الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما الفرص الاقتصادية المحتملة لسوريا من حضور القمة العربية؟

  • مشاركة :
post-title
سوريا

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

تنعقد القمة العربية الثانية والثلاثون في السعودية في 19 مايو الجاري، بعد ما أعلن وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان عن استضافة المملكة العربية السعودية للقمة في أثناء الجلسة الختامية لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية للقمة الحادية والثلاثين التي عقدت في الجزائر، وتتميز هذه القمة عن غيرها بمشاركة سوريا، إذ تعود بعد تجميد عضويتها نحو 12 عامًا، وهي العودة التي تعطى أملًا كبيرًا لسوريا في محاولة إنقاذ اقتصادها المتدهور.

في ضوء ما سبق، يحاول هذا التحليل توضيح تأثير الأزمات المختلفة التي تعرضت لها الدولة السورية خلال الفترة الماضية جراء الأزمة الداخلية والزلازل والعقوبات الغربية والأزمات المالية العالمية، بالإضافة إلى معرفة الفرص الاقتصادية لسوريا من حضور القمة العربية.

الأزمات الاقتصادية:

تدهور الوضع الاقتصادي بشكل كبير في سوريا جراء الأزمات المتلاحقة التي ضربت الاقتصاد السوري، التي يتمثل أهمها فيما يلي:

(*) أزمة الداخل السوري: شهدت سوريا منذ مارس 2011 تحديًا اقتصاديًا كبيرًا، بعد أن انتهجت سوريا التخطيط الشامل متمثلًا في إصدار قانون الإصلاح الزراعي عام 1985، وأعدت خططًا خمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بدءًا من 1960، دخلت سوريا في الأزمة عام 2011، ما تسبب في تأزم الموقف الاقتصادي، فقد تأثر الاقتصاد بشكل كبير، متمثلًا في ضعف المؤشرات الاقتصادية، فنلاحظ من الشكل رقم (1) أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي انخفض بشكل كبير في عام 2010، فقد أصبح معدل نمو الناتج 2.9% بعد أن كان 5.2% في 2010، كما أصبح معدل النمو بالسالب في السنوات ما بين 2010 و2015، ما يدل على أن النشاط الاقتصادي توقف بدرجة كبيرة خلال فتره الصراع السوري، كما وصلت معدلات التضخم إلى أكثر من 500%، وفي بعض المناطق المحاصرة وصل لأكثر من 3000% وبالتالي انخفاض قيمة العملة السورية بشكل كبير جدًا.

الشكل رقم (1) يوضح معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في سوريا من 1995- 2020

المصدر: بيانات البنك الدولي

(*) قانون قيصر والعقوبات الغربية: هدف هذا القانون الذي تم إقراره في 17 ديسمبر 2019، وبدأ العمل به في 17 يونيو 2020 فرض عقوبات على النظام السوري، الذي انعكس بالتبعية على الوضع الاقتصادي في البلاد، وعلى الرغم من أن القانون في ظاهره يمثل دفاعًا عن الحقوق المدنية وفقا لمُشرّعيه، إلا أن العقوبات الاقتصادية والمالية والمصرفية التي تأتي ضمن هذا القانون، أساءت الوضع الاقتصادي والإنساني في سوريا بشكل كبير، بعد ما هدد هذا القانون أي شركة أجنبية تتعاقد مع النظام السوري للمشاركة في جهود إعادة الإعمار، كما تسبب تقييد البنوك اللبنانية في سحب أرصدتها الدولارية منها، في زيادة الطلب على الدولار بسوريا حتى انهارت الليرة السورية بشكل كبير، ووصل سعر الليرة السورية لـ2500 مقابل الدولار في 16 مايو 2021، وتتابع الانهيار إلى أن وصلت لـ6532 في 16 مايو 2023، بحسب تقديرات مصرف سوريا المركزي، التي يوضحها الشكل رقم (2)، إذ يبين الانهيار الكبير في العملة السورية، وقد صاحب هذا الانهيار في العملة موجة تضخمية كبيرة داخل الدولة، وارتفعت تكلفة سلة السلع الأساسية مثل الدقيق والزيت بنحو 110% خلال عام واحد.

المصدر: مصرف سوريا المركزي

(*) تأثيرات الزلازل: تسببت الزلازل التي ضربت تركيا وسوريا، في إصابة الاقتصاد السوري في فبراير 2023 بتدهور داخلي بشكل كبير، فقد أفاد تقييم جديد للأضرار أصدره البنك الدولي، أنه من المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لسوريا بنسبة 5.5% في عام 2023 في أعقاب الزلزالين اللذين ضربا المناطق الشمالية والغربية للبلاد في السادس وفي العشرين من فبراير، إذ سينتج عن محدودية الموارد العامة، وضعف الاستثمارات الخاصة، أن النمو الاقتصادي سيشهد مزيدًا من الانكماش، كما أنه وفقًا لتقرير التقييم السريع للأضرار والاحتياجات الناتجة عن الزلازل في سوريا، تُقدر الأضرار المادية الناتجة عن الزلازل بـ3.7 مليار دولار أمريكي، بينما تقدر الخسائر بـ1.5 مليار دولار أمريكي، لتبلغ قيمة الأضرار والخسائر 5.2 مليار دولار أمريكي، ويتصدر قطاع الإسكان قائمة القطاعات المتضررة (24% من إجمالي الأضرار)، تليه قطاعات النقل والبيئة نتيجة التكاليف المرتبطة برفع الأنقاض، وقد تضرر قطاع الزراعة تضررًا كبيرًا، إذ انخفضت إمدادات المواد الغذائية بمقدار 1.3 مليار دولار أمريكي (83% من إجمالي الخسائر)، وكانت أكثر المحافظات تضررًا من الزلزال، هي حلب وقُدر حجم الأضرار بها 44% من إجمالي الأضرار، تليها محافظة إدلب (21% من إجمالي الخسائر).

(*) الأزمات المالية العالمية: تأثرت سوريا بشكل كبير من الأزمات المالية العالمية، خاصة أن اقتصادها الداخلي يُعاني من ضعف شديد، ما يجعل أي تغير في العالم بالسلب، سيؤثر على الاقتصاد السوري بشكل كبير، فالأزمات المالية الحالية لها تأثير مباشر وغير مباشر على الاقتصاد السوري؛ لأن الركود الاقتصادي العالمي سيخفض الحاجة إلى مختلف المنتجات والمواد الخام، ما سيجعل الصناعة السورية تتأثر بشكل كبير وسوف تتراجع حجم الصادرات السورية، كما تسببت هذه الأزمات في رغبة بعض المستثمرين بالانسحاب من سوريا؛ لتأمين السيولة التي قد تلزمهم في بلدان أخرى مستفيدين من ارتفاع أسعار العقارات السورية، بالإضافة إلى أنه سيؤثر الركود المتوقع على حجم المساعدات والقروض المتوقع منحها لسوريا مستقبلًا، ما يزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية في سوريا.

الفرص الاقتصادية المحتملة من القمة:

عودة سوريا للجامعة العربية من المحتمل أن ينطوي عليه وضع حلول عربية جذرية للمشكلة الاقتصادية المتأزمة في سوريا، وتتمثل الفرص الاقتصادية المحتملة لسوريا، فيما يلي:

(&) إمكانية التوصل إلى تمويل عربي مناسب: من المحتمل أن يسفر اجتماع القمة المقبل عن آلية تمويلية لسوريا؛ لانتشالها من الوضع الاقتصادي المرعب الذي يعتريها، فسوريا تواجه مشكلة تمويل من الدرجة الأولى لإعادة إعمار المدن المنكوبة من الزلازل، فمن الممكن التوصل إلى آليات عربية عربية، تضمن حلول عاجلة للاقتصاد السوري، منها على سبيل المثال إمكانية إنشاء الصندوق العربي لإعانة سوريا.

(&) تبادل الخبرات العربية الناجحة: يحتاج الوضع الحالي في سوريا إلى سياسة اقتصادية قوية تعمل على إعادة ترميم الاقتصاد السوري، وهذا يحتاج إلى تبادل الخبرات والأفكار الاقتصادية التي نجحت الدول الأخرى في تحقيقها، فمن الممكن نقل تجربة الإمارات في الرقمنة واهتمامها بالصناعات الحديثة إلي سوريا، وخاصة أن التكنولوجيا من الممكن أن تقضي على جزء كبير من المشكلات الاقتصادية العالقة بالدولة السورية، خاصة التي تتطلب عمالة كثيفة.

(&) محاولة لتخفيف الضغط الغربي على الاقتصاد السوري: الاقتصاد السوري يتعرض لهجمة شرسة من الغرب، الذين يعملون على هدم الدولة بكل قطاعاتها، فتقديم الإعانات العربية لسوريا من أجل الإنتاج، قد يساعد في حل جزء من الأزمة، مع الاشتراط أن تكون هذه الإعانات مرتبطة بتشجيع الإنتاج، مع احتمالية أن يسفر الاجتماع عن وضع رؤية استراتيجية لتشجيع التبادل التجاري العربي مع سوريا، بحيث يتم رفع قيمة العملة السورية.

(&) التوصل لاتفاقات معلنة أمام جميع الدول: من المتوقع أن تخرج القمة العربية بآليات حل الدول العربية للوضع الاقتصادي في سوريا، وستكون هذه الآليات ملزمة لجميع الحضور من زعماء ورؤساء الدول، ما سينتج عنه توحيد الصف نحو المشكلة الاقتصادية السورية.

(&) زيادة الاستثمارات العربية لسوريا: قد يساعد تجمع الدول العربية على طاولة واحدة، في تحديد المشكلة والعمل على حلها بحلول عربية عربية خالصة، ومن المتوقع أن تخرج القمة العربية بمجموعة من الاستثمارات داخل سوريا، بحيث تزيد نسبتها من إجمالي الاستثمارات في سوريا.

(&) توحيد الأجندات الاقتصادية: إن وضع أجندة اقتصادية مشتركة بين الدول المجتمعة، تتضمن الآليات المتطورة في حل الأزمات الاقتصادية، مع وضعها بجدول زمني محدد لتحقيق أهداف اقتصادية على المدى المتوسط، سيعود بالنفع على الاقتصاد السوري، بأن يسير وفق منهجية محددة .

تأسيسًا على ما سبق، فإن الروح العربية الواحدة من المحتمل أن يترتب عليها العديد من النتائج الإيجابية للاقتصاد السوري، فقد كانت الأزمة السورية مطروحة على الطاولة الغربية لسنوات عديدة، لكنها لم تحقق نتائج إيجابية للاقتصاد السوري؛ لأن الجانب الغربي لا تجمعه هوية مشتركة مع سوريا، وهمه الأعظم الإدعاء بالحفاظ على حقوق المدنين، لكن في التجمع العربي المقبل في السعودية ستكون المشكلة التي سيجتمع عليها الجميع هي التوصل إلي كيفية إعادة إعمار سوريا اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعًيًا من خلال مشاركة عربية جادة في هذا الأمر.

في النهاية، يمكن القول إن الأزمة السورية متعددة الجوانب، وتحتل الأزمة الاقتصادية جانبًا منها في الشأن السوري، فالوضع في سوريا يحتاج لهذا التجمع العربي، الذي يُعول على القمة العديد من الآمال لإتاحة الفرص الاقتصادية المختلفة أمام الاقتصاد السوري، في محاولة لانتشاله من الهاوية، فتصحيح الأوضاع الاقتصادية داخل سوريا سيحقق الكثير من المنافع والقوة للمنطقة العربية برمتها، لذلك نوصي أن تخرج القمة بحلول تنفيذية وعملية لإنقاذ سوريا، وليس فقط حلول على ورق، لأن الوضع يحتاج إلى اهتمام عربي مشترك.