منذ استضافة مصر لمؤتمر المناخ "COP 27" في نوفمبر 2022، وما سبقه من إجراءات وسياسات لتوطين محاور الاقتصاد الأخضر منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم، بدأت الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة المتجددة تنجذب إلى مصر بشكل كبير في الفترة الأخيرة، إذ أصبحت مصر وجهة استثمارية أولى للعديد من الدول لإقامة مشروعات الطاقة المتجددة، وهو ما يحقق العديد من الإنجازات الاقتصادية.
وفي ضوء ما سبق يهدف هذا التحليل إلى التعرف على الاستثمارات الأجنبية المختلفة بمصر في مجال الطاقة المتجددة، وإبراز أثر هذه الاستثمارات والقيمة المضافة التي ستُحققها للاقتصاد المصري.
الاستثمارات المتجددة في مصر
زادت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مجال الطاقة المتجددة بشكل كبير في الاقتصاد المصري، كما سنوضح في النقاط التالية:
(*) حجم الاستثمارات المتجددة: تضاعف حجم الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة المتجددة إلى 3.5 مليار دولار، خلال العام المالي 2021/2022 مقارنة بالعام المالي 2020/2021، وهو ما يوضح توسع الاستثمارات الأجنبية في مصر بهذا المجال، إذ إن تضاعفها خلال سنة يوضح الاهتمام المتزايد من قبل الدول المختلفة لزيادة تدفقاتها الاستثمارية لتنفيذ مشروعات للطاقة المتجددة في مصر، كما أشارت التقديرات إلى أن حجم استثمارات الهيدروجين الأخضر المعلنة في مصر تقدر بنحو 107 مليارات دولار؛ إذ حصلت مصر على 40% من إجمالي الاستثمارات المعلنة في الشرق الأوسط وإفريقيا، وجاء ذلك انعكاسًا لمؤتمر "COP 27".
وحصلت مصر على تعهدات بقيمة 100 مليار دولار لمشروعات الهيدروجين الأخضر، التي يتم تمويل معظمها من الشركات الأجنبية بنسبة 53%، وتمول الشركات الهندية نسبة 21% من قيمة هذه الاستثمارات، وهو ما يوضح التوسع المستقبلي الذي ستشهده مصر للاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة المتجددة.
(*) استثمارات متعددة: تتعدد جنسيات الشركات الأجنبية التي تستثمر في مجال الطاقة المتجددة بمصر، على النحو التالي:
- استثمارات نرويجية: وقعت شركة "سكاتك" النرويجية اتفاقية مع وزارة الكهرباء لتخصيص قطعة أرض لإنشاء محطة رياح في محافظة سوهاج، التي تبلغ تكلفتها الاستثمارية 5 مليارات دولار، وقدرتها الإنتاجية 5 جيجا وات، وتعد الاتفاقية أحد الاتفاقات التي جرت على هامش مؤتمر المناخ "cop 27"، إذ تم خلال المؤتمر توقيع مذكرة التفاهم الخاصة بهذه المحطة.
بالإضافة إلى ذلك شاركت شركة سكاتك في إنشاء وتشغيل أول منشأة للهيدروجين الأخضر في مصر بمنطقة العين السخنة، بقدرة إنتاجية 100 ميجاوات، بالتعاون مع صندوق مصر السيادي و"أوراسكوم كونستراكشن" وشركة "فيرتيجلوب"، أبريل 2022، إذ يتم توريد الهيدروجين الأخضر المُنتج لشركة "فيرتيجلوب" الرائدة في مجال إنتاج الأمونيا، إذ يُستخدم الهيدروجين الأخضر كمادة وسيطة لإنتاج الأمونيا الخضراء، ومن المقرر أن يدخل المشروع حيز التشغيل في عام 2024.
كما تم توقيع اتفاقية للتطوير المشترك لإنتاج الميثانول الأخضر بقيمة استثمارات 450 مليون دولار في محافظة دمياط، وتخطط الشركة لتوقيع اتفاقية تطوير مشتركة لمصنع لإنتاج الأمونيا الخضراء في العين السخنة، بطاقة إنتاجية تُقدر بنحو مليون طن سنويًا وبتكلفة استثمارية تُقدر بنحو 5.5 مليار دولار، وكما تقوم الشركة بتشغيل 6 محطات للطاقة الشمسية في بنبان بأسوان بقدرة إنتاجية تبلغ 380 ميجاوات.
وبالإضافة إلى هذه الاستثمارات تعمل شركة "سكاتك" على الربط الكهربائي بين مصر وأوروبا عبر إيطاليا، إذ بدأت في دراسة تنفيذ هذا المشروع بقدرة 3 جيجاوات، وهو ما سيحقق العديد من الفوائد الاقتصادية لمصر في المرحلة المقبلة، ومن هنا يتضح توسع استمارات شركة "سكاتك النرويجية" في مصر بشكل كبير.
- استثمارات إماراتية: وقعت شركة "مصدر" الإماراتية وشركة "إنفينيتي باور" أكبر شركة للطاقة المتجددة في إفريقيا وشركة "حسن علام للمرافق" المتخصصة في البنية التحتية المستدامة، اتفاقية مع "هيئة الطاقة المتجددة" لإقامة مشروع محطة رياح بقدرة إنتاجية 10 جيجا وات، وبتكلفة استثمارية تتجاوز 10 مليارات دولار، وهو ما يدعم القول إنها ستكون أكبر محطة رياح في العالم عند اكتمالها.
- استثمارات هندية: تزداد الاستثمارات الهندية في مصر بمشروعات الطاقة المتجددة بشكل كبير، إذ سيتدفق 8 مليارات دولار من شركة "رينيو باور" الهندية من أجل إنتاج الهيدروجين الأخضر، وسينتج المشروع في مراحله التجريبية 20 ألف طن سنويًا من الهيدروجين الأخضر، وسيتوسع لينتج 200 ألف طن في المراحل المتقدمة، وكما سيتدفق 12 مليار دولار لإنتاج مصنع للهيدروجين الأخضر بطاقة إنتاجية 2.2 مليون طن سنويًا في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس من خلال شركة "إيه سي إم" الهندية.
- استثمارات غربية: قدمت شركة "إيني" الإيطالية العملاقة في مجال النفط والطاقة، وشركة "جنرال إلكتريك" الأمريكية وشركة "تيسن كروب" الألمانية، عروضًا لمصر لتنفيذ استثمارات بقيمة 2 مليار دولار في مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق، وهو ما يوضح التنوع الشديد في الاستثمارات التي تأتي إلى مصر، وإن الدولة المصرية أصبحت جاذبة للاستثمارات المتجددة بفضل السياسات الرشيدة التي اتخذتها الدولة والمشروعات التي نفذتها في الفترة الأخيرة بمجال الطاقة المتجددة.
تأثيرات إيجابية
من الرصد السابق الذي يبرز التزايد الكبير في الاستثمارات الأجنبية بمجال الطاقة المتجددة، تتضح التأثيرات الإيجابية على النحو التالي:
(#) زيادة التدفقات الأجنبية: تعكس قيمة الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة المتجددة ارتفاعًا كبيرًا في التدفقات الدولارية إلى مصر، إذ سيتدفق إلى مصر أكثر من 11 مليار دولار، نتيجة الاستثمارات المختلفة لشركة "سكاتك" النرويجية داخل الدولة، بالإضافة إلى 10 مليارات دولار لتأسيس محطة الرياح بواسطة شركة "مصدر الإماراتية"، فضلًا عن 2 مليار دولار من العروض الأربعة المُقدمة لمصر من الشركات (الإيطالية والألمانية والبريطانية والأمريكية) لإنتاج الهيدروجين الأخضر، إذ بلغت قيمة استثمارات الهيدروجين الأخضر المعلنة 107 مليارات دولار، ويُمكن القول إن مصر سيتدفق لها أكثر من 138 مليار دولار من هذه الاستثمارات، وهو ما يوضح التأثير الكبير للاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة المتجددة على جذب العملة الصعبة.
(#) زيادة فرص العمل: تُزيد الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة المتجددة من القوى العاملة في مصر، إذ تزداد القوى العاملة كما هو موضح بالجدول رقم (1) بنحو 18 ألف فرصة عمل في مرحلة الإنشاء، و900 فرصة عمل دائمة، كما أشارت التقديرات إلى أن مشروعات الطاقة المتجددة في مصر ستعمل على توفير 300 ألف فرصة عمل بحلول عام 2030، وهو ما يوضح التأثير الإيجابي لهذه المشروعات على الحد من معدلات البطالة في مصر.
(#) زيادة إنتاج الطاقة المتجددة: يتضح من الشكل رقم (1) التزايد الكبير في حجم الطاقة المتولدة من الطاقة المتجددة، إذ ارتفعت من 2780 جيجاوات/ ساعة في عام 2016/2017 إلى 10202 جيجاوات/ ساعة في عام 2020/2021، ما يوضح التأثير الكبير لحجم الاستثمارات المحلية والأجنبية على زيادة الطاقة الإنتاجية لمشروعات الطاقة المتجددة في مصر.
كما ستُحقق الاستثمارات المُشار إليها سابقًا طفرة في الإنتاج المستقبلي للطاقة المتجددة، إذ ستنتج محطة رياح شركة "مصدر" الإماراتية 47790 جيجاوات/ ساعة من الطاقة النظيفة سنويًا، وكما ستزيد شركة "سكاتك" النرويجية من إنتاج الميثانول الأخضر بقيمة 40 ألف طن كمرحلة أولى، وسترتفع إلى 200 ألف طن سنويًا كمرحلة تالية، وهو ما سيعمل على زيادة الوقود الأخضر داخل مصر واستخدامه بشكل أساسي في تزويد السفن، وهو ما سيضع مصر على الخريطة العالمية لإنتاج الوقود الأخضر، وسيرفع مشروع طاقة الرياح بسوهاج الطاقة الإجمالية المتولدة من طاقة الرياح بالمحافظة إلى 15 جيجاوات، ما سيجعل سوهاج مركزًا لطاقة الرياح في مصر.
(#) تقليل الانبعاثات الكربونية: التوسع في إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة سيعمل على الحد من الانبعاثات الكربونية بشكل كبير، إذ تُسهم محطة الرياح التي ستُنفذها شركة "مصدر" الإماراتية في تفادي الانبعاثات بنحو 28.8 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أي ما يعادل 9% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الحالية في مصر، ونتيجة لهذه الاستثمارات أسهمت مشروعات الطاقة المتجددة بمصر في خفض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون بنحو 10.9 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى توفير الوقود بنحو 4.3 مليون طن مكافئ نفط، وهو ما يُقربنا من هدف "تصفير الانبعاثات الكربونية" في مصر، الذي سيجذب مزيدًا من الاستثمارات داخلها.
(#) تقليل التكاليف: يعمل انتشار مشروعات الطاقة المتجددة على تحقيق وفرات الحجم الكبير، إذ من المتوقع أن توفر محطة الرياح التي ستنفذها شركة "مصدر" نحو 5 مليارات دولار سنويًا من تكاليف الغاز الطبيعي، ومع التوسع في هذه المشروعات ستقل التكاليف بقيمة 900 مليون دولار أمريكي في عام 2030، أي بواقع 7 دولارات لكل ميجاوات/ ساعة، بالإضافة إلى تخفيض التكاليف الناتجة من تلوث الهواء بقيمة 4.7 مليارات دولار سنويًا في عام 2030، وهو ما يُحقق فوائد صحية واجتماعية عديدة، تعمل على تخفيض التكاليف المُنفقة على علاج أمراض المواطنين في الأجل الطويل.
وفي النهاية؛ يتضح أن الدولة المصرية جعلت من اقتصادها نموذجًا للتحول الأخضر الذي يعمل على ترسيخ محاور الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات الكربونية في جميع قطاعاته، فضلًا عن السياسات المحفزة للاستثمار الأجنبي التي اتخذتها الدولة بشكل موسع في الفترة الأخيرة، وهو ما جذب العديد من الشركات الأجنبية للاستثمار في مجال من المجالات المهمة "الطاقة المتجددة"، وهو ما سيحقق العديد من العوائد الإيجابية للاقتصاد المصري في الأجلين المتوسط والطويل.