بينما تستعد أمريكا لانتخابات رئاسية مصيرية، تقف بريطانيا على أعتاب مرحلة جديدة في علاقتها الخاصة مع واشنطن، في خضم هذه الأجواء، يقود رئيس الوزراء البريطاني الجديد، كير ستارمر، حزبه للتعافي من فترات اضطراب سياسي داخلي، آملًا أن يتمكن من استعادة الثقة الشعبية.
العلاقة التي طالما كانت راسخة بين بريطانيا وأمريكا باتت تواجه تعقيدات وتحديات غير مسبوقة مع صعود احتمالات بزعامة ديمقراطية بقيادة نائبة الرئيس كامالا هاريس، بينما يلوح شبح الرئيس السابق دونالد ترامب في الأفق الانتخابي.
أوجه تشابه بين ستارمر وهاريس
يشير تقرير بصحيفة "سي إن إن" الأمريكية إلى أن العلاقة البريطانية الأمريكية الحالية قد تصبح أكثر تعقيدًا، حيث يرى محللون أن هناك أوجه تشابه بين خلفيات كير ستارمر وكامالا هاريس، من حيث مواقفهما السياسية ومسيرتهما نحو السلطة.
وتقول كلير أينسلي، المديرة التنفيذية السابقة للسياسات في حزب العمال، إن الناخبين الذين تسعى هاريس إلى جذبهم هم شريحة قريبة من الناخبين الذين استهدفهم ستارمر في بريطانيا، ما يوضح تقاطعًا غير مألوف في استراتيجيات الأحزاب السياسية لدى الحلفاء التقليديين.
وقدمت "أينسلي" هذه الأفكار إلى كبار الاستراتيجيين الديمقراطيين الأمريكيين وخبراء استطلاعات الرأي خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي الأخير، مشيرة إلى أن تبادل الاستراتيجيات بين المعسكرين سيف ذو حدين قد يزعج أطرافًا سياسية كترامب، الذي انتقد حزب العمال البريطاني واتهمه بـ"التدخل الأجنبي" في الانتخابات الأمريكية.
ترامب وتوتر غير مسبوق
أثار الرئيس السابق دونالد ترامب عاصفة من الجدل إثر اتهامه لحزب العمال البريطاني بالتدخل في الانتخابات الأمريكية، حيث أشار إلى زيارة عدد من موظفي الحزب لأربع ولايات متأرجحة كدليل على محاولات للتأثير في الانتخابات.
من جهته، دافع حزب العمال عن موقفه مؤكدًا أن الزيارة كانت في وقت خاص للموظفين وبتمويلهم الشخصي، ومع ذلك، أشعلت هذه التصريحات توترات إضافية في العلاقة بين البلدين، فيما لا يزال هناك دعم واضح لحملة ترامب من شخصيات بريطانية بارزة، مثل رئيسة الوزراء السابقة ليز تروس وزعيم حزب بريكست نايجل فاراج.
تحديات أمام ستارمر وهاريس
واجه كل من ستارمر وهاريس تحديات في قيادة حزبيهما وسط اضطرابات سياسية واقتصادية شديدة، حيث اتبع ستارمر، الذي أمضى أربع سنوات في ترميم مكانة حزب العمال، سياسة تعتمد على التواصل مع الناخبين التقليديين، واتباع نهج صارم في مسائل الجريمة والهجرة، وهو نهج يهدف إلى استقطاب الناخبين من الطبقة العاملة، وخصوصًا من يشعرون بالتهميش الاقتصادي. وتقول رئيسة الوزراء السابقة ليز تروس، إن حزب المحافظين خسر الانتخابات أمام حزب العمال بسبب استياء الناخبين من أداء الحزب، ما ساعد ستارمر في الوصول إلى السلطة.
على الجانب الآخر، تواجه هاريس تحديًا مشابهًا يتمثل في ضرورة طمأنة الناخبين الأمريكيين بقدرتها على القيادة، وسط انقسامات سياسية واقتصادية شديدة، ما يدفعها لتبني استراتيجيات قريبة من تلك التي اتبعها حزب العمال البريطاني.
قلق في بريطانيا بشأن ترامب
يثير احتمال عودة ترامب إلى الرئاسة قلقًا في الأوساط السياسية البريطانية، حيث يرى المشرعون أن ذلك قد يؤثر بشكل كبير على السياسة الخارجية الأمريكية، وخاصة فيما يتعلق بدعم أوكرانيا.
وتشير التحليلات إلى أن تراجع دعم الولايات المتحدة لكييف قد يؤدي إلى قطيعة مع الحلفاء الأوروبيين، كما أن رؤية ترامب تجاه العلاقات الدولية قد تكون مصدر ضغط جديد على لندن.
مستقبل متوقع للعلاقات البريطانية الأمريكية
يعد الحفاظ على "العلاقة الخاصة" بين البلدين أمرًا مركزيًا في السياسة البريطانية، ويمثل تحديًا جديدًا أمام كير ستارمر، الذي يتعامل مع وضع سياسي غير تقليدي يفرض إعادة النظر في التعاون مع الولايات المتحدة، سواء كان ذلك في ظل إدارة ديمقراطية بزعامة هاريس، أو جمهورية بزعامة ترامب.
ورغم أن السياسة الأمريكية التقليدية ظلت لعقود متجانسة مع تطلعات بريطانيا، إلا أن التحولات الحالية في النظام السياسي العالمي تدفع لندن إلى الاستعداد لأدوار جديدة، قد تجعل من بريطانيا القائد العالمي للوسطية في الديمقراطيات المستقرة.