كشفت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن التداعيات البيئية الخطيرة المتوقعة لانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، إذ إن الانسحاب المرتقب يأتي في وقت يشهد فيه العالم ارتفاعًا قياسيًا في درجات الحرارة، مع توقعات بأن يكون عام 2024 الأكثر حرارة في التاريخ المسجل.
تهديد الأهداف البيئية
كشفت الصحيفة أن انسحاب ثاني أكبر مصدر للانبعاثات الكربونية في العالم من اتفاق باريس سيقوض بشكل كبير الجهود الدولية للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، إذ إن الولايات المتحدة - تحت إدارة بايدن - تعهدت بخفض انبعاثاتها إلى النصف بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات 2005.
ومع عودة ترامب للبيت الأبيض، الذي وصف التغير المناخي بأنه "خدعة كبيرة"، ستتخلى واشنطن عن هذا الالتزام البيئي الحيوي، ما يضع العالم أمام تحدٍ غير مسبوق في مكافحة التغير المناخي.
تسارع الكوارث البيئية
وتشير "بوليتيكو" إلى أن التسع سنوات التي مرت منذ توقيع اتفاق باريس شهدت ارتفاعًا مستمرًا في الانبعاثات الكربونية العالمية، مع تزايد حدة الكوارث الطبيعية من نيبال إلى نورث كارولاينا.
هذا الوضع المقلق سيزداد سوءًا مع انسحاب الولايات المتحدة، إذ يضع عبئًا إضافيًا على الدول الأخرى لتعويض الفجوة في خفض الانبعاثات، وهو ما قد يكون مستحيلًا عمليًا، حسب الصحيفة.
ومن شأن غياب المشاركة الأمريكية التأثير بشكل مباشر على الجهود العالمية لمكافحة الظواهر المناخية المتطرفة، التي أصبحت أكثر تواترًا وشدة في السنوات الأخيرة، فمع تجاهل ثاني أكبر اقتصاد في العالم لالتزاماته البيئية ستواجه المجتمعات في جميع أنحاء العالم مخاطر متزايدة من الفيضانات والجفاف والعواصف الشديدة وموجات الحر القاتلة.
التنوع البيولوجي
يحذر خبراء البيئة من أن تراجع الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي سيؤدي إلى تسارع فقدان التنوع البيولوجي، فمع ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الطقس، تواجه الأنظمة البيئية الهشة خطر الانهيار، ما يهدد بقاء آلاف الأنواع من النباتات والحيوانات، وفقًا للصحيفة.
وفي السياق ذاته، يؤكد ديفيد واسكو، رئيس مبادرة المناخ الدولية في معهد الموارد العالمية، أن المخاطر الحقيقية لا تكمن فقط في تخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها بل في التأثير المضاعف على النظم البيئية العالمية التي تقترب بالفعل من نقاط تحول خطيرة.
تحديات عالمية
وأشارت "بوليتيكو" إلى تحول محتمل في موازين القوى العالمية بمجال حماية البيئة، فمع انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس، ستظهر الصين كقوة رئيسية في مجال التقنيات الخضراء والطاقة المتجددة.
وتشير التقديرات إلى أن بكين - التي تعد أكبر شريك تجاري لمعظم دول العالم - ستعزز هيمنتها على صناعات الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية والتقنيات الصديقة للبيئة.
ويحذر جوناثان بيرشينج، المبعوث الخاص السابق لشؤون المناخ خلال إدارة أوباما، من أن هذا التحول سيكون له تأثير عميق على الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي، إذ إن الصين رغم كونها أكبر مصدر للانبعاثات في العالم تستثمر بكثافة في التقنيات النظيفة، ما يمنحها نفوذًا متزايدًا في تشكيل مستقبل السياسات البيئية العالمية.
التمويل والالتزامات العالمية
يواجه العالم تحديًا غير مسبوق في تمويل المشروعات البيئية مع انطلاق مؤتمر COP29 في أذربيجان، فالهدف الطموح بتحديد مساعدات مناخية عالمية تصل تريليون دولار سنويًا يبدو أكثر صعوبة مع انسحاب ثاني أكبر اقتصاد بالعالم.
وتنقل "بوليتيكو" عن خبراء المناخ تحذيرهم من أن غياب التمويل الأمريكي سيؤثر بشكل مباشر على قدرة الدول النامية على التكيف مع التغيرات المناخية وحماية أنظمتها البيئية الهشة.
ويشير ألدن ماير، كبير المحللين في مؤسسة E3G للفكر المناخي، إلى أن هذا النقص في التمويل سيؤثر بشكل خاص على المشروعات الحيوية لحماية الغابات المطيرة، وحفظ التنوع البيولوجي، وتطوير مصادر الطاقة النظيفة في الدول الأقل نموًا.
كما أن تراجع الالتزامات المالية يؤدي إلى تأخير حاسم في تنفيذ مشروعات التكيف مع التغير المناخي، ما يزيد من تعرض المجتمعات الضعيفة للمخاطر البيئية.
ولفتت الصحيفة إلى أن انسحاب الولايات المتحدة سيؤثر سلبًا على الانتقال العالمي نحو الطاقة النظيفة، فكما أوضح بيرشينج، سيؤدي غياب المشاركة الأمريكية إلى إبطاء التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة، ما يعني استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري لفترة أطول، وبالتالي المزيد من الضرر البيئي.