في خطوةٍ غير متوقعةٍ تكشف عن تحولات عميقة في المشهد السياسي الأمريكي، شارك الملياردير إيلون ماسك في أول مكالمة هاتفية بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بعد إعلان فوز الأخير في انتخابات الرئاسة الأمريكية يوم الأربعاء، وفي هذا الصدد كشفت صحيفة الجارديان عن تفاصيل هذا اللقاء الافتراضي الذي يُعد مؤشرًا قويًا على الدور المتنامي لماسك في السياسة الأمريكية والعلاقات الدولية.
مكالمة ثلاثية
في تفاصيل أوردتها صحيفة الجارديان، استمرت المكالمة الثلاثية لمدة 25 دقيقة، حيث فاجأ ترامب نظيره الأوكراني بتمرير الهاتف إلى ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" ومالك منصة "إكس".
وخلال المحادثة، تناول الطرفان قضية خدمات الإنترنت الفضائي التي تقدمها شركة ستارلينك لأوكرانيا، حيث عبر زيلينسكي عن امتنانه لهذا الدعم التقني الحيوي.
وتشير مصادر الصحيفة إلى أن هذه المكالمة تعكس تحولًا جوهريًا في طبيعة العلاقات الدبلوماسية الأمريكية، إذ يظهر فيها رجل الأعمال كوسيط مؤثر في العلاقات الدولية، في سابقة تاريخية تستحق التوقف عندها.
وفي سياقٍ متصلٍ، نقلت الجارديان عن مصادر مطلعة أن المكالمة شهدت تأكيدات من ترامب على استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وإن لم يتطرق إلى تفاصيل محددة حول طبيعة هذا الدعم ومداه.
وقد عكست تصريحات زيلينسكي اللاحقة ارتياحًا نسبيًا لنتائج المحادثة، حيث غرد على منصة "إكس"، مؤكدًا أهمية الحفاظ على حوار وثيق وتعزيز التعاون المشترك، مشددًا على أن "القيادة الأمريكية القوية والثابتة ضرورية للعالم ومن أجل سلام عادل.
ماسك بين موسكو وكييف
في تحليل معمق للعلاقة المعقدة بين ماسك وأوكرانيا، استعرضت الجارديان مسيرة حافلة بالتناقضات والتحولات، إذ بدأت العلاقة بشكل إيجابي مع تقديم خدمات ستارلينك مجانًا لأوكرانيا في بداية الحرب، بدعم من الحكومة الأمريكية وجهات أخرى.
غير أن هذا الدعم شهد منعطفًا آخر عندما رفض ماسك تفعيل الأقمار الصناعية فوق شبه جزيرة القرم استجابة لطلب أوكراني عاجل.
وكشفت السيرة الذاتية التي كتبها والتر إيزاكسون عن تبريرات ماسك لهذا الموقف، إذ أكد رغبته في تجنب تورط شركته "سبيس إكس" فيما وصفه بـ"عمل حربي كبير وتصعيد للصراع".
وتكشف الصحيفة عن معلومات مثيرة حول علاقات ماسك مع موسكو، حيث نقلت عن صحيفة وول ستريت جورنال وجود اتصالات منتظمة بين ماسك والرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ عام 2022.
وتشير التقارير إلى أن هذه الاتصالات تناولت قضايا استراتيجية، من بينها طلب بوتين من ماسك عدم تفعيل خدمة ستارلينك فوق تايوان، استجابة لرغبة الرئيس الصيني شي جين بينج.
وفي رد فعل لافت على هذه التقارير، غرد ماسك على منصة "إكس" مستخدمًا نبرة ساخرة: "حسنًا، لم تنجح محاولة المستنقع في وصف "ترامب بهتلر"، فلنجرب وصف "إيلون بالعميل الروسي".
تحولات استراتيجية
وتؤكد الجارديان أن مشاركة ماسك في المكالمة مع ترامب وزيلينسكي، تأتي في سياق أوسع من التحولات السياسية العميقة التي تشهدها الولايات المتحدة، إذ قام ماسك بحملة قوية لدعم ترامب في الانتخابات الرئاسية التي جرت الثلاثاء الماضي، مما يعزز موقعه كأهم شخصية مدنية في البلاد مع اقتراب موعد تنصيب ترامب في يناير المقبل.
وتُشير الصحيفة إلى أن هذا الدور المتنامي لماسك يثير تساؤلات جوهرية حول حدود تأثير رجال الأعمال في السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة في ظل المصالح المتشابكة والعلاقات المعقدة مع القوى الدولية المختلفة.
وتختتم الجارديان تحليلها بالإشارة إلى أن هذه التطورات تأتي في لحظة فارقة من تاريخ العلاقات الدولية، حيث تتصاعد التوترات العالمية وتتشابك المصالح الاقتصادية مع الاعتبارات الجيوسياسية، فموقف ماسك المتأرجح بين دعم أوكرانيا وتجنب استفزاز روسيا، إلى جانب علاقاته المتشعبة مع القوى العالمية المختلفة، يجعل من دوره في المشهد السياسي الأمريكي والدولي محل اهتمام ومتابعة دقيقة من قبل المراقبين والمحللين السياسيين في مختلف أنحاء العالم.