مفترق طرق بين تحديات اقتصادية خانقة وضغوط سياسية متفاقمة، ومعالجة أزمات سابقة ومتلاحقة التي أصابت الحزب الليبرالي الديمقراطي في الصميم. هذه الانتخابات، التي تبدو كاختبار حاسم، ستحدد إن كان "إيشيبا" سيتمكن من توطيد سلطته، واستعادة الثقة، والمضي قدمًا بمستقبل اليابان نحو استقرار سياسي واقتصادي مستدام.
في مشهد سياسي مضطرب، يتقدم رئيس الوزراء الياباني الجديد شيجيرو إيشيبا إلى الانتخابات العامة بعد أسابيع فقط من توليه منصبه، سعيًا لتثبيت مكانة حزبه الليبرالي الديمقراطي، المتعثر وأزمات الثقة الشعبية، فتتشابك هناك التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية في اليابان لتضع "إيشيبا" أمام اختبارٍ حاسم، يحدد مصير حزبه ومساره في الحكم.
انتخابات ومحاولة استعادة الثقة
فُتحت صناديق الاقتراع، اليوم الأحد، أمام الناخبين اليابانيين في انتخابات عامة وصفت بالاختبار الأول لرئيس الوزراء الجديد شيجيرو إيشيبا، ويأتي هذا التصويت بعد أن بادر إيشيبا (وزير الدفاع السابق) إلى الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة فور فوزه بزعامة الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم الذي تأسس عام 1955.
وتعرّض حزب إيشيبا أخيرًا لانتقادات لاذعة إثر أزمات سياسية واسعة النطاق، ووفقًا لما نشرته صحيفة "سي إن إن" الأمريكية، يسعى إيشيبا (67 عامًا) للحصول على تفويض من الشعب لتعزيز مكانة حزبه، وسط تراجع حاد في معدلات التأييد الشعبي نتيجة أزمة تمويل ضخمة أثارت غضب الشارع.
سياسة داخلية مضطربة
تأتي هذه الانتخابات في ظل أزمة هزّت أوساط الحزب، تتعلق بتورط بعض المشرّعين في الحصول على أموال سياسية غير موثقة، وزُعم أن سياسيين فشلوا في الإفصاح عن هذه الأموال ضمن بياناتهم المالية.
ومع تسارع الأحداث، حاول رئيس الوزراء السابق، فوميو كيشيدا، إصلاح ما يمكن إصلاحه باستبدال عدة وزراء وتفكيك بعض الفصائل الداخلية، لكنه واجه ضغوطًا كبيرة اضطرته إلى إعلان عدم ترشحه لفترة ثانية.
وعلى الرغم من تولي إيشيبا القيادة، إلا أن هذه الأزمة لا تزال تلقي بظلالها على الحزب، مع تصاعد الاستياء الشعبي أيضًا بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وتداعيات الاقتصاد المتباطئ الذي يعاني من ضعف العملة الوطنية (الين) وارتفاع معدلات التضخم.
استراتيجية إيشيبا الاقتصادية
تعهّد شيجيرو إيشيبا خلال حملته الانتخابية بعدة إجراءات لدعم الفئات المتضررة، تضمنت تقديم مساعدات مالية للأسر ذات الدخل المحدود، ورفع الحد الأدنى للأجور، إضافة إلى تحفيز المناطق الريفية بهدف تعزيز الاقتصاد المحلي.
وأعلن إيشيبا وفقًا لوكالة "رويترز" عن خطته للخروج من حلقة التضخم المرتفعة والعمل على تحسين الأجور الحقيقية، في خطوة تهدف لزيادة رضا الناخبين وتقديم حلول واقعية للأزمة الاقتصادية.
تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة
وضع إيشيبا تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة كأولوية قصوى في ظل المتغيرات الأمنية المتزايدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إذ تعتبر الولايات المتحدة شريكًا استراتيجيًا لليابان، وكانت سياسة كيشيدا قد شهدت تطورًا لافتًا في التعاون الدفاعي بين الدولتين.
من جانبه، يسعى إيشيبا إلى إقامة علاقة متوازنة مع الولايات المتحدة تشمل زيادة الرقابة على القواعد العسكرية الأمريكية داخل اليابان، كما أفادت تقارير لوكالة "رويترز".
ويُعرف "إيشيبا" بتشدده في القضايا الأمنية، حيث طرح في وقت سابق مقترحًا بإنشاء تحالف أمني آسيوي مشابه لحلف الناتو، إلا أنه تراجع عن الفكرة بعد رفضها من قبل الولايات المتحدة، حسبما أوردت "سي إن إن".
تحديات سياسية داخلية
كان إيشيبا شخصية مثيرة للجدل داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي، حيث عُرف بانتقاده الصريح لسياسات حزبه، الأمر الذي أكسبه شعبية واسعة بين القاعدة الشعبية، وجعل منه معارضًا لبعض القوى النافذة داخل الحزب.
وبالرغم من كونه ينتمي إلى التيار الأكثر تقدمية في الحزب، إلا أن خبرته الطويلة في السياسة الداخلية والخارجية كانت العامل الأساسي في صعوده إلى منصب رئاسة الوزراء.
أهمية الأغلبية في البرلمان الياباني
يصوّت الناخبون لاختيار أعضاء مجلس النواب الياباني، الذي يضم 465 مقعدًا، ويسعى إيشيبا وحزبه إلى الحصول على "الأغلبية المطلقة الثابتة" التي تتكون من 261 مقعدًا، ما يمنح الحزب أو الائتلاف القدرة على إدارة كافة لجان المجلس بسلاسة.
فيما يعتبر الحصول على 244 مقعدًا ضمانة لوجود توازن قوي بين أعضاء اللجنة الحزبية والمعارضة، في حين يتطلب اقتراح تعديلات دستورية الحصول على أغلبية ثلثي المقاعد (310 مقاعد).
وقد اتفق الحزب الليبرالي الديمقراطي بزعامة إيشيبا وحزب "كوميتو" الجديد على تشكيل ائتلاف، ما منحهما أغلبية بلغت 279 مقعدًا قبل حل البرلمان استعدادًا للانتخابات.
ويقف شيجيرو إيشيبا على مفترق طرق بين تحديات اقتصادية خانقة وضغوط سياسية متفاقمة، ومعالجة موروث الفضائح المتلاحقة التي أصابت الحزب الليبرالي الديمقراطي في الصميم. هذه الانتخابات، التي تبدو كاختبار حاسم، ستحدد إن كان إيشيبا سيتمكن من توطيد سلطته، واستعادة الثقة، والمضي قدمًا بمستقبل اليابان نحو استقرار سياسي واقتصادي مستدام.