في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية على حدود الاتحاد الأوروبي، تتحرك دول البلطيق بخطوات حازمة لتعزيز أمنها القومي، ليتوانيا، في قلب هذا الجهد، حيث أطلقت مشروعًا غير مسبوق لتطوير تحصينات دفاعية مضادة للدبابات، بعد أن باتت الأزمات الأمنية تلقي بثقلها على دول المنطقة.
وبين تصنيع القنافذ الحديدية وزراعة حدائق التحصينات، تسعى الدولة الأوروبية لمواجهة أي تهديد عسكري محتمل قد يضع المنطقة أمام فصل جديد من الحرب الهجينة.
بناء التحصينات العسكرية
بدأت شركة "جيلميستا"، المتعاقدة مع وزارة الدفاع الليتوانية وإدارة فيلنيوس، بإنتاج مكثف للعوائق المضادة للدبابات، ويُنتج المصنع يوميًا بين 60 إلى 180 قنفذًا معدنيًا، اعتمادًا على الطلب، وفق صحيفة "LRT" الليتوانية.
وأوضح دوناتاس جانكوسكاس، الرئيس التنفيذي للشركة، أن عملية الإنتاج تشمل استخدام ما بين 12 إلى 15 طنًا من المعدن يوميًا.
تحسين التصميم العسكري
بالتعاون مع الجيش الليتواني، تم تحسين تصميم القنافذ لتشمل خطافات تربط الأسلاك الشائكة، ما يزيد من كفاءتها الدفاعية، ويُعَدّ هذا التحسين جزءًا من جهود تعزيز الجاهزية العسكرية في مواجهة الأزمات.
وضمن خطة دفاع بحر البلطيق، تعمل ليتوانيا على إنشاء عشرات الحدائق المخصصة لتخزين التحصينات، بما في ذلك القنافذ المعدنية والأسلاك الشائكة والألغام، وقد خصصت بلدية فيلنيوس 1.2 مليون يورو لإنشاء هذه الحدائق، مع تخزين 900 قنفذ معدني جاهز للاستخدام.
تحديات تخصيص الأراضي
رغم التقدم المحرز، تواجه بعض البلديات صعوبة في توفير الأراضي اللازمة لهذه الحدائق، وصرّح وزير الدفاع لوريناس كاسيوناس بأن المحادثات مع البلديات لا تزال جارية لضمان توفر مواقع كافية لتخزين المعدات.
وفي يونيو الماضي، تقدمت دول البلطيق (ليتوانيا، لاتفيا، إستونيا) إلى جانب بولندا، بمقترح للاتحاد الأوروبي لإنشاء خط دفاع على طول الحدود الشرقية الممتدة 700 كيلومتر مع روسيا وبيلاروسيا.
وجاء هذا المقترح في رسالة موجهة إلى رئيس الاتحاد الأوروبي، حيث شُدد على ضرورة البنية التحتية الدفاعية لتلبية متطلبات حلف شمال الأطلسي (الناتو) وحماية الاتحاد الأوروبي من التهديدات العسكرية والهجينة.
قدّر الاتحاد الأوروبي تكلفة هذا المشروع الضخم بنحو 2.5 مليار يورو، ويُتوقع أن يشمل التمويل تطوير أنظمة دفاعية حديثة وتأمين الحدود بصورة فعّالة.
تخريب الكابلات البحرية
في حادثة منفصلة، تعرض كابلان بحريان للإنترنت في بحر البلطيق لأضرار كبيرة، ما أثار شبهات بتخريب متعمد، وتحقق السلطات الأوروبية في الحادث، مع الإشارة إلى وجود سفن روسية وصينية في المنطقة.
وأوضح الصحفي بيير هاسكي في "فرانس إنتر" أن الكابلات البحرية باتت أهدافًا رئيسية في الحروب الهجينة، وأشار إلى أن روسيا، بوصفها الدولة الوحيدة المطلة على بحر البلطيق خارج حلف الناتو، تسعى لتعزيز نفوذها عبر استهداف البنية التحتية الحيوية في المنطقة.
مستقبل التحصينات
لتلبية الطلب المتزايد، قامت شركة "جيلميستا" بتوظيف عمال إضافيين واستخدام روبوتات صناعية لتسريع الإنتاج، كما تعاونت مع مقاولي المعادن الأوروبيين لتأمين المواد الخام اللازمة.
صرّح أندريوس جريجونيس، نائب رئيس بلدية فيلنيوس، بأن بعض الحواجز يمكن أن تُستخدم لأغراض مدنية، مثل تأمين المناطق خلال الفعاليات الجماهيرية، ما يعكس مرونة في توظيف التحصينات.
مواجهة التحديات بحزم
في ظل ازدياد المخاطر على الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي، تظهر ليتوانيا نموذجًا للدول الصغيرة التي تأخذ مسؤوليتها الأمنية بجدية عبر استراتيجيات مبتكرة وتحالفات إقليمية، تبني الدولة حاجزًا يحميها من التهديدات المستقبلية.
وبينما تواجه تحديات في التنفيذ، يبقى الهدف الأسمى هو ضمان أمن واستقرار المنطقة في وجه تصاعد التوترات الجيوسياسية.