كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة على فروع مؤسسة "القرض الحسن" اللبنانية، التي تدير نحو 750 مليون دولار سنويًا من التمويل الإيراني لحزب الله، قد تسببت في أضرار بالغة طالت مباني سكنية وتجارية في بيروت وعدة مدن لبنانية، في حين أكد المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن الضربات استهدفت خزانة رئيسية تحت مبنى سكني تحوي "عشرات ملايين الدولارات".
يأتي ذلك في وقت يحذر فيه خبراء من أن استهداف هذه المؤسسة المالية، التي تعد المصدر الرئيسي للخدمات المصرفية لعشرات الآلاف من المدنيين اللبنانيين في ظل انهيار القطاع المصرفي التقليدي، قد يؤدي إلى كارثة إنسانية جديدة في بلد يعاني أصلًا من أزمة اقتصادية حادة.
تداعيات الضربات على المؤسسة والمدنيين
وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عن أن الضربات الإسرائيلية استهدفت بشكل خاص خزانة رئيسية تابعة للمؤسسة تقع تحت مبنى سكني في العاصمة اللبنانية بيروت.
وأكد المتحدث باسم جيش الاحتلال، دانيال هاجاري، أن هذه الخزانة كانت تحتوي على "عشرات ملايين الدولارات"، في إشارة إلى حجم الأموال التي تديرها المؤسسة.
وفي تقييم للآثار المباشرة وغير المباشرة لهذه الضربات، أوضح مكرم عويس، المدير التنفيذي للمركز اللبناني للدراسات السياسية، أن التأثير الأكبر قد يقع على المدنيين اللبنانيين.
وأشار في حديثه للصحيفة إلى أن معظم فروع المؤسسة تقع في الطوابق الأرضية من مبانٍ مختلطة الاستخدام، تجمع بين السكن والتجارة، ما يعرّض حياة المدنيين للخطر ويهدد مصادر رزقهم.
دور محوري للمؤسسة في النظام المالي لحزب الله
كما كشفت الصحيفةالأمريكية، كذلك عن معلومات مثيرة حول حجم العمليات المالية التي تديرها المؤسسة، فوفقًا لـ"شلوميت واجمان" الرئيسة السابقة لهيئة حظر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تتولى مؤسسة القرض الحسن مسؤولية إدارة وحماية نحو 750 مليون دولار سنويًا من التمويل الإيراني المباشر.
ولا يقتصر دور المؤسسة على إدارة الأموال الإيرانية فحسب، بل تمتد أنشطتها، حسب الصحيفة، لتشمل إدارة عائدات ما وصفته المصادر الإسرائيلية بالأنشطة غير المشروعة للمنظمة.
وتستخدم هذه الأموال، وفقًا للمصادر ذاتها، في تمويل العمليات العسكرية ضد إسرائيل وشراء الأسلحة ودفع رواتب المقاتلين.
نظام مصرفي موازٍ
سلّطت الصحيفة الأمريكية الضوء على الدور المتنامي لمؤسسة القرض الحسن في الاقتصاد اللبناني، خاصة بعد انهيار القطاع المصرفي التقليدي في عام 2019، إذ تحولت المؤسسة، التي تأسست في عام 1983 لخدمة المجتمع الشيعي، إلى أكبر مؤسسة للتمويل متناهي الصغر في لبنان، مع شبكة تضم نحو 30 فرعًا.
وتتميز المؤسسة بتقديم خدماتها المالية وفقًا لمبادئ التمويل الإسلامي، إذ تقدم قروضًا خالية من الفوائد لا تتجاوز 5 آلاف دولار، مقابل ضمانات عينية كالذهب والمجوهرات، كما توفر المؤسسة خدمات التحويلات المالية والحسابات الادخارية، ما جعلها ملاذًا للبنانيين في ظل أزمة النظام المصرفي.
العقوبات الدولية والمخاوف من تأثيرها على الاقتصاد اللبناني
تناولت "نيويورك تايمز" بالتفصيل تاريخ العقوبات الأمريكية المفروضة على المؤسسة، إذ صنّفت الخزانة الأمريكية المؤسسة كذراع مالية لحزب الله في عام 2007، متهمة إياها باستخدام غطاء العمل الخيري لإدارة الأنشطة المالية للمنظمة والوصول إلى النظام المالي الدولي.
وفي عام 2021، شدّدت الوزارة عقوباتها على المؤسسة، متهمة إياها باحتكار العملات الصعبة التي يحتاجها الاقتصاد اللبناني بشدة، معتبرة أن هذه الممارسات تساهم في تقويض استقرار الدولة اللبنانية في وقت حرج.
تأثيرات الضربات على مستقبل المؤسسة وعملياتها
تشير الصحيفة إلى أن التأثير المباشر للضربات الإسرائيلية قد يكون محدودًا، إذ يرجّح الخبراء أن المؤسسة كانت قد توقعت استهدافها ونقلت معظم أصولها وممتلكاتها القيمة إلى مواقع آمنة.
ومع ذلك، تشير الرئيسة السابقة لهيئة حظر غسل الأموال وتمويل الإرهاب إلى أن التأثير النفسي قد يكون أكثر عمقًا، حيث يمكن أن تسهم هذه الضربات في "زيادة تآكل الثقة بين حزب الله والشعب اللبناني".
الأزمة الاقتصادية اللبنانية وتداعياتها الإنسانية
تختتم الصحيفة بتحليل شامل للوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان، فوفقًا لتقديرات البنك الدولي، يعيش أكثر من ثلث السكان تحت خط الفقر، وهي نسبة مرشحة للارتفاع بشكل كبير في ظل الأزمة الحالية.
وتفاقم الوضع مع نزوح أكثر من مليون لبناني وتدمير مئات المباني نتيجة القصف الإسرائيلي خلال الشهر الماضي.