في خضم أجواء سياسية مُتوترة، تترقب جورجيا مصيرها السياسي، مع ظهور النتائج الأولية لانتخابات برلمانية تاريخية، قد تحدد مستقبل علاقة البلاد مع الاتحاد الأوروبي والغرب.
بين حلم أوروبا وتأثير موسكو
تظهر النتائج الرسمية الأولية، بعد فرز 70% من مراكز الاقتراع، تصدر حزب "الحلم الجورجي" الحاكم بنسبة 53% من الأصوات، في انتخابات وصفتها صحيفة الجارديان البريطانية بأنها الأكثر أهمية منذ استقلال البلاد عن الاتحاد السوفيتي عام 1991.
وسارع بيدزينا إيفانيشفيلي، المؤسس الملياردير للحزب والشخصية الأكثر نفوذًا في البلاد، إلى إعلان النصر فور إغلاق صناديق الاقتراع، معتبرًا أن "نجاح الحزب نفسه في مثل هذا الوضع الصعب حالة نادرة في العالم".
ويأتي هذا التقدم في وقت حساس تواجه فيه جورجيا معضلة استراتيجية بين التوجه نحو الغرب أو الانحياز إلى روسيا، فعلى مدى ثلاثة عقود، حافظت البلاد على تطلعات قوية نحو الغرب، حيث تظهر استطلاعات الرأي أن نحو 80% من الشعب يؤيدون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
غير أن الحكومة الحالية، بقيادة حزب "الحلم الجورجي" الشعبوي الذي يحكم منذ 2012، اتخذت مسارًا محافظًا بعيدًا عن الغرب وأقرب إلى روسيا، وأظهرت ترددًا ملحوظًا في إدانة موسكو لغزوها أوكرانيا.
تحالف غير مسبوق من أجل التغيير
تكشف الجارديان عن مشهد سياسي معقد، حيث يواجه الحزب الحاكم تحديًا غير مسبوق من تحالف يضم أربع قوى معارضة مؤيدة للغرب، تعهدت جميعها بتشكيل حكومة ائتلافية لإزاحته من السلطة وإعادة جورجيا إلى مسار الانضمام للاتحاد الأوروبي.
وتتصدر المعارضة حركة "الوحدة الوطنية" اليمينية الوسطية، التي أسسها الرئيس السابق ميخائيل ساكاشفيلي، المسجون حاليًا بتهم يصفها حلفاؤه بأنها ذات دوافع سياسية.
وفي تصريح لافت، قالت تيناتين بوكوتشافا، زعيمة أكبر حزب معارض، "حركة الوحدة الوطنية": "تظهر استطلاعات الرأي هامشًا مثيرًا للإعجاب بنسبة 10% لصالح المعارضة. نعتقد أن الشعب الجورجي صوت بوضوح لمستقبل في قلب أوروبا ولن يغير أي تلاعب ذلك".
بين الهوية المحافظة والتطلعات الأوروبية
تشير الجارديان إلى معقدة للصراع الداخلي في جورجيا، حيث تتجاوز المعركة الانتخابية لتصبح صراعًا على هوية البلاد وقيمها، فالحكومة الجورجية، المتحالفة مع الكنيسة الأرثوذكسية المحافظة والمؤثرة، تبنت خطابًا يركز على "القيم الأسرية" وينتقد ما تصفه بالتجاوزات الغربية.
وتنقل الصحيفة شهادات من الناخبين تعكس هذا الانقسام. فبينما تقول ماريام خفيديليدزه، طالبة تبلغ من العمر 23 عامًا صوتت للمعارضة: "ديمقراطيتنا ومستقبلنا في أوروبا على المحك. لا يمكن أن نصبح دمى في يد الكرملين"، تعبر إيلين كيكنادزه، البالغة 74 عامًا، عن دعمها للحزب الحاكم قائلة: "نحتاج الآن إلى الاستقرار وعلاقات ودية مع موسكو... دعوا أوروبا تحتفظ بحرياتها".
تحديات العضوية الأوروبية وقانون "العملاء الأجانب"
تسلط الجارديان الضوء على العلاقة المتوترة مع الاتحاد الأوروبي، الذي منح جورجيا وضع المرشح للعضوية العام الماضي، لكنه علق طلبها ردًا على قانون مثير للجدل يُعرف باسم "العملاء الأجانب".
ويفرض هذا القانون، الذي أقر في مايو، على وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية التي تتلقى أكثر من 20% من تمويلها من الخارج التسجيل كـ"عملاء للنفوذ الأجنبي".
وقد أثار هذا القانون موجة احتجاجات واسعة استمرت لأسابيع في الربيع الماضي، حيث وصفه معارضوه بأنه "قانون روسي" يحاكي تشريعًا قدمه الكرملين قبل عقد من الزمن لإسكات المعارضة السياسية.
وتُحذر تينا خيداشيلي، رئيسة منظمة "الفكرة المدنية" غير الحكومية ووزيرة الدفاع السابقة، من أن "الحكومة تتعهد علنًا بتحويل جورجيا إلى دولة الحزب الواحد -وهي خطوة غير مسبوقة في التاريخ الجورجي الحديث".