كشفت صحيفة "التليجراف" البريطانية عن تفاصيل وتداعيات قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بالسماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ أمريكية بعيدة المدى لضرب أهداف داخل الأراضي الروسية، إذ يأتي هذا القرار في وقت حساس للغاية مع تغير المشهد السياسي في الولايات المتحدة، عقب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، مما يضع كييف في موقف صعب للاستفادة من هذا الدعم العسكري قبل أي تغييرات محتملة في السياسة الأمريكية مع الإدارة الجديدة.
محدودية القرار تقوض فعاليته
في تفاصيل القرار الأمريكي الذي كشفت عنه "التليجراف"، تبرز ثلاثة قيود رئيسية تحد بشكل كبير من فعالية هذه الخطوة العسكرية، إذ إن القيد الأول وأبرزها هو القيد الجغرافي، حيث يقتصر استخدام صواريخ "أتاكمز" على منطقة كورسك فقط، في محاولة من أوكرانيا للحفاظ على موطئ قدم استراتيجي يمكن استخدامه كورقة تفاوضية في محادثات السلام المستقبلية.
وفي هذا السياق، يؤكد أندري زاجورودنيوك، وزير الدفاع الأوكراني السابق، أن هذه الصواريخ "ستساعد في كورسك، لكنها قليلة جدًا ومتأخرة جدًا".
ويضيف أن القتال في كورسك يتسم بطابع تكتيكي، حيث يستخدم الطرفان وحدات صغيرة متفرقة للسيطرة على الأراضي أو استعادتها.
وتشير التقارير إلى أن العديد من الأهداف المهمة التي تقع ضمن مدى صواريخ أتاكمز، والتي تشمل مئات القواعد الجوية والمنشآت العسكرية في مناطق سمولينسك وكالوجا وبريانسك وتولا وليبيتسك وبلجورود وفورونيج وروستوف وكراسنودار، لا تزال خارج نطاق الاستهداف المسموح به.
وفي هذا الإطار، يوضح كونراد موزيكا، مدير مؤسسة روشان للاستخبارات المفتوحة المصدر في بولندا، أن روسيا قد قامت بالفعل بتشتيت مراكز تجمع ذخيرتها وقواتها، مما يحد بشكل كبير من الأهداف المتاحة للقوات الأوكرانية.
التأخير الاستراتيجي وتكيف روسيا
تكشف "التليجراف" عن أن القيد الثاني يتعلق بعامل الوقت، حيث سمح التأخير الطويل في اتخاذ هذا القرار لروسيا بتطوير قدراتها الدفاعية بشكل كبير.
فعندما تلقت أوكرانيا لأول مرة صواريخ دقيقة من الغرب في خريف 2022، أحدثت تغييرًا جوهريًا في مسار المعارك، إذ لعبت صواريخ GMLRS التي تم توفيرها مع منصات الإطلاق الأمريكية "هايمارس" دورًا محوريًا في نجاح الهجمات الأوكرانية في خيرسون وخاركيف.
لكن بعد مرور عامين منذ ذلك الحين منح روسيا الوقت الكافي للتكيف، سواء من خلال تشتيت مراكز الإمداد وتجمعات القوات أو تطوير قدرات التشويش والاعتراض.
وعندما تلقت أوكرانيا صواريخ أتاكمز لأول مرة، والتي يصل مداها إلى 300 كيلومتر، في أواخر عام 2023، استخدمتها بفعالية كبيرة في الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك عدة ضربات بارزة على قواعد جوية في شبه جزيرة القرم.
لكن النقاش العام حول السماح بإطلاقها داخل روسيا نفسها استمر لفترة طويلة لدرجة أن موسكو اتخذت بالفعل إجراءات مضادة.
وكشف معهد دراسة الحرب في أغسطس الماضي أن روسيا قامت بإعادة نشر طائراتها من 16 قاعدة جوية على الأقل تقع ضمن مدى صواريخ أتاكمز.
قيود الكمية والتحديات المستقبلية
أما القيد الثالث والأكثر تأثيرًا، فيتعلق بمحدودية عدد الصواريخ المتاحة، وفي هذا السياق، كشف كيريلو بودانوف، رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، في حديث نقلته "التليجراف" أن "100 صاروخ لن تغير الوضع"، مؤكدًا أن بلاده تحتاج إلى "مئات" من هذه الصواريخ على الأقل لإحداث تأثير حقيقي.
وعلى الرغم من أن الأرقام الدقيقة لصواريخ أتاكمز التي تلقتها أوكرانيا وما تبقى منها تظل سرية، إلا أن مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية عارضوا إرسال أعداد كبيرة منها إلى أوكرانيا؛ بسبب محدودية المخزون الأمريكي وحاجته للوفاء بالتزاماته الدفاعية في مناطق أخرى، وخاصة في منطقة المحيط الهادئ.
ومع اقتراب موعد تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب في يناير المقبل، يبرز تحدٍ جديد يتمثل في محاولات القوات الروسية والكورية الشمالية شن هجمات مضادة لاستعادة السيطرة على المنطقة قبل تغير الإدارة الأمريكية.
وفي هذا السياق، تزداد المخاوف من أن يكون العدد المحدود من الصواريخ غير كافٍ لإحداث تأثير كبير على العمليات العسكرية، خاصة مع تلويح روسيا بنجاحها في إسقاط واعتراض أنظمة التوجيه بنظام GPS لصواريخ GMLRS وأتاكمز.
أسباب التأخير وتداعياته
تعزو الصحيفة جزءًا كبيرًا من هذا التأخير إلى مخاوف أمريكية من إدارة مخاطر التصعيد المباشر مع روسيا، ويبدو أن وجود القوات الكورية الشمالية في كورسك ساعد البيت الأبيض في تصوير نشر صواريخ أتاكمز كرد فعل مبرر ضمن قواعد لعبة التصعيد غير المكتوبة، وهو أن روسيا رفعت حدة المواجهة أولًا بإدخال قوات أجنبية.
وفي تعليق على هذا النهج، يقول زاجورودنيوك: "بصراحة، الكثير من الناس في أوكرانيا مرتبكون من هذا القرار. لماذا يجب أن يكون رد فعل؟ لماذا لا يكون استباقيًا لمساعدة أوكرانيا على الفوز في الحرب، حتى لو كان نصرًا جزئيًا؟".
ويضيف: "لماذا علينا الانتظار حتى تصعد روسيا ثم نرد؟ هذا لا يمثل أي منطق على الإطلاق. يجب أن يبدأ الأمر بأهداف. لا ينبغي أن يبدأ برد الفعل على أهداف شخص آخر."