بعد الإعلان عن عودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية في 7 مايو الجاري، طرح العديد من الباحثين تساؤلًا: ما مصير النشاط الإرهابي في سوريا بعد عودتها للمحيط العربي؟.. وفيما تفكر الجماعات الإرهابية بعد عودتها؟.. يُذكر أن التنظيمات الإرهابية، استغلت على مدار السنوات الماضية الأزمة السورية، وحاولت التمركز في بعض مناطقها سواء تنظيم "داعش" الإرهابي أو تنظيم "هيئة تحرير الشام"، بقيادة أبومحمد الجولاني.
أعمال إرهابية:
عقب إعلان وزراء الخارجية العرب في اجتماع لهم بمقر الجامعة العربية بالقاهرة في 7 مايو الحالي عن عودة سوريا إلى الجامعة العربية، رصُد نشاط ملحوظ للتنظيمات الإرهابية، وذلك على النحو التالي:
(*) "داعش" يستهدف "مركز شرطة برزة" في العاصمة دمشق: رغم أن العاصمة السورية تشهد كل فترة بعض الأعمال الإرهابية التي تستهدف سواء المدنيين أو العسكريين، إلا أنه لم تعلن أي جهة بشكل رسمي مسؤوليتها عن الهجوم، لكن هذه المرة اختلف الوضع، وبعد ثلاثة أيام فقط من الإعلان عن عودة سوريا إلى الجامعة العربية، نشرت حسابات تابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي على موقع "تيليجرام" في 10 مايو الحالي، بيانًا أعلنت فيه مسؤولية التنظيم الإرهابي عن تفجير مركبة بعبوة ناسفة داخل مركز للشرطة في منطقة برزة بالعاصمة دمشق، وهو الهجوم الإرهابي الذي نجم عنه مقتل ضابط وإصابة 4 عناصر من قوات الشرطة.
(*) تنظيم "هيئة تحرير الشام" يتبع نهجًا مغايرًا: في ضوء التطورات التي شهدتها سوريا وبعد عودتها إلى المحيط العربي، كشفت وكالة "أسوشيتد برس" في 13 مايو الحالي، أن "أبومحمد الجولاني" القائد العام للهيئة (ذات النفوذ الأكبر في إدلب شمال سوريا) بدأ في التخفيف من حدة خطاب الجبهة الموالية في السابق لتنظيم "القاعدة" الإرهابي، بل واتخذ إجراءات للزعم أن "تحرير الشام" تتبع نهج التسامح الديني وتتيح الحرية الكاملة للأقليات لممارسة شعائرهم، إذ سمح التنظيم للمرة الأولى منذ أكثر من 10 سنوات، بإقامة قداس في كنيسة مغلقة بإدلب، كما حلَّ "الجولاني" الشرطة الدينية الإسلامية التي كانت تضطهد المواطنين خاصة النساء، وقال في تسجيل مرئي نشرته مؤسسة "أمجاد" الإعلامية أواخر أبريل الماضي، "سلطة التحريم هي عند الله فقط، والسلطة على الأرض لها حق المنع ولها إدارة الحلال والحرام، ولا يمكن اعتبار المحرم إلا بقطعية الدلائل والإثبات"، وتجدر الإشارة إلى أن الحسابات التابعة للتنظيم على منصات التواصل الاجتماعي بدأت تروج لهذه المزاعم، لنفي علاقة الهيئة بأي عمليات إرهابية ولإظهار رغبتها للمشاركة في تسوية الأزمة السورية.
(*) الميليشيات الموالية لإيران تُنزل أعلامها في سوريا: لم يمر سوى يوم واحد على الإعلان عن عودة سوريا للجامعة العربية، حتى خرج "المرصد السوري لحقوق الإنسان" ليعلن في 8 مايو الحالي، عن قيام بعض الميليشيات الموالية لإيران داخل الأراضي السورية، كميليشيات "فاطميون" و"زينبيون" (تم إدراجهم على قائمة العقوبات الأمريكية في يناير 2019) بإنزال راياتهم من مواقع كثيرة تابعة لهم داخل سوريا، خاصة في مدن دير الزور والبوكمال وتدمر وريف حمص الشرقي، وتم وضع العلم السوري بدلًا منها، مبينًا أن ذلك القرار جاء بأوامر مباشرة من السلطات السورية.
تحركات متوقعة:
في ضوء التحركات سالفة الذكر، يحاول التحليل الإجابة عن سؤال مركزي، وهو: كيف ستتحرك التنظيمات الإرهابية في سوريا خلال الفترة المقبلة، وكيف سيرد عليها النظام السوري؟.. وذلك على النحو التالي:
(&) تصاعد النشاط الإرهابي في الشمال السوري: قد تتجه بعض التنظيمات الإرهابية المتغلغلة في شمال سوريا إلى تصعيد أعمالها الإرهابية، وذلك بدفع عناصرها لاستغلال بعض المظاهرات التي خرجت في مدن إدلب والباب وأعزاز وجرابلس وعفرين الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، التي أعلنت احتجاجها على مشاركة الرئيس الأسد في القمة العربية، وعليه، فقد بدأت عناصر محسوبة على تنظيم "هيئة تحرير الشام" المنتشرة بمدن الشمال السوري سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو بالمدن التي تشهد وقفات احتجاجية، في قمع المتظاهرين، لإيصال رسالة مفاداها أن الشمال السوري غير مستقر، وفي الوقت ذاته، تجدر الإشارة إلى أن الهيئة التي ارتكبت على مدار السنوات الماضية ولا تزال انتهاكات بحق السوريين، لا تريد في الوقت الحالي الظهور بشكل مباشر أو توجيه الاتهامات لها بالوقوف وراء ما يحدث، في محاولة لتوظيف عودة سوريا لصالحها.
(&) مساعٍ إرهابية لإحكام السيطرة على إدلب: إن اتجاه تنظيم "هيئة تحرير الشام" لمحاولة تحسين صورته، والقول إن الهيئة بعيدة عن أية أعمال إرهابية تشهدها البلاد وأن تنظيم "داعش" هو المسؤول الأول عن أي هجوم إرهابي يقع بسوريا خلال الفترة المقبلة، يعكس رغبة "الجولاني" في محاولة تثبيت حكمه وتأمين عملية بقائه داخل سوريا وحشد الدعم الشعبي لصالحه، تخوفًا من أن تسهم عودة الأخيرة إلى الجامعة العربية والاتفاق مع بلدان المنطقة على دحر الإرهاب، في إبعاده عن المشهد. ولذلك فهو سيحاول من خلال هذه التحركات إلى إقناع المجتمع الدولي والقوى الإقليمية بأن التنظيم تخلى عن أفكاره الإرهابية وأنه كيان سوري يطمح في تحقيق أهداف تخدم تطلعات الشعب السوري، وهو ما يفسر سبب تغيير "الجولاني" لهيئته أخيرًا، التي ظهر بها بشكل واضح خلال حوار له مع الصحفي الأمريكي "مارتن سميث" في فبراير 2021، ووقتها ارتدى بدلة عصرية بدلًا من الزي العسكري، وهو ما لفت انتباه وسائل الإعلام الأمريكية، وردًا على هذا الظهور، فقد أعلن برنامج المكافآت من أجل العدالة التابع للخارجية الأمريكية عن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكان "الجولاني".
(&) جهود سورية عربية لدحر التنظيمات الإرهابية في سوريا: في ضوء العاملين السالف ذكرهما، فإنه من المتوقع، أن تتجه الحكومة السورية إلى استغلال عودة الدولة السورية إلى المحيط العربي والبدء في التعاون مع دول المنطقة لتقوية جميع مؤسساته الأمنية واتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة بناء الجيش السوري لمواجهة كل التنظيمات الإرهابية التي لها أهداف مباشرة وغير مباشرة داخل البلاد، والمضي قدمًا في عدم ترك الشعب السوري "فريسة" للميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية المنتشرة بالشمال السوري التي تعمل على استغلال تدهور أوضاعه الاقتصادية والمعيشية لدفعه للانضمام إليها، ولعل خطوة إنزال الميليشيا الموالية لإيران، "بادرة حُسن نية" من الحكومة السورية للمضي قدمًا في إخراج أي ميليشيا مسلحة أو قوى خارجية من البلاد، وهو الأمر الذي أكده الرئيس السوري بشار الأسد في كلمته بالقمة العربية التي انعقدت في جدة 19 مايو الحالي.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إنه حتى الآن لم يخرج "أبو محمد الجولاني" كما هو معتاد في تسجيل مرئي له على قناة "أمجاد الإعلامية" التابعة للتنظيم، للتعليق بشكل مباشر على مشاركة سوريا في القمة العربية، لكنه في أواخر أبريل المنصرم، خرج في تسجيل عنوانه "معايدة قيادة المحرر للوجهاء والكوادر"، وأعلن فيه رغبته لـ"التطبيع" مع الحكومة السورية، لكنه في الوقت ذاته، حاول إبراز قوة الهيئة، بالزعم أنها تستطيع قلب الأحداث في سوريا وأنها تمتلك أداوت القوى اللازمة لفعل ذلك، وعليه، ومع رفض الحكومة السورية المصالحة مع هذه الهيئة الإرهابية، فإنه من المتوقع أن يتجه التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية المنتشرة في سوريا، سواء تنظيم "داعش" أو تنظيم "حراس الدين" الإرهابيين إلى إعادة هيكلة وتنظيم صفوفهم العسكرية، للاستعداد لما ستشهده سوريا في القريب العاجل، في حال أعلن الرئيس السوري "الحرب على الإرهاب" في البلاد بالتعاون مع دول المنطقة.