يعتبر المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد أبرز الأصوات السينمائية التي تعبّر عن قضايا الإنسانية والعدالة، من خلال عدسته، إذ ينقل تجارب الشعب الفلسطيني إلى الشاشة الكبيرة، مسلطًا الضوء على تحديات الهوية والوجود خلال جلسة حوارية في مهرجان الجونة السينمائي، مشاركًا رؤاه حول دور السينما في النضال الفلسطيني، ومبرزًا كيف يمكن للفن أن يكون أداة قوية في مواجهة التحديات التي تواجه المجتمعات العربية.
استعرض "أبو أسعد" في هذه الجلسة، تجربته الشخصية ورؤيته للسينما كوسيلة للمقاومة، ملقيًا الضوء على الأمل والتحدي في زمن الأزمات.
الجلسة الحوارية مع المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد التي عُقدت خلال فعاليات المهرجان، أدارها الناقد المصري أحمد شوقي، رئيس الاتحاد الدولي للنقاد، وتناولت الجلسة مسيرته نحو العالمية ودور السينما في القضية الفلسطينية، إضافة إلى التحديات التي تواجه صنّاع الأفلام الهادفة في ظل النظام المهيمن.
تشكيل الهوية السينمائية
بدأ "أبو أسعد" حديثه بالتأكيد على هويته كصانع أفلام، معبرًا عن اعتزازه بكونه إنسانًا أولاً، قائلًا: "لا يمكن تحقيق التقدم إلا من خلال مجموعة لها حقوق متساوية"، موضحًا أن هذا المبدأ مفقود في ظل الأزمات التي تواجه العالم العربي، والتزامه بالنضال ضد مشروع تدمير العالم العربي عبر أفلامه.
تجربة الغربة
رغم مغادرته فلسطين إلى أوروبا في سن الثامنة عشر، أكد "أبو أسعد" ارتباطه العميق بجميع شرائح المجتمع الفلسطيني، قائلًا: "تجربتي في الغرب أكدت لي كيف يُنظر للعرب كتهديد لحضارة الغرب، فهذا مشروع حقيقي لتدمير العالم العربي، وأنا مناهض لهذا المشروع، وأستخدم كل مواهبي في مواجهة التحديات".
أضاف: "أعمل على استخدام أفلامي كوسيلة لمقاومة مشروع تدمير العالم العربي، ولقد اكتشفت من كل أبحاثى أنه مشروع حقيقى، وأنا مناهض لهذا المشروع، لذلك قررت أستعمل كل مواهبى حتى أكون جنديًا فى الحرب ضد هذا المشروع".
الحب والسينما
تحدث "أبو أسعد" عن رغبته في تقديم أفلام تتناول الحب، لكنّه أشار إلى أن هناك أولويات في الحياة تتطلب مواجهة قضايا أكثر إلحاحًا، موضحًا أنه يعيش حالة من التخبط في محاولاته لتحقيق توازن بين رؤيته الفنية والضغوط المفروضة عليه.
الصعوبات المالية
تناول "أبو أسعد" الصعوبات التي تواجه صنّاع السينما العرب، مشيرًا إلى أن التمويل غالبًا ما يأتي مشروطًا، ما يفرض رقابة على المواضيع المهمة ودعا إلى ضرورة إنشاء منظومة خاصة لدعم السينما العربية، مشابهة لـ"البريكس"، للتغلب على هذه التحديات.
بينما تحدث المخرج الفلسطيني عن التحديات التي تواجه صنّاع السينما في العالم العربي، مشيرًا إلى أن معظم التمويل يأتي مشروطًا، ما يفرض رقابة على المواضيع المهمة، ورغم ذلك، أعرب عن أمله في أن يدرك المسؤولون أن مناقشة القضايا الجادة تساهم في إثراء المجتمع. كما اقترح إنشاء منظومة خاصة لصناعة السينما العربية، شبيهة بـ"البريكس"، بهدف دعم المشاريع السينمائية.
وأضاف: "تجربتي بالحياة دفعتني لدراسة الشخصية الغربية جيدًا، فالغرب وضحت له الحضارة آخر 200 سنة فقط، ولأول مرة شمال أوروبا يتحضر، ولاحظت الأغنياء الجدد الذين يمتلكون عقلية معينة، الانهبار بالغرب موجود بهذه الفترة، وهم الآن في طريق الانحدار، عكس الحضارة المصرية الموجودة في دماء المصريين".
وأشار إلى أن مليوني شخص يعانون الجوع في فلسطين، والإنسانية موجودة في غزة، بسبب أن حضارة 6 آلاف سنة موجودة في دمائهم، مضيفًا: "قصصنا معبرة عن الحقبة التاريخية التي نعيش فيها، وليس لدينا طاقات مادية لنشر قصصنا لكننا نمتلك الإنسانية والحضارة التي تدفعنا لأن نقدم عالمنا بصورته الحقيقية".
محاربة العدو
تجسّد تجربة هاني أبو أسعد رمزًا للنضال الفلسطيني، حيث تستمر السينما في كونها أداة فعّالة للتعبير عن الهوية والثقافة في وجه التحديات، فيقول عن ذلك: "محاربة العدو الصهيوني وأكون جزءًا من النضال ضد الاحتلال من خلال الأفلام، ففي البداية كنت أعمل مهندسًا، والتقيت مع المخرج رشيد مشهراوي وأحببت العمل فى السينما فاشتغلت معه مساعد وأكملت مشوارى بعد ذلك واهتممت بطرح القضايا السياسية التي تعبّر عن قناعاتى وتدعّم مجتمعنا العربى".
أهمية مصر الثقافية
أشاد المخرج الفلسطيني بدور مصر كجزء من ثقافته وهويته، مؤكدًا أن "تربيتي كانت على السينما والدراما المصرية".
ولفت إلى أن أعماله تعبّر عن القضية الفلسطينية كجزء من نضاله ضد المشروع الصهيوني، قائلًا: "أنا أعتبر مصر من أهم الدول التي أثرت فى وجدانى وثقافتي، أما بالنسبة لكونى فلسطينيًا فأنا مناهض للمشروع الفلسطيني وكل أعمالى فلسطينية وقدمتها عن القضية، لأني أرى ذلك هو نضال ضد المشروع الصهيوني".
التعاون مع الممثلين
أوضح "أبو أسعد" علاقته مع الممثلين، حيث يسعى دائمًا لاكتشاف المواهب الجديدة. وأكد أن هناك فرقًا بين الممثلين المحترفين الذين يتقاضون أجورًا ضخمة وأولئك الذين يحققون أداءً استثنائيًا.
وعن أعماله الفنية رد قائلًا: "أقدم قصصًا نابعة من ذاتي وتجربتي في الحياة، ولدي علاقة حب وكراهية مع الممثلين، وعلى قدر التعب الذي يتسبب فيه يكون أداؤه افضل، هناك فنانون نجوم يحصلون على أجور ضخمة وقد يكون أداؤهم ليس الأفضل، وهناك ممثلون على مستوى عالٍ من الاحترافية وهذا هو النوع الذي أبحث دائمًا عن التعاون معهم في أعمالي، أحب اكتشاف مواهب جديدة من خلال الاختيارات للفنانين الجدد".
واستطرد: "التعامل مع كيت وينسلت سهل، لكن إدريس ألبا ممثل صعب جدًا في التعامل معه، أحاول فهم نفسية الممثل قبل التعاون معه، وخوض تجربة الإنتاج لأعمال تخص عالمنا العربي هو هدفي الذي أسعى له، وأحب أن أشارك تجربتي مع مخرجين شباب من فلسطين أو الوطن العربي كله".
التفاؤل بالمستقبل
اختتم "أبو أسعد" حديثه بالتفاؤل بمستقبل السينما العربية، مشيرًا إلى أن هناك مواهب قادرة على التعبير عن تجاربها بشكل مؤثر، مشددًا على ضرورة عدم التخلي عن المبادئ، مؤكدًا أن "الطريق للعالمية يبدأ من النجاح في موطن صانع الفيلم"، وأن التقبل للفشل هو جزء من النضال نحو النجاح.