تستعد بريطانيا لحدث اقتصادي وسياسي بارز الأربعاء المقبل، حين تقف راشيل ريفز، أول امرأة تتولى منصب وزير المالية في تاريخ المملكة المتحدة، أمام مجلس العموم لتقديم أول موازنة لحكومة حزب العمال منذ 15 عامًا.
وتأتي هذه الموازنة في ظل ظروف استثنائية وتحديات غير مسبوقة، مع تصاعد المخاوف داخل الحزب من تداعياتها السياسية المحتملة على مستقبل الحكومة الجديدة.
تحديات غير مسبوقة
كشفت مصادر مطلعة لصحيفة "ذا جارديان" البريطانية عن حالة من القلق المتزايد تسود أروقة حزب العمال، مع اقتراب موعد الإعلان عن الموازنة الجديدة، إذ تواجه الحكومة معضلة حقيقية تتمثل في كيفية التعامل مع فجوة مالية ضخمة تقدر بنحو 22 مليار جنيه إسترليني، في وقت تتصاعد فيه التوقعات الشعبية بتحقيق وعود الحملة الانتخابية.
وتشير التقديرات إلى أنّ القيود المُشدّدة على زيادة الضرائب، إلى جانب شُحِّ الموارد المالية المتاحة، ستجبر الحكومة على اتخاذ قرارات صعبة قد تؤثر سلبًا على شعبيتها.
وفي تفاصيل مثيرة للقلق، نقلت "ذا جارديان" عن عدد من نواب حزب العمال مخاوفهم من أن تؤدي الإجراءات التقشفية المُتوقعَة إلى تقويض ثقة الناخبين في قدرة الحكومة على إحداث التغيير المنشود.
وتتركز هذه المخاوف بشكل خاص حول البطء المتوقع في معالجة الأزمة المستفحلة في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، مع احتمال أن تؤدي المقارنات مع فترة حكم المحافظين إلى تآكل الدعم الشعبي للحكومة الجديدة.
إجراءات صعبة
وكشفت المعلومات المُسرّبَة عن توجّه الحكومة نحو تبني حزمة من الإجراءات التقشفية الصعبة، من بينها تقليص مدفوعات الوقود الشتوي وإجراء تعديلات جوهرية على نظام إعانة الأطفال.
ونقلت "ذا جارديان" عن أحد النواب قوله: "ركزت حملتنا الانتخابية على التغيير، والتوقعات الآن مرتفعة للغاية.. إذا كانت الحكومة ستتخذ قرارات صعبة في وقت مبكر، مثل تغيير نظام مدفوعات الوقود الشتوي، فيجب أن تكون واثقة من قدرتها على منح الناس بارقة أمل يوم الأربعاء".
وتبرز قضية الرعاية الاجتماعية كأحد أهم خطوط المواجهة في النقاش الدائر حول الموازنة الجديدة، فبينما يرى بعض النواب أنّ أي تخفيضات كبيرة في المساعدات، خاصة تلك الموجهة للمعاقين والأسر، تمثل خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه، يعتقد آخرون أنّ هناك تأييدًا شعبيًا واسعًا لاتخاذ موقف متشدد تجاه نظام المساعدات الاجتماعية.
وأشارت المصادر إلى أنّ هذا التوجه يتماشى مع مواقف ريفز السابقة عندما كانت وزيرة الظل للعمل والمعاشات.
وحدة داخلية وتماسك حزبي
على الرغم من حجم التحديات، تظهر مؤشرات قوية على تماسك الحزب وقدرته على تجاوز هذه المرحلة الحرجة، إذ أكدت مصادر مطلعة في وزارة الخزانة لـ"ذا جارديان" عدم وجود أي انقسام بين الوزارة ومكتب رئيس الوزراء، مشيدة بالموقف الحازم لرئيس الحكومة كير ستارمر في التعامل مع الوزراء الذين عبروا عن مخاوفهم بشأن ميزانيات وزاراتهم.
وقال مصدر في الخزانة: "ردُّ مكتب رئيس الوزراء كان حازمًا، وهذا كان جيدًا بالنسبة لنا.. كير يدعم كل ما نقوم به".
تحذيرات من المستقبل
في تحذير لافت، أشار ديفيد بلانكيت، أحد أبرز قيادات حزب العمال السابقين، إلى أنّ هذه الموازنة قد تحدد المسار السياسي للحكومة طوال فترة البرلمان الحالي، وقال في تصريحات للإذاعة البريطانية: "إذا كنتم تريدون الحصول على فترة ثانية في الحكم، لتنفيذ ما تريدون فعله حقًا على المدى الطويل، فعليكم الحفاظ على درجة من الشعبية".
وتواجه الحكومة تحديات إضافية من المتوقع أن تأتي من حزبي الخضر والديمقراطيين الأحرار، اللذين سيهاجمان عناصر من الموازنة من اليسار، إضافة إلى الهجمات المتوقعة من المحافظين حول أي زيادات ضريبية قد تعد خرقًا للوعود الانتخابية.
وتكتسب هذه الموازنة أهمية خاصة كونها الأولى لحزب العمال منذ موازنة أليستير دارلنج في أبريل 2009، ما يجعلها لحظة محورية في تحديد ملامح الحكومة الجديدة وقدرتها على تحقيق وعودها الانتخابية مع الحفاظ على الدعم الشعبي.