الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

التأثيرات الاقتصادية لنمو قطاع التجزئة في الدول المختلفة

  • مشاركة :
post-title
قطاع التجزئة

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

في السنوات الأخيرة شهد قطاع التجزئة تطورًا ونموًا كبيرًا في الاقتصاديات المُختلفة، وذلك وفقًا لتقرير شركة الاستشارات الإدارية "أوليفر وايمان"، وهو الأمر الذي استدعى البحث في هذه الظاهرة عبر الاقتصاديات الكبرى والناشئة، إذ إنها سيكون لها كبير الأثر على مستقبلها الاقتصادي، بالأخص مع تصاعد التكنولوجيا الرقمية، التي تُتيح للشركات التواصل مع عملائها في أي مكان وأي وقت.

التأثيرات الاقتصادية لنمو قطاع التجزئة

وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على مدى انتشار هذه الظاهرة في عدد من الدول، مع التطرق إلى تحدياتها وآثارها الاقتصادية المُختلفة.

ماهية الظاهرة

يُمكن التعرف على ظاهرة البيع بالتجزئة من خلال النقاط التالية:

(-) توصيف الظاهرة: يُمكن تعريف ظاهرة البيع بالتجزئة أنها العملية التي تشتمل على بيع السلع والبضائع من مكان محدد مثل متجر أو كشك أو عن طريق البريد أو الإنترنت، ويتميز هذا السوق بالتنافسية المرتفعة، خاصة في ظل التطورات التكنولوجية الحالية، فالتجارة الإلكترونية أصبحت أحدث صور البيع بالتجزئة، فانتشار الهواتف الذكية والأجهزة المحمولة دفع إلى تغيير سلوك الشراء عند المستهلكين، وهو الأمر الذي دفع نمو سوق التجزئة.

(-) معدل انتشار الظاهرة: إن ظاهرة البيع بالتجزئة، خاصة سوق تجزئة البقالة، تتطور بشكل كبير في عدد من الاقتصاديات، التي سيتم توضيحها فيما يلي:

(&) الولايات المتحدة الأمريكية: تنتشر ظاهرة البيع بالتجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ بلغ حجم السوق حوالي 5.12 تريليون دولار في عام 2022 كما يوضح الشكل (1)، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 6.4 تريليون دولار في عام 2032، ووفقًا لاتحاد التجزئة الوطني، يوجد حوالي 4.2 مليون مؤسسة بيع بالتجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتميز هذا السوق بوجود فرص كبيرة للنمو، بما في ذلك المسوقين المباشرين أو أصحاب الوحدات الصغيرة أو المتوسطة الحجم، فمن المرجح نموه بمعدل سنوي مُركب 17%خلال الفترة من 2023 إلى 2032.

الشكل (1) يوضح حجم سوق التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية (2018 -2032)، المصدر: Research markets.

وفي هذا الإطار ارتفعت مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية من 6.52 تريليون دولار في عام 2021 إلى 7.04 تريليون دولار في عام 2022، أي ارتفعت بنسبة 8%، وذلك وفقًا للتقديرات الجديدة من مسح تجارة التجزئة السنوي لعام 2022 لمكتب الإحصاء الأمريكي، كما أن معدل النمو السنوي للمبيعات ارتفع كما يوضح الشكل (2) من 0.3 % في يناير 2024 إلى 2.8% في أكتوبر 2024.

الشكل (2) يوضح معدل النمو السنوي لمبيعات التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية، المصدر: مكتب الإحصاء الأمريكي.

(-) كوريا الجنوبية: يتميز قطاع التجزئة في كوريا الجنوبية بالنمو الكبير، الناتج عن الابتكارات التكنولوجية، خاصة التجارة عبر الإنترنت، وحلول الدفع عبر الهاتف المحمول، إذ قُدر حجم سوق قطاع التجزئة في كوريا الجنوبية بحوالي 473.61 مليار دولار أمريكي في عام 2022، بالمُقارنة بـ 345 مليار دولار في عام 2021، وكما ذهبت التوقعات أن يصل حجم السوق إلى 553.92 مليار دولار أمريكي في عام 2024، إذ شهدت صناعة التجزئة في كوريا الجنوبية نموًا بنسبة 6.3% على أساس سنوي في يوليو 2024.

(-) اليابان: قُدر حجم سوق التجزئة في اليابان بحوالي 1.01 تريليون دولار دولار في عام2021، إذ أصبحت متاجر التجزئة في اليابان المعروفة باسم "كونبيني" منتشرة بشكل كبير في المناطق الريفية والحضرية على مدار 24 ساعة، وهو الأمر الذي رفع حجم مبيعات التجزئة على أساس سنوي من 4.1% في أكتوبر 2023 إلى 4.7% في فبراير 2024 كما يوضح الشكل (3)، وعلى الرغم من التذبذب في معدل نمو المبيعات، إلا أن قيمته الموجبة توضح حجم هذا السوق في اليابان، فلم يصل إلى معدلات سالبة خلال فترة الدراسة، ومن الجدير بالذكر أن هناك ثلاثة لاعبين أساسين في هذا السوق (Eleven 7، Family Mart، Lawson) ينافسوا بقوة في البيع بالتجزئة، ودعم من هذه المنافسة التحالفات الاستراتيجية مثل إنشاء بان باسيفيك انترنشونال إتش دي ( Pan Pacific International HD).

الشكل (3) يوضح حجم مبيعات التجزئة في اليابان، المصدر: وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة.

ويُمكن القول إنه نتيجة التبني الكبير للتجارة عبر الهاتف المحمول والنمو في البقالة عبر الإنترنت في اليابان، سينتعش سوق التجزئة عبر الإنترنت بشكل كبير في اليابان، إذ أنه من المتوقع أن يرتفع من 155.5 مليار دولار في عام 2023 إلى 223.2 مليار دولار في عام 2028 كما يوضح الشكل (4) ، إذ تعتبر البقالة عبر الإنترنت هي أكبر فئة للبيع بالتجزئة بمبيعات بلغت 31 مليار دولار، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 9.5 مليار دولار في عام 2028.

الشكل (4) يوضح سوق التجزئة عبر الإنترنت في اليابان، المصدر: Research and markets.

(-) الصين: تُمثل الصين نموذجًا كبيرًا لبيع التجزئة عبر الإنترنت، إذ سجلت مبيعات التجزئة عبر الإنترنت حوالي 2.17 تريليون دولار في عام 2023، أي ارتفعت بنسبة 11% على أساس سنوي، فقد دفعت المنافسة الشديدة بين تجار التجزئة التي نتجت عن ارتفاع الطلب العام نحو المنتجات ذات الجودة، إلى نمو السوق بشكل كبير، بالأخص أن سوق بقالة التجزئة في الصين يُصنف بأنه ثاني أكبر سوق في العالم، إذ ذهبت أحدث توقعات تجارة التجزئة للبقالة الصينية الصادرة عن IGD Asia أن السوق قد يصل إلى 2.36 مليار دولار في عام 2026 مدفوعًا بالاتجاه نحو التحضر ونمو المدن ذات المستوى الأدنى و زيادة الوعي بالاستدامة.

(-) جمهورية مصر العربية: تُصنف الدولة المصرية أنها من أفضل الدول الناشئة في توجيه الاستثمار لقطاع التجزئة، إذ تعد من أكبر قواعد المستهلكين في المنطقة، كما تحتل المركز السادس بين 30 دولة نامية في مؤشر (Kearney Global Retail Development Index) خلال عام 2023، فقد شهدت مصر هذا العام نمو في حجم المعاملات من خلال نقاط البيع الإلكترونية بنسبة71 % في سبتمبر 2023 مُقارنة بعام 2021، فكما يوضح الشكل (5 ) بلغ حجم مبيعات التجزئة حوالي 303 مليار دولار بالمُقارنة بحوالي 115.5 مليار دولار في عام 2019؛ بسبب انتعاش سوق خدمات الشراء الآن والدفع لاحقًا "BNPL"، وفي هذا الإطار توقعت مؤسسة "فيتش سوليوشنز " أن ينمو قطاع التجزئة في مصر بنسبة 11% خلال السنوات الخمس المُقبلة.

الشكل (5) يوضح حجم مبيعات التجزئة في مصر (2019- 2023)

(-) السعودية والإمارات: تُعتبر كل من السعودية والإمارات في خضم مراحل التطور لقطاع التجزئة، ففي الإمارات شهد الإنفاق الاستهلاكي على فئات بيع التجزئة ارتفاع بنسبة 16% في عام 2023 وذلك بالمُقارنة مع عام 2022، وهو ما دفع تقييم حجم السوق بقيمة 40 مليار دولار في عام 2023 وبمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 6.5%، أما في السعودية بلغ حجم السوق حوالي 62 مليار دولار أمريكي، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 4.2% خلال الأعوام الخمس المُقبلة.

ووفقًا لتقرير "أوليفر وايمان" تتميز كل من السعودية والإمارات بالتركيبة السكانية الشابة والمتنوعة و التي لديها إلمام كبير بالتكنولوجيا، وهو الأمر الذي يوفر فرصًا كبيرة لبائعي التجزئة، فوفقًا للتقرير فإن من أهم العناصر الكامنة وراء قرارات المستهلكين تأتي في " القيمة" أو نماذج التخفيضات على سعر السلعة بنسبة 53% في الإمارات و51% في السعودية، وفي " الجودة" بنسبة 20% في الإمارات و 18% في السعودية، فالمتسوقون يبحثون عن المنتجات المحلية العالية الجودة، وهو ما يفتح فرصة كبيرة لسوق التجزئة، ويأتي العنصر الأخير في "النطاق" بنسبة 18% في الإمارات و 20% في السعودية، إذ يسمح لباعة التجزئة ابتكار العديد من الحلول؛ لتلبية احتياجات المستهلكين، خاصة الحلول والتقنيات المُعززة بالذكاء الاصطناعي، ومن هنا يُمكن القول أن مع التركيز على هذه العناصر سينمو سوق التجزئة في كل من السعودية والإمارات بشكل كبير.

تحديات الظاهرة

تواجه ظاهرة البيع بالتجزئة العديد من التحديات، التي يُمكن توضيحها فيما يلي:

(-) الضغوط التضخمية: تواجه متاجر التجزئة الضغوط التضخمية المنتشرة في الوقت الراهن؛ نتيجة التوترات الجيوسياسية، التي أثرت على أرباح هذه المتاجر بشكل كبير من خلال ثلاثة اتجاهات، الأول مُتمثل في إدارة المخزون مع تغيرات الأسعار، فتغير أسعار السلع من قبل الموردين مع تراكم المخزون، يُشكل صعوبة تعديل أسعار المخزون، مما يؤدي إلى خطر بيع عدم الأصناف، ويتمثل الثاني في أداء مُقيد للإيرادات وانخفاض في هامش الربح، فخوفًا من فقدان العملاء، يتردد تجار التجزئة نقل زيادة التكلفة إلى العملاء، بينما يتمثل الثالث في صعوبة استدامة العمليات التجارية في ظل الإيرادات المُقيدة و هامش الربح المُنخفض، وتشديد شروط الإقراض مع ارتفاع أسعار الفائدة على القروض، مما يزيد من احتمال إغلاق الشركات في قطاع التجزئة.

(-) النمو السريع للتكنولوجيا: إن استمرار ظاهرة البيع بالتجزئة تواجه تحدي كبير مُتمثل في التكنولوجيا المتطورة التي تستخدمها المتاجر الكبرى، فالنمو الكبير في التجارة الإلكترونية، تسبب في تعطل تجارة التجزئة التقليدية، إذ باتت تشهد العديد من المتاجر ومراكز التسوق انخفاض في حركة المشاة، فقد أعلن تجار التجزئة عن خطط لإغلاق حوالي 3365 متجرًا في النصف الأول من عام 2023، وهو رقم يزيد أربعة أضعاف عن عدد عمليات إغلاق المتاجر في النصف الأول من عام 2022 وذلك وفقًا للاتحاد الوطني لتجارة التجزئة، فمع نمو التجارة الإلكترونية تظهر التحديات اللوجستية، حيث تتطلب تلبية طلبات العملاء في الوقت المحدد إدارة سلسة التوريد بكفاءة مرتفعة.

(-) ارتفاع معدل دوران العمل: تُعاني تجارة التجزئة من ارتفاع كبير في معدل دوران الموظفين، إذ بينت إحدى الدراسات الاستقصائية من شركة أوركل أن تجارة التجزئة عانت في عام 2022 من معدل دوران يبلغ 75%، وهو الأمر الذي يفقد القطاع ميزة استقطاب موظفين ذوي خبرة مناسبة تعمل على الارتقاء به.

الانعكاسات الاقتصادية

ينعكس نمو قطاع التجزئة في الاقتصاديات المختلفة على تحقيق العديد من المردودات الإيجابية، وذلك على النحو التالي:

(-) ارتفاع منفعة المستهلك: يُقدم تجار التجزئة، خاصة في مجال البقالة، المزيد من الخيارات في فئات الأغذية، كما يطبقون ممارسات تجارية أكثر استدامة، بالإضافة إلى ذلك يتميز هذا القطاع أنه يعمل على مواجهة حالات التضخم المرتفعة في معظم الأسواق، وتقطع سلاسل التوريد الناتج عن التوترات الجيوسياسية، من خلال المضي قدمًا في استخدام التقنيات التكنولوجية، التي تدفع المتسوقين للتحول إلى سلع أقل تكلفة تحمل علامات تجارية خاصة، كما تضيف متاجر المواد الغذائية تكنولوجيا الأتمتة؛ لخفض التكاليف مثل ملصقات الأسعار الإلكترونية على الأرفف، والكاميرات لقياس مستوى المخزون، وهو ما يُخفض العديد من التكاليف، بالإضافة إلى ذلك تتميز متاجر تجزئة البقالة باقتصاديات الحجم الكبير، إذ تعمل على توزيع التكاليف مثل الإيجار و الأجور على العديد من العناصر المُباعة، الأمر الذي يُقلل من تكلفة السلعة المُباعة على المستهلك.

(-) ارتفاع معدل التشغيل: يستقطب قطاع التجزئة عددًا كبيرًا من العمالة في الاقتصاديات المختلفة، إذ أنه يوفر حوالي 55 مليون وظيفة في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2022 وفقًا لتقرير برايس ووتر هاوس كوبرز، توظف متاجر البقالة و السوبر ماركت حوالي 3.2 مليون شخص من إجمالي وظائف القطاع وفقًا لمكتب إحصاءات العمل، بينما يوظف قطاع التجزئة حوالي 30 مليون شخص في الاتحاد الأوربي، منهم 5.6 مليون في متاجر التجزئة، وفي مصر يُعتبر قطاع التجزئة هو القطاع التوظيفي الأكبر، إذ يوظف أكثر من 4.1 مليون فرصة عمل في الاقتصاد، ومن هنا تتضح المُساهمة الاقتصادية الكبيرة لقطاع التجزئة في تخفيض معدلات البطالة في الاقتصاديات.

(-) ارتفاع النمو الاقتصادي: يُساهم قطاع التجزئة بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي في العديد من الدول، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يُساهم هذا القطاع بحوالي 5.3 تريليون دولار، وفي الاتحاد الأوربي يُساهم قطاع التجزئة بنسبة 11.5% من القيمة المضافة للاتحاد، وفي السعودية يُساهم قطاع التجزئة بنسبة 23% في الاقتصاد غير النفطي، كما من المُرجح أنه سيُساهم بحوالي 122.6 مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2024، وفي مصر يُساهم قطاع التجزئة بحوالي 14.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

وعليه، يُمكن القول إن قطاع التجزئة شهد مراحل نمو كبيرة في الفترة الأخيرة، مدفوعًا بالتصاعد الملحوظ لبيع التجزئة عبر الإنترنت والتحولات في السوق الاستهلاكي، إذ أصبح أحد الركائز الاقتصادية الهامة في العالم، ولكنه يظل يواجه العديد من التحديات التي تنتُج من التنافس الشديد مع المتاجر الكبرى، التي تمتلك الموارد المادية والبشرية والتكنولوجية الهائلة، وهو ما يتوجب مواجهته من خلال استمرار متاجر التجزئة في الابتكار؛ للحفاظ على مكانتها في الأسواق المُختلفة.