة لرئيس وزراء في تاريخ الجمهورية الخامسة، تاركًا وراءه مشهدًا سياسيًا متأزمًا ومستقبلًا غامضًا.
وأشارت "إكسبريس" إلى أنّ هذا التصويت التاريخي فتح الباب أمام مرحلة جديدة في السياسة الفرنسية، إذ يتطلع اليسار المتطرف إلى قصر الإليزيه، بينما يستهدف الاشتراكيون منصب رئاسة الوزراء، في وقت تلوح فيه احتمالات إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في الأفق.